تقرير / عشية ذكرى الاستقلال وفي تأكيد لعزم الدولة على تعزيز قواتها العسكرية

توافق عربي - دولي على تسليح الجيش اللبناني

u0637u0627u0626u0631u0629 u00abu0647u0648u0643u0631 u0647u0646u062au0631u00bb u0641u064a u0642u0627u0639u062fu0629 u0631u064au0627u0642 u0627u0644u062cu0648u064au0629r
طائرة «هوكر هنتر» في قاعدة رياق الجوية
تصغير
تكبير
| كتب محرر الشؤون الاستراتيجية قاسم محمد جعفر |
شهدت اجواء بيروت وعدد من المناطق اللبنانية الاخرى قبل ايام حدثا غير معهود، وغير متوقع إلى حد بعيد، إذ حلقت فيها للمرة الاولى منذ اكثر من عقد ونصف العقد من الزمن طائرات مقاتلة نفاثة من طراز «هوكر هنتر» تابعة لسلاح الجو اللبناني. وكالعادة في مثل هذه الظروف ساد_ الاعتقاد للوهلة الاولى بان تلك الطائرات كانت اسرائيلية تقوم بانتهاك جديد لحرمة الاجواء اللبنانية، ضمن مسلسل الخروقات المستمرة التي ينفذها الاسرائيليون في صورة متكررة لتلك الاجواء. لكنه سرعان ما تبين ان الطائرات المحلقة مطلع الاسبوع الماضي كانت لبنانية بالفعل، حيث قامت بتنفيذ طلعات عدة على ارتفاع منخفض فوق العاصمة، ومناطق اخرى، وصولا الى مدينة صيدا على الساحل الجنوبي.
وجاء تحليق المقاتلات اللبنانية ليؤكد صحة التقارير التي كانت افادت ان سلاح الجو اللبناني نجح اخيرا في خططه الهادفة إلى اعادة تشغيل مقاتلات «هوكر هنتر» وادخالها إلى الخدمة الفعلية من جديد، بعد جهود استغرقت اشهر عدة، حيث تم اجراء طلعات اختبارية عليها مطلع نوفمبر الجاري انطلاقا من قاعدة رياق الجوية في سهل البقاع.

وكان من اللافت ان عودة هذه المقاتلات إلى الاجواء اللبنانية تزامنت مع الاستعدادات الجارية للاحتفال بالذكرى السنوية لاستقلال لبنان، والتي ستكون الاولى في عهد الرئيس ميشال سليمان، المعروف عنه انه يولي مسألة تسليح الجيش وتطوير عتاده وقدراته اهتماما خاصا، منذ ان كان قائدا له قبل انتخابه رئيسا للجمهورية.
معارك نهر البارد
يذكر في هذا المجال ان التفكير باعادة تشغيل مقاتلات «هوكر هنتر» بدأ خلال المعارك التي خاضتها قوات الجيش اللبناني ضد عناصر تنظيم «فتح - الاسلام» في مخيم نهر البارد الفلسطيني العام الماضي.
ففي تلك المعارك، ادركت القيادة العسكرية اللبنانية ان الحاجة تبدو ماسة لتزويد وحداتها المقاتلة على الارض بقدرات هجومية جوية تقوم بتوفير الدعم والاسناد للعمليات البرية. وهذا ما دفع بتلك القيادة آنذاك إلى ادخال تعديلات عاجلة على طائرات المروحية العاملة لديها من طراز «بل - 205» الاميركية الصنع، وتحويلها من مروحيات غير مسلحة ومخصصة لاعمال النقل فحسب إلى مروحيات هجومية قاذفة للقنابل، بعد ان نجح الفنيون العاملون في صفوف القوات الجوية بتزويدها بمعدات ملاحة وتصويب ليلية، وبنقاط تعليق قادرة على حمل قنابل وقذائف صاروخية ومدافع رشاشة، واستخدم الجيش اللبناني آنذاك ما كان موجودا في مخازنه من قنابل من زنة 250 كلغ و400 كلغ و500 كلغ، كانت تعود اصلا إلى المقاتلات التي كانت تعمل لديه سابقا من طراز «هوكر هنتر» و«ميراج - 3»، إلى جانب قاذفات صاروخية من عيار 68 ملم، كانت تعود بدورها إلى المقاتلات المذكورة.
وساهم في نجاح تلك الجهود اللبنانية التي حازت في حينها اعجاب الخبراء العسكريين الدوليين الذين اعتبروها «سابقة لم يشهدوا مثلها من قبل» حصول القوات الجوية على عدد من طائرات الهليكوبتر الفرنسية الصنع من طراز «غازيل» من دولة الامارات العربية المتحدة، وهي الطائرات التي تم الزج بها في معارك نهر البارد فور تسلمها، حيث استخدمت ايضا كمروحيات هجومية مزودة بمدافع رشاشة وقذائف صاروخية وصواريخ موجهة من طراز «هوت».
ومع ان القيادة العسكرية اللبنانية حرصت حتى الان على عدم تأكيد او نفي المعلومات المتعلقة بمقاتلات «هوكر هنتر» فإن التقارير التي وردت في شأنها خلال الاشهر الماضية افادت ان سلاح الجو اللبناني بدأ العمل على اعادة تأهيل تلك الطائرات خلال معارك نهر البارد، وان الجهود الهادفة إلى ادخالها من جديد في الخدمة الفعلية استمرت طوال الفترة الماضية في وجه صعوبات فنية وعملياتية عدة، قبل ان يتم التغلب عليها.
استعادة القدرة القتالية
واستنادا إلى تلك التقارير، فإن سلاح الجو اللبناني قرر اعادة مقاتلات «هوكر هنتر» إلى الخدمة الفعلية بناء على مراجعة جذرية لتركيبة هذا السلاح، ولتشكيلاته العملياتية، في خطوة اعتبرت الاولى من نوعها منذ انتهاء الحرب الاهلية التي عصفت بالبلاد خلال سبعينات وثمانينات القرن الماضي. ففي اعقاب التوقيع على اتفاق الطائف الذي وضع حدا لتلك الحرب، وعلى امتداد التسعينات وحتى الاشهر القليلة الماضية، ظل تسليح القوات الجوية اللبنانية مقتصرا على طائرات الهليكوبتر غير المسلحة، وبدا وكأن ثمة قرارا سياسيا يقضي بعدم تزويد تلك القوات باي معدات او طائرات قتالية، وتضمن ذلك تحويل جميع الطائرات التي كانت لاتزال موجودة في حوزة سلاح الجو إلى المخازن، بما في ذلك 8 مقاتلات من طراز «هوكر هنتر» و4 طائرات تدريب وهجوم نفاثة من طراز «فوغا ماجستير» و3 طائرات تدريب من طراز «بولدوغ» إلى جانب عدد من الطائرات المروحية من طرازات «بوما» و«غازيل» و«أغوستايل - 212» و«ألويت - 2/3».
ولم يحصل سلاح الجو اللبناني في تلك الاثناء سوى على 24 مروحية أميركية من طراز «بل - 205» المعدة لمهمات النقل والدعم اللوجستي، والتي زودته بها الولايات المتحدة على شكل هبة مجانية خلال النصف الثاني من التسعينات، على ان يقتصر استخدامها على المهمات غير القتالية.
كما تم خلال تلك الفترة بيع مقاتلات «ميراج - 3» الى الباكستان، وكان عددها يبلغ 10 طائرات موضوعة جميعها قيد التخزين منذ ان توقف اتسخدامها عمليا في مطلع الثمانينات.
ولهذا، تحظى الخطوة المتعلقة باعادة مقاتلات «هوكر هنتر» الى الخدمة الفعلية بأهمية خاصة، فعلى رغم قدم عهد هذه الطائرات، التي كانت بدأت الخدمة في سلاح الجو اللبناني قبل نحو 50 عاما، (تم تسلم أول طائرة منها العام 1959)، وحقيقة انها لا تشكل ندا عمليا لأي طراز من المقاتلات الحديثة العاملة لدى دول الجوار، فان قرار العودة الى استخدامها يشكل بالنسبة الى القوات الجوية اللبنانية، خطوة نوعية ذات دلالات عسكرية وسياسية لا يمكن التقليل من أهميتها وأبعادها.
