بشر وحجر

التركيبة السكانية ... الحقيقة والوهم

No Image
تصغير
تكبير
عوّدنا السياسيون من أعضاء المجلس على إثارة موضوع الخلل في التركيبة السكانية كلما أرادوا تصدُّر صفحات الجرائد، ليثبتوا أنهم موجودون، كما تبرز هذه المسألة أيضاً عندما يكون هناك شبهة تجاوز أو لغط حول توظيف أحد الوافدين بطريقة غير سليمة، كما حدث أخيراً بتعيين وزيرة الشؤون لأحد المستشارين الوافدين.

والسؤال الأهم الذي يجب الإجابة عنه، هو هل هناك خلل فعلي بالتركيبة السكانية؟ وما هو تأثير الوافدين على المجتمع؟ وما هي النسبة المعقولة للوافدين في بلد مثل الكويت يتميز بأنه جاذب للعمالة، ويستنكف غالبية مواطنيه عن شغل الكثير من الوظائف المهنية والخدمية والحرفية و الإدارية الدنيا (حتى غير المتعلمين منهم) خصوصاً في ظل الدعم السخي الذي تقدمه الدولة للمواطنين، حتى الذي لا يعمل منهم، ما شجع هذا النهج المزري للعزوف عن تلك المهن.


إن الإحصائيات تشير إلى أن هناك نحو 3.1 مليون وافد في البلد مقابل 1.4 مليون مواطن كويتي، أي أن هناك 2.2 وافد مقابل كل مواطن كويتي، علماً بأن تركيبة الوافدين تتضمن 700 ألف خادم تقريباً (وهم في تزايد نظراً لطبيعة حياة الترف التي يعيشها المجتمع الكويتي جعلت وجود الخدم ضرورة وليس ترفاً) كما أن هناك أكثر من 200 ألف وافد من مخالفي الإقامة أو يحملون إقامة ولا يوجد عمل فعلي لهم، وهذه الفئة تشكل أساس سمعة الكويت السيئة في ملف العمالة الدولي، ووصمها بأنها سوق للنخاسة.

كما تتضمن تركيبة الوافدين أيضاً أكثر من 200 ألف عامل في مشاريع الدولة التنموية وخدمات التنظيف والأمن والصيانة، وإذا أضفنا إلى تلك الأعداد مجاميع الوافدين الذين يعملون في الوظائف الحرفية التي يعزف عنها المواطن، لانخفضت نسبة الوافدين المؤثرين على سوق العمل الذي يعمل فيه المواطن وهو الموضوع الأهم.

أما من الناحية الرسمية، فإن التعامل مع ملف الوافدين مازال يسير على النهج القديم نفسه في التضييق عليهم وزيادة تكاليف المعيشة عن طريق فرض رسوم إضافية، والتي سيتحملها المواطن في النهاية لأن جميع الخدمات التي يقدمها هؤلاء الوافدون سترتفع أسعارها لتغطية تلك الرسوم، ولنا في زيادة الأسعار بعد رفع أسعار البنزين مثال واضح على ذلك.

كان يتوجب على الحكومة الانتهاء من مسألة تجارة الإقامات ونسف نظام الكفيل الذي عفى عليه الزمن، ما سيخفف من أعداد الوافدين المنضمين الى سوق العمل الوهمية، أما من ناحية توظيف الوافدين، فإنه يجب محاسبة المتجاوزين وعدم السماح بالاستثناءات، ولنا في حالة المستشار الوافد الذي عينته وزيرة الشؤون مثال واضح على الاستهتار واللامبالاة الحكومية.

لا نعترض على تصريح الوزيرة بأنها لم تخالف القانون، ولكنها قطعاً خالفت روح القانون عندما لم تبحث جدياً عن مستشار من المواطنين للاستعانة به وما أكثرهم، وهو تصريح وفعل لا يليق بالمسؤولة الأولى في الدولة عن رعاية العمالة الوطنية، فهي ترأس هيئة العمل وجهاز إعادة الهيكلة، وهي عضو مجلس الخدمة المدنية.

والذي نعيب عليه أيضاً هذا التساهل الذي يصل إلى مستوى التخاذل في الموافقة على هذه التعيينات والزيادات كمكافآت للوافدين، وعدم الحرص على العمالة الوطنية بالرغم من المشاكل الكبيرة في هذا الموضوع.

ومع ذلك، فإن نسبة المواطنين في بعض البلدان الخليجية تقل كثيراً عن النسبة في الكويت، حيث تبلغ نسبتهم 11 في المئة تقريباً في كل من قطر والإمارات، ومع ذلك لا توجد لديهم مشكلة بذلك نظراً للتطبيق الصارم للقانون، بل تعدوا ذلك ليجعلوا هؤلاء الوافدين مصدراً من مدخول الدولة وعاملاً مروجاً لتجارتها.

وفي النهاية، فإن من استخرج الفيزا لهذا الوافد وتركه في الشارع من دون عمل حقيقي هو مواطن كويتي، والمسؤول الذي عيّن هذا الوافد في وظيفة يمكن أن يشغلها مواطن، وزاد من راتبه هو مواطن كويتي، والذي سمح وتغاضى عن مخالفاتهم هو مواطن كويتي، وبذلك نحن أساس المشكلة والعلة منا وفينا.

والله المستعان
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي