من زاوية أخرى

القدس عروس عروبتكم؟!

تصغير
تكبير

لا يصدق عاقل أن إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني المحتل وتوجيهه بنقل السفارة الأميركية إليها، كان إعلانا من دون سابق ترتيب وإعداد واستطلاع للآراء، بل وربما نيل الضوء الأخضر من بعض الجهات في عالمنا العربي. فمن يتابع السياسة الأميركية يعرف تمام المعرفة أن هذا القرار ظل حبيس الأدراج الأميركية لأكثر من 35 سنة، رغم أنه اتخذ ولكن لم تجرؤ أي إدارة على الإعلان عنه واتخاذ الخطوات التنفيذية له، حتى أتى ترامب المعروف بفوضويته وعد الاحترام ليعلن القرار ضاربا بمشاعر العرب والمسلمين عرض الحائط.
فكيف وصل ترامب إلى قناعة بالإعلان عن القرار؟ وهل كان لديه يقين بأن العرب والمسلمين لن يحركوا في مواجهة الخطوة الأميركية سوى الحناجر التي لا يتجاوز تأثيرها ساحات التظاهر العربية والإسلامية، مع بعض بهارات إحراق الأعلام الأميركية والصهيونية، ثم يعود كلٌ إلى بيته منتشيا بنصرة القدس بحنجرته وولاعة سجائره؟
لا أدري لماذا قفز إلى ذهني - مع إعلان ترامب سيئ الذكر - تصريح رئيسة وزراء الكيان الصهيوني في حقبة السبعينات من القرن الماضي غولدا مائير التي قالت في مذكراتها، إنها لم تنم عندما أقدمت على الأمر بإحراق القدس، خوفا من ردة فعل العرب والمسلمين، وهي تتوقع أن تصبح على زحف يمحو إسرائيل من الوجود، ولكنها تتابع في مذكرتها «عندما أصبحت ولم أجد أي رد فعل على الأرض من العرب عرفت أننا أمام أمة نائمة». وأظن أن ترامب وصل إلى هذه القناعة، أو أنه عرف أن هذه الأمة، بعدما عصفت بها أحداث الثورات وتخاذل بعض الأنظمة، لن يتعدى اعتراضها الحناجر، وهو ما حدث بالفعل، فمنذ الخميس الماضي، ونحن نعيش حربا لا هوادة فيها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، تطورت بعض الشيء بعد صلاة الجمعة بخروج تظاهرات هناك وهناك، هتفت بموت أميركا وزوال إسرائيل والنصر للقدس والشعب الفلسطيني المناضل.


ولعل الحقيقة التي تؤلم وتقض مضاجع من له ضمير ومشاعر، أن الفئة الوحيدة التي كتب الله لها أن تعيش النضال والمواجهة مع الصهاينة، هم الفلسطينيون وبالتحديد المقدسيون الذين أخذوا على عاتقهم القيام بمهمة الأمة في مواجهة المحتل الغاصب، وقد دفعوا في هذه المهمة زهرة شبابهم شهداء وسجناء ومهجرين. وقد رأيناهم كيف دافعوا عن المسجد الأقصى في بداية العام الحالي عندما حاول الصهاينة تركيب كاميرات وأجهزة تفتيش إلكترونية على أبوابه، فوقفوا وقفة رجل واحد حتى دفعوا بالصهاينة للتراجع عن قرارهم ودخلوا المسجد الأقصى منتصرين. كما لا ننسى أبناء فلسطين من سكان الضفة الغربية وغزة الذين يعيشون حياة الجهاد يوميا، وهم يتعرضون لأذى اليهود وأساليبهم التي يتفنون فيها لتعذيب الشباب الفلسطيني ومحاولة اقتلاعه من جذوره ولكن هؤلاء الشباب ومن خلفهم رجال ونساء آلوا على أنفسهم البقاء والدفاع عن الأرض بالغالي والنفيس.
أما أبناء الأمة من العرب والمسلمين، فهم «موسميون» في تعاطيهم مع القضية، بمعنى انهم لا يتذكرون القدس وفلسطين إلا عندما تتعرض لحادث، فيستل الشباب سيوف «تويتر» و«فيسبوك» ويهاجمون المحتل الغاصب ويصبون عليه جام غضبهم، حتى إذا انتهت المعركة عادوا يلهون ويلعبون.
وإذا ما سألتني عن الموقف العربي الرسمي، فإنه لن يختلف عن الموقف الشعبي، فقد توالت تصريحات الرفض والاستنكار لقرار ترامب، والتحذير من تداعياته على الأمن والاستقرار، والدعوات لانعقاد جلسات واجتماعات، على مستويات القمة والسفح، وإصدار بيانات الرفض ودعوة الولايات المتحدة لمراجعة قرار رئيسها، ثم مناشدة المجتمع الدولي للاضطلاع بدوره في حماية القدس، وفق ما أقرته قرارات مجلس الأمن. وأنا أقول لهم: وهل جنى على العرب عامة، وقضية فلسطين خاصة، إلا المجتمع الدولي وقراراته؟ فإلى متى سيبقى الصهاينة يعربدون، بحماية أميركية غربية، وسيبقى العرب يدينون ويستنكرون فقط؟

h.alasidan@hotmail.com
@Dr_alasidan

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي