ضواحي

لك أسلمتهم

تصغير
تكبير
| تسنيم الحبيب |
يتهامسان... وأمعن التحديق في شفتيهما تسولا للحقيقة، مهما كان أمضها راقدة على هذا التابوت الأبيض... متوجسة مرتعبة... أكاد أرى الحقيقة نصلا يمزقني... يمزق أحلامي... تاراتي الغضة... تبسّم أطفالي... ثم يتغمد في قلبي.
يهرب نزر من كلماتهما الى أذني... كلمات أصرّا أن يلبساها ثوبا أجنبيا... سخرت منهما متحدية: «أنا معلمة أحياء»!
ترفع هي لوحة الأشعة من على سناء الشاشة، ثم تدفنها في ذلك الظرف الأجرد الا من اسمي كضغث مصفر يحتضر...
تدعوني الى النهوض... أصلح هندامي، ثم أسكن (ولا أسكن) على الكرسي المقابل لمكتبها، أقول لها مبتدرة: «لا داعي للتحفظ..فقد أدركت كل شيء وأستطيع مواجهة هذا الكل».
تلعق شفتيها وتجيبني: «الأمل بالله كبير وهذه فحوصات أولية».
أنظر الى الفراغ وأتسائل: «وبعد...؟»
«أرى العلاج الكيميائي أجدى... فالجراحة تخيب غالبا في مثل هذه الحالة».
أهب واقفة... أشكرها بحرد... مارد من غضب يستولي عليّ... يمضغني الخوف يلفني برشاه الشائكة لتسير بي قدماي في مسارب «الحيّات» وترصد مقلتاي ما يمور حولي من صور كرسي متحرك... قبعة قميئة... نحيب يتسرب من غرفة أشبه بالقبر.
أنسج الصور على الأشفار لألونها بلون الرفض، أخرج من المبنى لتغيم عيناي... كأنهما وليدتان... تريان الحياة لأول مرة... كل شيء يبدو جديدا... غريبا... موحشا... حتى وجه زوجي المترقب الذي أغلق هاتفه مذ اقتربت، غربة تضرب أوتداها في قلبي... تكفنني بأنابها الغبناء... لتغمسني في بحر الحتوف بلا قرار، أغلق باب السيارة... يدير مقودها... أغمض عيني وأنسى كل شيء... الا وجوه أطفالي!...
خمسة أشهر... وذلك الوحش الخبيث يتقبّع في أعماقي... يمتص دمائي وأنا سادرة في جهلي أغفو وأستيقظ عليه...
خمسة أشهر أركن أوجاعي اللاشعور... أستمهلها فلا وقت لدي! وقتي محدد النصاب. أمضيه بين تقويم... وصنع ضفيرة.
يومي متنازع عليه ولكل منه شرب معلوم فماذا الآن ولمن أسلمهم؟...
البرد يجلدني... كل دثارات العالم لا تدفؤني... شعري يتساقط لأبدو كميس الخريف ومقل يتيمة مصلوبة على ثمالتي
نفس التهامس... تبثه لزوجي المذهول هذه المرة... لتنحدر الدمعة من عينيه، تتشرع أبواب المنون... أرفع عيني للسماء... له... أناجيه: «رباه... لك أسلمتهم».
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي