انخفاض أسعار النفط المستمر شكل واقعاً مفصلياً
الكويت تواجه تحديات تنويع الدخل وتمويل عجز الموازنة خلال 2018




كونا- تتواصل الجهود الحكومية الكويتية على المستويات كافة، للسنة الرابعة على التوالي في مواجهة تداعيات صدمة انخفاض أسعار النفط وتنصب هذه الجهود في جبهتين مختلفتين ومتكاملتين، أولهما مواجهة عجز الموازنة العامة، وثانيهما تنويع مصادر الدخل القومي.
وشكلت صدمة انخفاض أسعار النفط المستمرة منذ منتصف 2014، واقعاً اقتصادياً ومالياً مفصلياً في الكويت، ما يطرح تساؤلات عدة على كل المستويات وبين جميع الفئات، وأهمها عن مصدر دخل البلاد بعد النفط، والتحضيرات للمرحلة التي تلي النفط والقطاعات التي يمكن الاعتماد عليها كمصدر للدخل القومي.
وطرحت الدولة في سياق مواجهة عجز الموازنة العامة، أولى إصداراتها من السندات الدولية بنحو 8 مليارات دولار في مارس الماضي، لآجال 5 و10 سنوات، لترتفع معها إصدارات الدين العام للكويت متضمنة إصدارات الأذونات وسندات الخزانة المحلية، مضافاً إليها السندات الدولية بنسبة 36 في المئة خلال العام الماضي، لتبلغ نحو 13.3 مليار دينار أي ما يعادل 44.2 مليار دولار، مقارنة بنحو 32.5 مليار دولار عام 2016.
وبلغ عجز الموازنة العامة للبلاد خلال العام المالي الماضي (2016-2017)، نحو 29.5 مليار دولار، في حين تتوقع الموازنة العامة (2017-2018) عجزاً مالياً تقديرياً يبلغ 6.6 مليار دينار حسب بيانات وزارة المالية.
واستكمالاً لمواجهة العجز المتوقع في السنوات المقبلة، أقرت لجنة الشؤون المالية والاقتصادية في مجلس الأمة، مطلع العام الحالي قانونا يأذن للحكومة برفع سقف الدين إلى 25 مليار دينار، ومد فترة الاقتراض إلى 30 عاماً، ما ضاعف الحد المسموح به للدين في الكويت مرتين ونصف، بعد أن كان السقف 10 مليارات دينار، بآجال سداد لا تزيد على 10 سنوات.
وأمام هذا الواقع الاقتصادي بدأت الكويت تنفيذ إجراءات للإصلاح المالي والاقتصادي، بهدف تعزيز دور القطاع الخاص في التنمية وتنويع مصادر الدخل، وتعزيز الإيرادات غير النفطية وترشيد الانفاق العام وتحسين كفاءة الأداء الحكومي بشقيه المالي والإداري.
ويرتكز تنويع أنشطة الاقتصادي الكويتي، على الاعتماد على ديناميكية القطاع الخاص وقدراته التفاعلية، وعلى دور القطاع العام المنظم والداعم لنشاط الأفراد والمؤسسات الخاصة، عبر منظومة تشريعية ومؤسسية متطورة ومشاريع شراكة واعدة، بما يضمن تحسين القدرة التنافسية وتحقيق الاستدامة الاقتصادية والمالية.
وشهد العام الماضي رغم الواقع المالي والاقتصادي الصعب، عدداً من المؤشرات الإيجابية في عملية الإصلاح الاقتصادي، وأهمها ترقية البورصة وتصنيفها ضمن الأسواق الناشئة من قبل مؤسسة (فوتسي راسل) العالمية، والبدء بإنتاج الكهرباء من قبل القطاع الخاص وفقاً لآلية الشراكة بين القطاعين العام والخاص من خلال شركة محطة الزور الأولى، فضلاً عن تحسن تصنيف الكويت في بيئة ممارسة الأعمال حسب مؤشر مجموعة البنك الدولي، وجذب عدد من شركات التكنولوجية العالمية للاستثمار المباشر في البلاد.
من ناحيته قال الأمين العام للمجلس الأعلى للتخطيط والتنمية، الدكتور خالد مهدي، إن الخطط الإنمائية المتتالية حددت القطاعات الاقتصادية التي يمكن الاعتماد عليها، لتنويع مصادر الدخل، والتي تشمل النقل اللوجيستي والخدمات المالية، إضافة إلى السياحة والصناعة والبتروكيماويات والتصدير وإعادة التصدير.
وقسم مهدي هذه القطاعات إلى أربعة من حيث تأثيرها في تنويع الدخل، لافتاً إلى أن الآمال عريضة على القطاع المالي لتنويع الاقتصاد كاول هذه القطاعات، في حين ياتي في المرتبة الثانية قطاع الخدمات الذي يتطلب تبني سياسات في الاقتصاد المبنى على المعرفة، وقطاع المبادرات التجارية الذي يتم إسناده بالمشاريع الصغيرة والمتوسطة.
وأضاف أن القطاع الرابع الذي سيكون مؤثراً في تنويع الدخل هو قطاع البتروكيماويات، بحيث يمكن تنويع المنتجات النفطية وقدرة إنتاجها، مشيراً إلى أن التوجه الوطني الحالي على الاقتصاد المبني على المعرفة، يهدف إلى دعم وتعزيز هذه القطاعات الأربعة.
ورأى أن تنويع مصادر الدخل في الكويت يتركز على عنصر أساسي وقيمة إضافية تملكها البلاد، وهي الموارد البشرية الخلاقة، أي جيل الشباب الكويتي، إذ كشفت التجارب في السنوات الماضية أن الكويت تمتلك جيلاً من الشباب الابتكاري بالفطرة.
وأضاف أن هذا الجيل يمتلك ذهنية خاصة وأدوات عصرية، تتماشى مع الثورة الصناعية الرابعة، لا سيما أنه تابع وواكب «الإنترنت وألعاب الفيديو»، وعايش العالم الافتراضي وغيرها من أدوات الثورة الصناعية الرابعة، ما ساهم في تفكيره التجاري العالمي وإنشاء مشاريع تجارية من هذا المنظور.
من جانبه، قال الباحث في الإدارة والتخطيط والتنمية، الدكتور عبدالعزيز التركي، إن هناك علاقة وثيقة بين الإبداع والاقتصاد أثبتها الخبير البارز في مجال الأعمال التجارية الإبداعية جون هوكنز في كتابه (اقتصاد الإبداع)، الذي أكد أن اجتماع المفهومين معاً يؤدي إلى الثروة الحقيقية.
ورأى أن أصحاب الأفكار في عصر الثورة المعلوماتية أصبحوا أكثر نفوذاً، ممن يشغلون الآلات بل إنهم وفي كثير من الحالات أكثر نفوذاً ممن يمتلكون ادوات الإنتاج نفسها، موضحاً انه بات بالإمكان تحويل الابداع والأفكار اللامعة إلى رأسمال وأرباح.
من ناحيته، قال الرئيس التنفيذي لشركة الخدمات المصرفية الآلية المشتركة (كي نت) عبدالله العجمي، إن الخدمات المالية تلعب دوراً ريادياً في تنويع مصادر الدخل في البلاد، مشيراً إلى وجود العديد من التجارب التي أثبتت نجاح هذا القطاع، بعد تمكن العديد من الشباب الكويتي من تأسيس «شركات ذات طبيعة خدمات مالية» حققت النجاح والاستمراية في العمل.
واعتبر أن التجارة الإلكترونية هي إحدى مجالات الخدمات المالية التي برع فيها الشباب الكويتي في السنوات القليلة الماضية، إذ حققوا نجاحاً منقطع النظير فاق كل التوقعات، وتمكن قسم منهم من التوسع الجغرافي خليجياً ودوليا.