سياسة الجسور المغلقة

تصغير
تكبير
مريم، اردنية مريضة بالسرطان، لم تعرف أن بوسعها أن تشكل تهديدا أمنيا. في إحدى الليالي الاخيرة وصلت من عمان إلى جسر الشيخ حسين قرب بيسان وطلبت الدخول إلى إسرائيل. وفي هذه الأيام يفترض أن تبدأ علاجا كيماويا في تل أبيب، وفي الغداة تقرر لها لقاء أولي مع أطبائها في مستشفى ايخلوف.
عندما وصلت إلى الجانب الإسرائيلي من المعبر قيل لها انها مرفوضة الدخول. عاملوا شرطة الحدود، كما تروي، لم يروا حتى حاجة للاطلاع على ملفها الطبي. وبعد ساعتين من الترقب عديم الجدوى، في أثنائها حاولت مناشدة قلوبهم، اعيدت مكللة بالخجل إلى عمان. مريم، ابنة 45، صحافية لها أيضا جنسية كندية، زارت إسرائيل عشرات المرات منذ وصلت إلى هنا لأول مرة في العام 1993، وفي بعض من زياراتها مكثت هنا أسابيع طويلة لغرض عملها. في آخر مرة وصلت إلى البلاد لأسبوع فقط قبل أن يرفض دخولها. في حينه دخلت دون مشاكل. عندما أردنا فحص لماذا منع دخولها هذه المرة بالذات، أفادت المخابرات الإسرائيلية بأنه ينبغي عليها أن تجتاز قبل ذلك فحصا أمنيا.
كابتن المنتخب الفلسطيني في كرة القدم أيضا صائب جندية، يجلس هذه الأيام في بيته في غزة ويتساءل لماذا حظر عليه السفر مع رفاقه إلى رام الله. جندية، ابن 33، سمح له مرات عديدة في الماضي بالسفر للمباريات في الضفة وفي الخارج. ومنذ 15 عاماً وهو يلعب كرة القدم، ولم يكن يشارك في أي نشاط معادٍ. في بيته خمسة أطفال كانوا يسرون لرؤيته عائدا من مثل هذه السفريات. ولكن دولة إسرائيل، وخلافا لباقي رفاقه في المنتخب، تقرر أن يبقى في البيت. التفسير الرسمي كما هو متوقع، هو أسباب أمنية. الانشغال في إحباط الإرهاب هو أمر معقد ومتعدد الأوجه، ولن نعرف أبدا ما يقف حقا خلف ذاك الإخطار الذي منع الدخول إلى إسرائيل لهذين الشخصين وأمثالهما. يحتمل أن يكون الحديث يدور عن إخطار موقت فقط، أو أنه إخطار ليس موجها شخصيا ضدهما، بل لكل مواطن عربي بصفته هذه. ولكن عندما تمنع دولة إسرائيل دخول مريضة سرطان، تمول علاجها من أموالها الخاصة، أو لاعب كرة قدم محبوب من أبناء شعبه، فإنها لا يمكنها أن تشكو بعد ذلك من أن العرب يرفضون التطبيع.
لماذا في واقع الأمر لا توجد سياحة من مصر إلى إسرائيل، ولماذا الاردنيون بالكاد يزورون هنا، وكيف حصل أنه لم يظهر هنا أبدا مواطن مغربي، وتونسي؟ الأسباب متنوعة: من الصعب أن نتوقع من المواطن العربي الذي لا يربو متوسط دخله عن 400 شيكل في الشهر، أن يمول لنفسه رحلة إلى إسرائيل. كما أن السلطات في بلاده لا يرون بعين طيبة سفريات رعاياهم إلى هنا ويضعون المصاعب. كما يوجد أيضا نفور طبيعي، بني على مدى عشرات الأعوام من النزاع.
ولكن لقائمة الأسباب التي بسببها لن تروا في الزمن القريب سائحا عربيا في متنزه تل أبيب يوجد أيضا جانب آخر: إسرائيل غير متحمسة لاستقبال هؤلاء الضيوف. والاحتمال في أن تمنح تأشيرة دخول لمواطن من دولة عربية يقترب من الصفر. مواطنون اردنيون يروون بأنهم عندما يطلبون تأشيرة من القنصلية الإسرائيلية في عمان يقترح عليهم أحد الموظفين العودة إلى بيوتهم حتى قبل أن يعبئوا الطلب. ولا يعتقد أي مصدر رسمي أن عليه واجب الاعتذار من مريضة السرطان، أو من لاعب كرة القدم اللذين رفض دخولهما، مع أنه كثيرة الاحتمالات في أن يكونا هما ضحية مساعي احباط وليس هدفا لها.
هذه السياسة قد تساعد بعضا من رجال أقسام المخابرات والشرطة أن يناموا بهدوء أكبر، ولكن كونها ثابتة وليست بالصدفة فإن فيها ما يشهد جيدا على مفهوم السلام المخلول لحكومات إسرائيل. هذا الفهم، لشدة الأسف، واضح بما فيه الكفاية: إسرائيل معنية بالسلام فقط إذا ما منح لها أمن، ولكن ليس لها أي مصلحة في أن تغمر بالجيران... بالسياح.
جاكي خوجي
«معاريف»
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي