هاتفني. عرفني بنفسه ودعاني لزيارته في منزله للحوار معه وأصدقائه. حددنا الموعد. وكان اللقاء... خمسة شباب لا يتجاوز أكبرهم الثلاثين سنة. عرفني كلّ بنفسه. أسماؤهم مخيفة. أو أسماء عائلاتهم بالأحرى. علّقت ضاحكا: «تشرفنا، أعرف أسماء عائلاتكم عن طريق تقارير ديوان المحاسبة، عليكم مخالفات مالية كبيرة». ضحكنا. فعلّق صاحب الدعوة: «بداية مشجعة للحوار، كنا نعرف بأن سقف الحوار معك سيكون مرتفعا. لكن قبل الدخول في الموضوع نتمنى ألا تغضب من مستوى المصارحة». فوافقت بشرط أن يتحملوا هم أيضا ألم الصراحة. وكان الحوار...
تحدثوا عن عقلية «حلب الدولة» السائدة هذه الأيام بين المواطنين: إسقاط قروض، إقرار كوادر وبدلات، زيادة الرواتب، رغم سوء أداء الموظف الكويتي. تطرقوا للحسد، إلى أن ختموا حديثهم بتوجيه النقد لضيفهم «أبي سلمان» الذي لم يراعِ العدالة في مطلبه بإسقاط القروض، وصوّروا لي «صدمتهم» عندما «فوجئوا» بأنني أحد الذين يحاربون «العدالة»! تحدثوا فأسهبوا. وجاء دوري في الحديث، فبدأت بسؤال جرّ خلفه أسئلة: من منكم يعمل في القطاع الحكومي؟ واحد منهم فقط أجابني: أنا، أعمل في هيئة الاستثمار... فضلا ذكرني باسمك مرة أخرى؟ فلان الفلاني... والنعم، قلت له ذلك قبل أن أوجه حديثي للبقية: هل تعرفون بأنني لو شاهدت آباءكم مجتمعين في حفلة زواج أو غيرها، لظننته اجتماع «أوبك»؟ لا فرق. القدرة المالية واحدة.
تابعت: أنا لو كنت أعمل في هيئة الاستثمار لما خرجت من بوابتها الرئيسية. كنت سأنام هناك. على أي حال، وظائف هيئة الاستثمار محتكرة لكم أنتم فقط. قد يدخلها واحد أو اثنان من خارج فئتكم، لكنهما مجرد «تطعيمة» أو «بدلية»، لا أكثر، وغلطة يجب تصحيحها. ومن الظلم مقارنة وظيفة في مستشفى الجهراء المتهالك، مثلا، مع وظيفة في «منتجع» هيئة الاستثمار... فعن أي عدالة تتحدثون؟
عن عدالة القسائم الصناعية التي أعطيت لكم، لكم أنتم فقط، بقيمة ستين فلسا للمتر في السنة، لتؤجروها للغير بستمئة دينار للمتر في الشهر لا السنة؟ لماذا لم نسمع بكاءكم على العدالة في هذا الجانب؟ عن عدالة الشاليهات تتحدثون، بعد أن أدخلتم البحر في حسابكم البنكي، والحمد لله أنكم لم تأخذوه معكم إلى سويسرا، وتتساءلون على طريقة ماري انطوانيت عن سبب تكشيرة أهل البلد المخنوقين؟ عن عدالة مشاريع الـ«بي أو تي» تتحدثون، وهي المخصصة أيضا لكم أنتم فقط، تحصلون عليها بفتات الفلوس، بينما قيمتها الحقيقية تقدر بمئات الملايين. هذه كلها أموال الدولة التي بسببها أصبحت غالبيتكم تجارا، تمتلكون البنوك فترفعون الفائدة علينا، وتستوردون السلع لترفعوا أثمانها علينا. قبل أن يتباكى محافظ البنك المركزي خوفا على «قيمة الدينار»، في حين لم تنزل دمعة واحدة على خده الوردي خوفا على «قيمة المواطن البسيط». ثم يأتي بعده أحمد باقر ليتباكى وتتباكون معه على «العدالة»... يا حرام.
عن نفسي، لا ألومكم إن رفضتم إسقاط الفوائد، لأنكم لا تتخيلون بأن الكويتي من الممكن أن يلف «كعب داير» ما بين الشؤون الإدارية والمالية والقانونية للحصول على فرق «بدل الطريق». عشرين دينارا! هذه العشرون الحقيرة، تسمونها أنتم دناءة نفس، ويسميها غيركم «قبلة الحياة». ثم إنني أتحدث هنا عن إسقاط فوائد القروض ولم أتحدث عن إسقاط القروض نفسها، هذه قضية أخرى. وأعرف بأن هدف غالبيتكم من رفض إسقاط الفوائد هو توسيع الفجوة المالية أكثر وأكثر بينكم وبين الناس. مبروك نجحتم بامتياز. لكنكم نسيتم أن الفجوة النفسية اتسعت أكثر، وبشكل مرعب ومخيف. وهو أمر ليس من صالحكم! وللتوضيح، هذه ليست دعوة للاشتراكية، وإنما هي كشف عن هوية القاتل الحقيقي. قاتل «العدالة»... ولحديثي معهم بقية.
***
عندما اتصل بي النائب مسلم البراك معتذرا عن إجراء المناظرة التلفزيونية التي كنت سأديرها على تلفزيون الراي، وكانت ستجمعه مع الوزير السابق بدر الحميضي، قلت لأحد الأصدقاء: وجد الزميل نبيل الفضل «علكا» يلوكه لمدة سنة وأربعة أشهر قابلة للزيادة. لكن ظني خاب، إذ كتب عن الموضوع زميله الفضائي. و«كلاهما في مسلم البراك شرق».
وللعلم، فكرة المناظرة بدأت باتصال من طلبة كلية العلوم الإدارية يطلبون مني فيه أن أدير المناظرة في مسرح الجامعة، وأن أنسق بين الضيفين. رفضت إدارة المناظرة على المسرح، لكنني وعدتهم بالتنسيق مع الضيفين.
وافق الضيفان، لكن البراك ذهب إلى أبعد من ذلك، واقترح إجراء المناظرة تلفزيونيا، ليشاهدها اكبر عدد ممكن. فاتصلت بالزملاء في التلفزيون فأبدوا ترحيبهم، وتقرر أن أدير أنا المناظرة، على أن أشير لأصحاب الفكرة... وأثناء التحضير، اتصل بي البراك وقال: «أعتذر عن عدم المشاركة لأن الحميضي هاجمني في الصحافة ولم ينتظر إلى حين المناظرة. كان يجب أن يحتفظ بكلامه إلى أن ألتقيه وجها لوجه»... هذه هي قصة المناظرة باختصار.
محمد الوشيحي
[email protected]