فهذا القرار يعني أساسا إعادة تزويد سلاح الجو اللبناني بقدرة قتالية ولو محدودة، كان افتقر اليها على مدى السنوات الماضية، نتيجة لاعتبارات سياسية داخلية واقليمية بالدرجة الأولى، ومن دون ان يكون لها أي مبررات عسكرية أو عملياتية، كما انه يأتي في اطار حديث متزايد عن ضرورة تحديث القوات المسلحة اللبنانية، وتزويدها باحتياجاتها المشروعة، والملحة، من العتاد والقدرات.
فللمرة الأولى منذ سنوات، أصبحت مسألة تسليح الجيش اللبناني وتحسين قدراته القتالية والعملياتية أولوية تتصدر قائمة الاهتمامات، وهو الأمر الذي أدى الى جعلها في الوقت نفسه، قضية مثيرة للجدل، وموضعا للتجاذب السياسي بين القوى والاطراف الداخلية اللبنانية، وعلى المستويين الاقليمي والدولي أيضا.
أهمية رمزية ومعنوية
وفيما يتفق الخبراء العسكريون على ان اعادة تشغيل مقاتلات «هوكر هنتر» لا يمكن النظر اليها الا من زاوية انها خطوة رمزية في الدرجة الأولى، واجراء موقت يهدف الى تزويد القوات الجوية اللبنانية بقدرة قتالية محدودة، في انتظار توافر الظروف الملاءمة، والموارد المالية المطلوبة، لتزويد تلك القوات في المستقبل بطائرات مقاتلة من جيل جديد أكثر تطوراً وفاعلية فان ذلك لا يقلل من اهمية الجهود الجارية حاليا على أكثر من صعيد لاعادة تأهيل عتاد القوات المسلحة اللبنانية في صورة عامة، بعد فترة طويلة عانت خلالها تلك القوات من غياب شبه كامل لخطط التحديث والتسليح.
فالمعلومات المتوافرة تفيد بأن سلاح الجو اللبناني نجح في اعادة تأهيل وتشغيل ما يقدر بنحو 5 الى 6 مقاتلات «هوكر هنتر»، وذلك من أصل 8 طائرات من هذا الطراز كانت موضوعة قيد التخزين في قاعدة رياق الجوية منذ أواسط التسعينات، وستضاف هذه الطائرات الى ما يستخدمه السلاح المذكور حاليا من طائرات مروحية، حيث ستشكل سربا قتاليا واحدا، يعمل الى جانب نحو 24 طائرة مروحية متوسطة أميركية الصنع من طراز «بل - 205» (بعضها معدل لمهام قتالية)، و9 مروحيات قتالية فرنسية الصنع من طراز «غازيل» تم الحصول عليها من دولة الامارات العربية المتحدة (جميعها مسلح) و4 طائرات مروحية خفيفة من طراز «روبنسون ر - 44» (لمهمات التدريب).
ومن المعتقد ان الخطط الراهنة للقوات الجوية تتضمن اعادة تأهيل عدد من الطائرات الاخرى الموضوعة قيد التخزين منذ أواسط التسعينات، ومنها 3 طائرات هليكوبتر قتالية من طراز «غازيل» و5 طائرات هليكوبتر متوسطة لمهمات النقل والاسناد من طراز «بوما»، و7 طائرات هليكوبتر متوسطة متعددة المهمات من طراز «اغوستابل 212» الى جانب 3 طائرات تدريب خفيفة من طراز «بولدوغ».
خطط أبعد مدى
لكن الخطط الابعد مدى لتطوير القوى الجوية تتجاوز هذه الاهداف الفورية، وتتركز في صورة أساسية على تزويد سلاح الجو بعدد من طائرات المروحية الهجومية الجديدة يقدر بنحو 8 الى 12 طائرة، بهدف تشكيل سرب قتالي واحد منها، على ان تكون مزودة بمنظومة متكاملة من الأسلحة والذخائر الهجومية، بما في ذلك الصواريخ الموجهة المضادة للدروع والقذائف الصاروخية والمدافع الرشاشة، وبشبكة ملاحة وتصويب تكفل لها القدرة على العمل ليلا ونهارا في مختلف ظروف الطقس والرؤية.
وعلى ما يبدو، فان ا لطراز المرجح في هذا المجال هو الهليكوبتر الاميركية الهجومية «كوبرا» التي تفيد التقارير ان واشنطن أبلغت الجانب اللبناني استعدادها لتزويده عددا منها، علما بان ثمة معلومات تشير الى ان الجانب الاميركي لم يوافق حتى الآن على تسليح هذه الطائرات بصواريخ «تاو» المضادة للدروع، والتي تشكل مادة تسليحها الرئيسي ما دفع الجانب اللبناني الى التريث في قبول العرض الاميركي في شأنها.
كما تبرز في هذا المجال الرغبة اللبنانية بالحصول في مرحلة لاحقة على عدد من الطائرات المقاتلة من جيل جديد، بهدف احلالها مكان مقاتلات «هوكر هنتر» في غضون السنوات المقبلة، وفيما لم تتوافر حتى الآن معلومات مؤكدة حول نوع الطائرات التي قد يتم الحصول عليها مستقبلا، فان تكهنات عدة سادت خلال الاشهر الماضية، وتركزت في معظمها على استبعاد فرضية ان تكون تلك الطائرات جديدة، أي ان يتم شراؤها من مصانعها مباشرة، نظرا للكلفة الباهظة التي تترتب على ذلك، والتي قد لا يكون لبنان قادرا على تحملها في الظروف الاقتصادية الراهنة او في المستقبل المنظور.
ورجحت تلك التكهنات في المقابل ان يتم الحصول على تلك الطائرات على شكل هبة مجانية، وفي الغالب عن طريق «مصادر عربية» أعربت عن استعدادها لمساعدة القوى الشرعية اللبنانية وتداولت المصادر العسكرية المطلعة في هذا المجال احتمال قيام دولة الامارات بتزويد لبنان عددا من طائرات «هوك» العاملة لدى قواتها الجوية حاليا، وهي طائرات نفاثة بريطانية الصنع تستخدم لمهمات التدريب والقتال الجوي والهجوم الارضي، وتعتبر مثالية، من حيث المواصفات وكلفة التشغيل وطبيعة المهمات، لمتطلبات سلاح الجو اللبناني.
وفي تقديرات اخرى، افادت معلومات لم تتأكد بعد، عن استعداد قطر لتزويد القوات الجوية اللبنانية بمقاتلات «ميراج - 2000» الفرنسية الصنع التي تعمل لدى القوات الجوية القطرية حاليا، والتي تعتزم تلك القوات استبدالها قريبا بطائرات جديدة اكثر تطورا، علما بان مقاتلات «ميراج - 2000» تعد في حد ذاتها واحدة من اكثر الطائرات المقاتلة تقدما وكفاءة في العالم، وحيث سيشكل حصول سلاح الجو اللبناني عليها، اذا ما تم ذلك فعلا في وقت من الاوقات، قفزة نوعية بالغة الاهمية في قدرات ذلك السلاح ومستويات تجهيزه العملياتية.
تطوير القوات البرية
ولا تقتصر خطط تسليح القوات اللبنانية في الوقت الحاضر على المجال الجوي، بل انها تتضمن بطبيعة الحال اعادة تأهيل القوات البرية وتحديث معداتها.
يذكر ان تسليح الوية الجيش اللبناني وافواجه البرية لا يزال مقتصرا في صورة اساسية على معدات كان لبنان حصل عليها في الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي، ويعاني جزء لا يستهان فيه منها من افتقار مزمن لقطع الغيار والذخائر ومعدات الصيانة اللازمة لها. وكان هذا الامر ظهر بشكل واضح خلال معارك مخيم نهر البارد، ما استدعى في حينه عمليات دعم وامداد عاجلة قدمتها إلى الجيش دول عربية واجنبية عدة، بما في ذلك مصر والاردن وسورية والامارات إلى جانب الولايات المتحدة.
