خيرالله خيرالله / ماذا لو صدق باراك أوباما مع الفلسطينيين؟

تصغير
تكبير
من أين سينطلق باراك أوباما، في حال نفّذ الوعد الذي قطعه للجانب الفلسطيني والقاضي بعدم الانتظار طويلاً قبل مباشرة بذل جهود حقيقية من أجل إيجاد تسوية مع إسرائيل؟ ما هو أكثر من طبيعي أن ينطلق أوباما من حيث توقف بيل كلينتون والفلسطينيون والإسرائيليون أواخر العام 2000 ومطلع العام 2001. استطاع الجانبان الإسرائيلي والفلسطيني في مرحلة ما بعد فشل «قمة كامب ديفيد» صيف العام 2000 من تحقيق تقدم حقيقي على صعيد حل المشاكل الشائكة، بما في ذلك قضيتا القدس واللاجئين، خصوصاً في المفاوضات التي دارت بين الجانبين في طابا. وجاءت هذه المفاوضات بتشجيع أميركي مباشر، وفي ظل ظروف ضاغطة على الفلسطينيين والإسرائيليين وقتذاك، خصوصاً مع صعود أسهم أرييل شارون والجناح المتطرف الرافض لأي تسوية من أي نوع كان في الساحة السياسية الإسرائيلية. وتبين أن المخاوف من وصول شارون إلى السلطة كانت في محلها. لم تمض أيام على فوز شارون في انتخابات فبراير من العام 2001، حتى طرأ جمود على المفاوضات بين الجانبين. وبات الشعار المعتمد إسرائيلياً أن لا شريك فلسطينياً يمكن التفاوض معه. وطويت بالتالي صفحة التفاهمات التي أمكن التوصل إليها في طابا، كما طوى الرئيس بوش الابن الإطار الذي صدر عن بيل كلينتون، والذي كان يشكل صيغة معقولة ومقبولة، ويتضمّن الخطوط العريضة التي يمكن أن تجعل المفاوضات تسير في الاتجاه الصحيح، أي الاتجاه الذي يؤدي إلى تسوية ترفع بعض الظلم اللاحق بالشعب الفلسطيني، وتوفر له مكاناً على الخريطة الجغرافية للشرق الأوسط.
هناك إذاً قاعدة يمكن أن ينطلق منها الرئيس الأميركي الجديد، الذي قال لرئيس السلطة الوطنية السيد محمود عبّاس (أبو مازن)، عندما التقاه في رام الله الصيف الماضي، أنه لن يتصرّف على طريقة بوش الابن، أي أنه لن ينتظر العام الأخير من ولايته الثانية كي يتحرك على المسار الفلسطيني- الإسرائيلي. يستطيع الرئيس الأميركي المنتخب أن يضع كلامه موضع التنفيذ بالنسبة إلى النزاع الفلسطيني- الإسرائيلي في حال كان يريد التمسك بالوعود التي قطعها في أثناء حملته الانتخابية، مثبتاً أن الوعود ليست كلاماً فارغاً يصدر في المواسم الانتخابية، بل أن هناك مصلحة أميركية حقيقية في الاستقرار في الشرق الأوسط، وأن لا مفر من العودة إلى فلسطين والبحث عن سلام شامل في المنطقة إذا كان المطلوب أن تكون هناك معالجة جذرية لقضايا كثيرة، من نوع التطرف والإرهاب والعراق، وأفغانستان، وباكستان، والملف النووي الإيراني، وما إلى ذلك من قضايا معقدة، من بينها النزاعات المذهبية المستجدة. إنها نزاعات لعبت السياسة الأميركية الخرقاء لجورج بوش الابن دوراً كبيراً في إثارتها وتغذيتها انطلاقاً مما شهده العراق نتيجة الاحتلال الأميركي.
يفترض في الجانب الفلسطيني أن يعي في هذه المرحلة أن احتمال تركيز أوباما منذ البداية على الشرق الأوسط وارد جداً، على الرغم من أن همه الأول سيكون الأزمة الاقتصادية العالمية التي انطلقت من الولايات المتحدة نفسها، حيث تواجه شركات كبيرة من بينها «جنرال موتورز» خطر الافلاس. فالرجل أثبت، أقله إلى الآن، أنه صادق في وعوده وأنه أكثر من جدي. ماذا في حال صدق أوباما بوعده الفلسطيني؟ ثمة عاملان يمكن أن يحملاه على التراجع والانصراف إلى أمور أخرى في انتظار أيام أفضل قد لا تأتي في المستقبل القريب. العامل الأول بقاء الوضع الفلسطيني على حاله، أي وجود كيانين فلسطينيين منفصل كل منهما عن الآخر، وعدم قدرة رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية على اتخاذ قرارات جريئة بمعزل عن قطاع غزة، الذي تحوّل «إمارة إسلامية» تابعة لـ «حماس» ومن يسيرها من قوى إقليمية. هذه قوى تنظر إلى الشعب الفلسطيني كوقود في معاركها، والصفقات التي تتطلع إليها. أما العامل الآخر، فإنه يتمثل في عودة بنيامين نتنياهو إلى رئاسة الحكومة الإسرائيلية نتيجة انتخابات العاشر من فبراير 2009. عندئذ، لن يكون هناك مانع إسرائيلي في تكرار تجربة شارون التي امتدت إلى آخر عهد بوش الابن، على الرغم من غياب السياسي الإسرائيلي العجوز عن المسرح السياسي.
في كل الأحوال، من مصلحة الجانب الفلسطيني التصرف من منطلق أن ثمة أملاً في فرصة ما خلال الأسابيع والأشهر الأولى من عهد باراك أوباما. ليس أمامه سوى أن يكون مستعداً لإعلان أن غزة ليست عائقاً، وأن السلطة الوطنية على استعداد للسير في حل، أو على الأصح في تسوية، بغض النظر عن استعداد «حماس» لاعتماد برنامج سياسي واضح كل الوضوح ينطلق من القبول بإطار كلينتون، والتفاهمات التي تم التوصل إليها في طابا. بكلام أوضح، من واجب الفلسطينيين العمل من أجل تأكيد أنهم ليسوا عقبة في طريق السلام بعد كل ما عانوه في عهد بوش الابن، الذي اعتبر أن من واجبه السكوت عن أرييل شارون، وتغطية مناوراته الهادفة إلى خلق واقع جديد على الأرض اسمه الاحتلال. ليس هناك مكان تذهب إليه غزة سوى فلسطين. وليس هناك مكان تذهب إليه «حماس» سوى إشهار إفلاسها السياسي في حال فشلها في الاستيلاء على الضفة الغربية. وليس هناك مكان تذهب إليه إسرائيل سوى القبول بحل الدولتين في حال كانت تريد المحافظة على ما تسميه «الدولة اليهودية». نعم هناك فرصة ما في بداية عهد أوباما، على الفلسطينيين عدم إضاعتها، على الرغم من صعوبة الوضع وتعقيداته!
خيرالله خيرالله
كاتب وصحافي لبناني مقيم في لندن
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي