ضوء / التجمع اليساري احتفى بـ «سبعينية» تليمة و«ابن» فهمي



القاهرة - من إيهاب كامل |
في ما يمكن وصفه بنشاط ثقافي مفاجئ، وفي أسبوعين متتاليين أقامت اللجنة الثقافية في حزب التجمع اليساري المعارض في مصر، ومجلة «أدب ونقد» الشهرية، التي يصدرها الحزب، حفلا لتكريم الناقد والأكاديمي الدكتور عبدالمنعم تليمة، وحفلا لتأبين عالم الاجتماع علي فهمي.
احتفالية تليمة شارك فيها الدكاترة: محمد حافظ دياب وصلاح قنصوة، وصلاح السروي، وسيد البحراوي، ورئيس اتحاد كتاب مصر محمد سلماوي، والمفكر السيد ياسين، وعدد من الشعراء والروائيين.
وأدارها الشاعر حلمي سالم الذي أشار في بداية الاحتفالية الى أن تليمة موجود في قلوب كل المبدعين المصريين، لأن بداخل كل منهم شيء منه، وقال: «تليمة له أياد بيضاء على ثلاثة أجيال من المثقفين، ونصف جيل السبعينات كان يذهب الى بيت تليمة ويأكل ويشرب ويتعلم منه ومن محبيه وزملائه».
أما الكاتب محمد سلماوي الذي لم يكن اسمه بين المتحدثين... فقال: انه لم يكن من الممكن عدم حضور احتفالية للدكتور عبدالمنعم تليمة والذي سنسمع الكثير عن خلقه الكريم المترفع عن كل ما هو أقل من نظرته الثاقبة.
وأضاف: لكني أجد في تليمة قيمة كبيرة جدا نحتاجها في مثل هذه الأيام، وهي قيمة الثبات على الموقف، فقد كان تليمة في الستينات يمثل ما يمثله الآن، ونحن قد وصلنا الى القرن الحادي والعشرين وهو على نفس الموقف، ونفس الرؤى، رغم تغيير الظروف الاجتماعية والسياسية والثقافية، في الوقت الذي عرفنا فيه الكثير من الكتاب الذين نجحوا في مسايرة جميع العصور».
وتناول الدكتور محمد حافظ دياب جانب الابداع النقدي لدى تليمة، وقال: «انه مفكر وناقد ماركسي، يتخذ من المادية التاريخية منهجا وسلاحا، ثم انه قدم رؤيته التأصيلية في الدرس النقدي للأدب العربي، وقدم هذه الرؤية عبر اطار فلسفي، وصل للدرجة التي يمكن القول معها اننا ازاء «فيلسوف النقد الأدبي» فقد زاوج بين الفلسفة والأدب، كما أنه تمسك بالمادية التاريخية باعتبارها رهانه الأساسي».
وأضاف دياب: «ان آليات اشتغاله الانشائي يتداخل فيها الفكر والنقد والابداع، ويضاف الى ذلك المزاوجة بين الموروث العربي والمنجز الحديث، كما أنه رفض الثنائيات مثل النازع والجميل، والشكل والمضمون، وغيرها».
وأشار السيد ياسين الى أنه كان يعتقد أنه من السهل الحديث عن عبدالمنعم تليمة الا أنه اكتشف أن ذلك شيء صعب جدا، على الرغم من سنوات تعارفهم الطويلة، بالاضافة الى أنه كان يحضر الصالون الذي يعقده تليمة في منزله كل خميس وقال: ان مفتاح الحديث عن تليمة أنه أستاذ بكل ما تعنيه الكلمة، والأستاذية الحقيقية هي شيء نادر جدا،، وتليمة أثبت أن الأستاذ الأكاديمي يمكن أن يكون مناضلا سياسيا رفيع المستوى، وتليمة قد دفع ثمن ذلك باهظا جدا».
واتفق الدكتور صلاح السروي مع ياسين، مؤكدا على أن تليمة هو «معلم من طراز فريد، فالمعرفة عنده ليست مجرد معلومات انما هي منظومات معرفية، ترتكز على موقف محدد من الوجود، ووعي بالغ الوضوح بالقوانين، وهذا ما جعل تليمة أكبر من ناقل للمعرفة، فهو منتج لها، ومساهم في تعميقها ما جعله يثري النظرية الأدبية العربية».
أما الدكتور سيد البحراوي فقال: «33 عاما هي عمر العلاقة التي جمعت بيني وبين تليمة والتي تمثلت في الأستاذية والتلمذة والأخوة والبنوة والعمل السياسي: «وقال أعتقد أنه هكذا يجب أن تكون العلاقة بين الأجيال» وأضاف: «تليمة مثقف موسوعي، يعرف جيدا التراث العربي القديم والنظريا ت الغربية الحديثة».
ووصفت الروائية سلوى بكر.. تليمة بأنه «شخص مستغني» وقالت: طوال الوقت يلوذ بعلمه عن كل هذا الهراء والكذب الذي نعيش فيه، وأنا عندما أكتب نصا وأبحث عن نقد يواسيني ألوذ دائما بالدكتور تليمة، أنني لا أعرفه على المستوى الانساني».
وقالت الشاعرة الاماراتية ميسون صقر: «عندما كنت أذهب الى جامعة القاهرة للدراسة وأترك محاضراتي، وأذهب لأستمع الى محاضرات الدكتور تليمة، الى أن منعني الأمن، فذهبت الى بيته لحضور الصالون الأدبي والفكري الذي كان يقيمه مرة كل أسبوع وكنت «أحسد جيل» السبعينات الذين تعلموا على يده، وأعتقد أنه لولا تليمة وجيل السبعينات لظللت شاعرة حبيسة أدراج المنزل والتقاليد.. أفكار الدكتور تليمة جعلتني أبحث عما هو حقيقي وصالح وجيد».
ولفت الدكتور صلاح قنصوة الى أن تليمة ليس له أعداء الا «الفاشية الثقافية» المتمثلة في اعتقاد المثقف بأنه «يمتلك» ورائد فله دور أساسي وهو الفاشية الثقافية وأقصد بها هنا أنني دائما أعتقد امتلاك الحقيقة المطلقة» وقال: هذا المرض موجود عند كل المثقفين، فكلنا لدينا فاشية ثقافية والأمر لايقتصر على من أسميهم «صيّع المثقفين» الذين ليس لديهم فكر بداخلهم فينتمون الى أي فكرة».
وأضاف: «تليمة يناقش أي قضية ومعياره الأول، والأمثل للتفكير، هو التوافق، وهذا يعني أنه يحترم حياة البشر، أما نحن فنتحدث كما لو كنا «أنبياء» ونحن في الحقيقة نتحدث كفاشيين متشددين، فنحن نؤمن أن الذين لا يدينون بديننا فهم ليسوا بشرا، وهم أقل من الحيوانات، ونهدر دمهم، ولذلك نحن نتعامل مع الأفكار التي يعتنقها الانسان باعتبارها جزءا منه وبالتالي عندما نحارب هذه الأفكار «نقتل» الانسان».
وفي تأبين عالم الاجتماع الراحل علي فهمي.. أشار حلمي سالم الى أن علي فهمي له دراسة عن «دين الحرافيش»، وقال: «أنا أعتبره هو نفسه «حرفوشا» كبيرا من حرافيش مصر، فقد أحب مصر وفقراءها، وأضاف الى علم الاجتماع الثقافي الكثير، وجمع بين دقة العلم وخفة الروح».
ولفت الدكتور عبد الباسط عبد المعطي... الى أن «علي فهمي له دراسات ريادية في علم الدراسات الاجتماعية والقانونية، وهو من أوائل الذين أكدوا على أهمية المنهج الكيفي في العلوم الاجتماعية، وليس الاكتفاء بالتحليلات الكمية فقط، كما أن له مساهمات أخرى كثيرة، فهو من أصحاب الفكرة.
فالكتاب عندنا نوعان: اما كتاب مصدر،وهم الذين ينقلون عن آخرين، واما أصحاب فكرة... والتي تأتي من معايشة المجتمع، ولذلك نجد أن علي فهمي جاء بموضوعات لم تخطر على بال أحد... فله دراسة مثلا بعنوان «المثقف بالسماع» والتي عندما نقرأها نستحضر عددا كبيرا من المثقفين بالسماع، هؤلاء الذين ينقلون عن آخرين ما يسمعون دون أن يقرأوا كتابا».
ونبه الدكتور محمد حافظ دياب الى ريادة علي فهمي، مؤكدا أنه استطاع أن يجمع بين العلمية والبلاغة، وقال: «هناك الكثير من التعابير والألفاظ التي أدخلها علي فهمي لأول مرة في البحث الاجتماعي».
وأضاف دياب: «استطاع علي فهمي أن يشتغل بـ «سوسيولوجيا» مثمرة، لا تقتصر على اطارها النظري فقط، بل تمتد لتشمل التاريخ والفلسفة، واتخذ التراث كنقطة للبدء، منشغلا بالأساس بالبحث عن سمات الشخصية المصرية».
ووصف الدكتور محمد نور فرحات علي فهمي بأنه «مبدع متمرد» وقال: «لم يكن علي فهمي يؤمن بفكرة المؤسسات، خاصة لو كانت مؤسسات الدولة، وله العديد من المقولات التي تزدري المؤسسات».
وحكى فرحات كيف درّس فهمي لعدد من وكلاء النيابة في ذلك الوقت أن الماركسية هي الوسيلة الوحيدة لفهم السلوك الاجرامي، وأن الجريمة هي افراز للصراع الطبقي ووصف كيف سبب هذا الكلام صدمة لهم.