وتشتمل معدات الجيش العاملة حاليا على نحو 350 دبابة قتال رئيسية نصفها من طراز «م - 48 باثون»، كان لبنان حصل عليها من الولايات المتحدة في عهد الرئيس السابق امين الجميل في الثمانينات، والنصف الآخر سوفياتي الصنع من طراز «ت - 54/55» تم الحصول عليها من سورية خلال التسعينات. كما تتضمن تلك المعدات اكثر من 1500 عربة قتال وقافلة جنود مدرعة، معظمها من طراز «م - 113» الاميركي الصنع، والباقي من طرازات فرنسية وبريطانية، ونحو 200 قطعة مدفعية ميدان ثقيلة من عيارات متنوعة، وهي خليط من المدافع الاميركية والسوفياتية الصنع، وعدد محدود نسبيا من الراجمات الصاروخية والمدافع المضادة للطائرات والصواريخ المضادة للدروع والصواريخ المضادة للطائرات المحمولة على الكتف.
ويتضح من خلال ذلك ان حاجة الجيش اللبناني تعد ملحة في الوقت الحاضر لتحديث عتاده الميداني في مختلف المجالات، وبالاخص الدبابات والمدفعية وانظمة الدفاع الجوي والدفاعات المضادة للدروع، ومع ان الاردن كان ابلغ لبنان منذ فترة غير قصيرة عن استعداده لتزويد الجيش دبابات قتال رئيسية فائضة عن حاجة القوات الاردنية، ويزيد عددها على 50 دبابة اميركية الصنع من طراز «م - 48 باثون» مع الذخائر وقطع الغيار الخاصة بها، فان ذلك لم يتم في ضوء ما وصفت آنذاك بـ«تعقيدات لوجستية وسياسية» لم يكشف النقاب عن تفاصيلها رسميا، الا انه رجح في حينه بانها كانت ناجمة عن معارضة الولايات المتحدة مثل تلك الخطوة.
كما شهدت خطوة مماثلة اعلنت عنها بلجيكا العام الماضي، وتضمنت تزويد الجيش اللبناني بنحو 40 دبابة قتال رئيسية المانية الصنع من طراز «ليوبارد» مصيرا مماثلا، اذ لم يتأكد حتى الآن ما اذا كانت تلك الدبابات وجدت طريقها إلى لبنان، ام انها مازالت تنتظر شحنها إلى هناك في مرفأ «انتورب» البلجيكي، علما بان الحصول على تلك الدبابات الحديثة والفعالة بالمقاييس الدولية سيشكل بدوره اضافة نوعية مهمة على تجهيز الجيش اللبناني ووحداته المدرعة.
غير ان الامور لا تقف حاليا عند هذا الحد، بل ان الجهود الهادفة إلى تسليح الجيش اللبناني وتعزيز قدراته لا تزال مستمرة، وهي تتخذ في هذه المرحلة اشكالا وابعادا لم يسبق ان شهدتها هذه المسألة من قبل، واقله منذ مطلع ثمانينات القرن الماضي واواسطها.
فاضافة إلى المساعدات والعروض التي حصل عليها لبنان في هذا المجال من دول عربية كالاردن والسعودية وقطر ودولة الامارات العربية المتحدة خلال الاشهر الماضية، برز اخيرا عامل حيوي اخر تمثل في اعلان مصر استعدادها للقيام بدور اساسي على هذا الصعيد، ما اثار تكهنات عدة حول طبيعة ذلك الدعم المصري العسكري وآفاقه المحتملة. كما اعلنت الولايات المتحدة في مناسبات عدة، واثناء زيارات رسمية متكررة قامت بها إلى بيروت بعثات عسكرية رفيعة المستوى، عن استعدادها لتزويد الجيش اللبناني بما يرغب في الحصول عليه من معدات.
وحرصت المصادر الرسمية الاميركية في هذا السياق على التأكيد بانه لم يعد هناك اي تحفظات او موانع ذات طابع سياسي او امني تحول دون دعم القوات الشرعية اللبنانية، في اعقاب انتخاب العماد سليمان رئيسا للجمهورية، الامر الذي فسر بانه يشكل اعلانا رسميا من جانب واشنطن عن عزمها على دعم العهد الجديد ومساعدته على بسط سلطته على البلاد.
وبالفعل، فقد علم في وقت سابق من هذا الاسبوع، ان الادارة الاميركية وافقت رسميا على تزويد الجيش اللبناني دبابات من طراز «م - 60» وذلك في اول خطوة اميركية من نوعها منذ اواسط الثمانينات ولم يكشف حتى الان النقاب عن عدد الدبابات الجديدة التي سيحصل عليها لبنان، لكن مصادر غير رسمية في واشنطن قدرت هذا العدد بنحو الـ 60 دبابة.
وفي هذه الاثناء، اثارت الاهتمام التصريحات التي ادلى بها النائب سعد الحريري، زعيم تيار «المستقبل» وتكتل «14 مارس» المعارض للنفوذ السوري في لبنان، خلال الزيارة التي قام بها اخيرا إلى موسكو، واعلن فيها اهتمام لبنان بالحصول على اسلحة ومعدات روسية لتحديث قواته، خصوصا دبابات وعربات قتال مدرعة ومدفعية ميدانية، الامر الذي ردت عليه المصادر الروسية بالايجاب، معربة من جانبها عن استعداد موسكو لتلبية اي طلبات لبنانية قد توجه اليها ومن المنتظر ان يتم التباحث رسميا بهذا الموضوع خلال زيارة يفترض ان يقوم بها إلى العاصمة الروسية قريبا وزير الدفاع اللبناني الياس المر.
تحفظات داخلية واقليمية
واذا كانت هذه التطورات تعكس في مجملها توجها جديدا يشير بوضوح إلى عزم الدولة اللبنانية على اعادة تأهيل قواتها المسلحة وتعزيز فاعليتها وقدراتها، باعتبارها الوسيلة المثلى لفرض سلطة الدولة وسيطرتها على البلاد، وفي مواجهة التهديدات والاخطار الخارجية، فان ذلك لا يعني ان العوائق السياسية والامنية التي طالما حالت في السابق دون تحقيق هذه الاهداف واستكمالها لم تعد قائمة، او انها زالت تماما.
فتسليح الجيش اللبناني وتعزيز قدراته لا يزال يشكل نقطة خلاف وتجاذب لا يمكن تجاهلها على الصعيد المحلي، حيث تنظر بعض القوى الداخلية إلى تطور كهذا باعتباره قد يشكل خطرا محتملا عليها، وعلى نفوذها السياسي والعسكري على الساحة اللبنانية، في المستقبل.
وينطبق هذا الامر بدوره، وربما باشكال اكثر وضوحا، وحدة على القوى الاقليمية المجاورة للبنان، وتحديدا على اسرائيل وسورية على حد سواء، فالاعتراضات الاسرائيلية على خطوات تسليح الجيش اللبناني وتطوير عتاده وقدراته تعد ظاهرة تقليدية دائمة، وكانت قد نجحت مرارا في الماضي في منع حصول القوات الشرعية اللبنانية على احتياجاتها، وبالاخص من الولايات المتحدة ودول غربية اخرى، بحجة الخشية من وقوع تلك الاسلحة في ايدي «حزب الله» اذا ما تعرض الجيش لاي انقسامات على اسس طائفية ومذهبية، كما حصل ابان الحرب الاهلية، او حتى لمجرد التخوف من اي تعاون ميداني قد يحصل ما بين الجيش و«حزب الله» في حال اندلاع مواجهة عسكرية جديدة على الحدود اللبنانية - الاسرائيلية.
اما التحفظات السورية، وهي تقليدية بدورها، فان ابرزها في الدرجة الاولى عدم رغبة دمشق بتنامي قدرات القوات المسلحة اللبنانية وفاعليتها خارج اطار النفوذ السوري السياسي والعسكري داخل تلك القوات، وعــــــلى الساحة اللبنانية عموما.
غير ان هذه التحفظات والموانع الداخلية والخارجية، لا تبدو قادرة في هذه المرحلة بالذات، على وقف التوجه اللبناني الجديد، والمتزايد، نحو تسليح الجيش الوطني وتعزيزه، بل ان الـــــواضح ان ذلك التوجه يسير قدما وباشكـــال لـــم يــعـتـد اللبنانيون عليها من قبل.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي