إشراقات النقد
سردية الشعر في قصيدة «فقط ينتظر» للشاعر وليد الهداد «1 من 2»
وليد الهداد
| سعاد العنزي * |
شاع في الآونة الأخيرة عديد من المصطلحات النقدية، التي تربط بين القصة والشعر والمسرح على اعتبار انها أجناس أدبية تنتمي إلى الأدب، فحدث بينها اختلاط وتفاعل كبير مما يدعو قارئ النص التساؤل: هل هو أمام نص شعر أم قصة أم مسرحية؟ لولا أن العنوان (شعر- قصة- مسرحية) ينجي القارئ من حيرته، مما يدل على إننا أمام فورة ووفرة في الأجناس الأدبية التي تقدم غنى وزخما إبداعيا، وتعددا يشكل ذروة الحضارة التي تتحقق في التلاقح والتفاعل بين جميع الأجناس والأفكار والثقافات، التي تتوافق وطبيعة الاختلاف التي نحتاج إلى أن نقر بها، ونقبلها كوحدة متأصلة في جذور كل مجتمع وكل ثقافة.
ونص الشاعر المبدع وليد الهداد «فقط ينتظر» المنشور منذ أيام قليلة في «إشراقات»... يمثل هذه الظاهرة أصدق تمثيل، فهو متسم بكثافة شعريته وسرديته في آن، كما إنه غني بدلالته التي تصلح لأن تقارب أكثر من مقاربة: دلالية ونفسية وفكرية وأسلوبية... وهذه دلالة راسخة على تمكن منشئه من ممكنات الإبداع بالإضافة إلى حسه الأدبي، وشفافيته العالية في تصوير ما هو عادي ومألوف بصورة تخيلية فنية جميلة.
وشاية العنوان
من أول عتبة من عتبات النص يجد القارئ نفسه أمام عناصر القص، فالعنوان يتكون من جملة فعلية «فقط ينتظر» ليخبر بحال إنسان، شخصية من شخصيات القصة ينتظر، ولينتبه القارئ إلى دلالة الزمن المضارع للفعل، الذي يفيد بآنية الأحداث، وما أصعب لحظات الانتظار الذي يعانيها الإنسان، على وجه الخصوص إنه لا يفعل شيئا سوى الانتظار، بتأكيده وتقديمه لكلمة فقط قبل الفعل، وليتحلل العنوان في القصيدة السردية في كثير من مفردات القصيدة، فيقول الشاعر: (وأنت تعرف أن هناك من ينتظرك كل صباح- ينتظرك هناك- بطول لحظـات الحـزن انتظر. وانتظر... وانتظر... ولكن الوردة لم تنتظر...! أن يرسمك الانتظار غيمة بيضاء تحن للمطر).
كل هذه المفردات والأوصاف تؤكد على حالة إنسانية واحدة، تفيد بانتظار شخص لم يجد شيئا يقوم به سوى الانتظار، فيتحول القارئ إلى دائرة الأسئلة لم الانتظار وماذا ينتظر، ولم فقط ينتظر، ولم لم يفعل شيئا سوى الانتظار هل هو مستسلم لليأس، هل هو استنفد كل طاقاته ولم يبق له سوى الانتظار، هل أصبحت مشكلته مع الدهر الذي لا يتحرك؟ أم إنه أصبح مثل أسطورة سيزيف الذي أمضى حياته حاملا للصخرة، يرفعها إلى الجبل ثم ينزل بها مرة أخرى، ليعيش دائرة مفرغة من العدمية واللاجدوى؟! كل هذه أسئلة يحيل إليها النص، ولكن ما يرمي إليه النص هو تصوير لحظات الانتظار في وطن أصبح فيه المواطن غريبا عن أهله وناسه فتتضح قضية الاغتراب النفسي للمثقف العربي في وطنه:
(أمر محزن أن تختار «الغربة» وأنت تغوص في «قلب» الوطن أن تعزل ذاتك الصغيرة في صندوق ورقي قابل للاحتراق)
* ومن تجليات عناصر السرد في القصيدة (وجود الشخصيات- عنصر الزمان والمكان- الحدث- الحوار) التي تتضح فيما يلي:
الراوي/البطل:
الشاعر بدأ قصته - قصيدته بذكر معاناته من الغربة والانتظار على أرض الوطن من خلال صوت سردي يتمثل بالضمير (أنت) الذي يأخذ معنيين دلاليين، الأول: أن الشاعر- الراوي يخاطب نفسه من خلال الضمير أنت، أو أنه يخاطب المروي له بقوله أنت، وأرجح ما يكون إن الضمير هنا مخاطبة الشاعر لذاته، لأن المروي له في الحكاية هنا ليس له أي وجود فينطلق الشاعر من آلية المونولوج، التي تعني حوار الراوي مع نفسه، وقد يكون ذلك رغبة منه في التماس الموضوعية في سرد، ولكن كيف يفلح في ذلك وهو يقول في أحد مقاطع القصيدة: (انتظر. وانتظر... وانتظر...). ليمزج ضميري المتكلم والمخاطب لذات واحدة.
الراوي هنا والبطل يعيش حالة من تكدس الأحزان- وانغلاق على الذات بعد الشعور بالغربة، وهو على أرض الوطن، لدرجة عدم رغبته في رؤية الموجودات في الكون من حوله، لأن ما يراه بشعا، ومأسويا، فهو:
(أن تضع على عينك
نظارة سوداء كبيرة
وتقفل كل الشبابيك
وأجهزة المذياع والتلفاز
وتنكس الأحاسيس.. برسم السواد البارد)
وثمة شخوص في القصيدة مشار إليهم إشارة صريحة أو ضمنية، من مثل بائع الآيس كريم والأطفال الذين من حوله: (وتزاحم الأطفال عند العجوز البدين بائع الآيس كريم)
كما أن هناك شخصية يعاني الراوي من فقدها، ولكنه يشير لها من خلال الترميز عبر لغة تعاطياها معاً في الليل:
(دون ذكر اللغة التي تعاطيناها معاً
كل ليلة...
بين النصف الأول...
والنصف الآخر من السهر...).
* ناقدة كويتية - ماجستير في اللغة العربية
Mobdi3on@windowslive.com
شاع في الآونة الأخيرة عديد من المصطلحات النقدية، التي تربط بين القصة والشعر والمسرح على اعتبار انها أجناس أدبية تنتمي إلى الأدب، فحدث بينها اختلاط وتفاعل كبير مما يدعو قارئ النص التساؤل: هل هو أمام نص شعر أم قصة أم مسرحية؟ لولا أن العنوان (شعر- قصة- مسرحية) ينجي القارئ من حيرته، مما يدل على إننا أمام فورة ووفرة في الأجناس الأدبية التي تقدم غنى وزخما إبداعيا، وتعددا يشكل ذروة الحضارة التي تتحقق في التلاقح والتفاعل بين جميع الأجناس والأفكار والثقافات، التي تتوافق وطبيعة الاختلاف التي نحتاج إلى أن نقر بها، ونقبلها كوحدة متأصلة في جذور كل مجتمع وكل ثقافة.
ونص الشاعر المبدع وليد الهداد «فقط ينتظر» المنشور منذ أيام قليلة في «إشراقات»... يمثل هذه الظاهرة أصدق تمثيل، فهو متسم بكثافة شعريته وسرديته في آن، كما إنه غني بدلالته التي تصلح لأن تقارب أكثر من مقاربة: دلالية ونفسية وفكرية وأسلوبية... وهذه دلالة راسخة على تمكن منشئه من ممكنات الإبداع بالإضافة إلى حسه الأدبي، وشفافيته العالية في تصوير ما هو عادي ومألوف بصورة تخيلية فنية جميلة.
وشاية العنوان
من أول عتبة من عتبات النص يجد القارئ نفسه أمام عناصر القص، فالعنوان يتكون من جملة فعلية «فقط ينتظر» ليخبر بحال إنسان، شخصية من شخصيات القصة ينتظر، ولينتبه القارئ إلى دلالة الزمن المضارع للفعل، الذي يفيد بآنية الأحداث، وما أصعب لحظات الانتظار الذي يعانيها الإنسان، على وجه الخصوص إنه لا يفعل شيئا سوى الانتظار، بتأكيده وتقديمه لكلمة فقط قبل الفعل، وليتحلل العنوان في القصيدة السردية في كثير من مفردات القصيدة، فيقول الشاعر: (وأنت تعرف أن هناك من ينتظرك كل صباح- ينتظرك هناك- بطول لحظـات الحـزن انتظر. وانتظر... وانتظر... ولكن الوردة لم تنتظر...! أن يرسمك الانتظار غيمة بيضاء تحن للمطر).
كل هذه المفردات والأوصاف تؤكد على حالة إنسانية واحدة، تفيد بانتظار شخص لم يجد شيئا يقوم به سوى الانتظار، فيتحول القارئ إلى دائرة الأسئلة لم الانتظار وماذا ينتظر، ولم فقط ينتظر، ولم لم يفعل شيئا سوى الانتظار هل هو مستسلم لليأس، هل هو استنفد كل طاقاته ولم يبق له سوى الانتظار، هل أصبحت مشكلته مع الدهر الذي لا يتحرك؟ أم إنه أصبح مثل أسطورة سيزيف الذي أمضى حياته حاملا للصخرة، يرفعها إلى الجبل ثم ينزل بها مرة أخرى، ليعيش دائرة مفرغة من العدمية واللاجدوى؟! كل هذه أسئلة يحيل إليها النص، ولكن ما يرمي إليه النص هو تصوير لحظات الانتظار في وطن أصبح فيه المواطن غريبا عن أهله وناسه فتتضح قضية الاغتراب النفسي للمثقف العربي في وطنه:
(أمر محزن أن تختار «الغربة» وأنت تغوص في «قلب» الوطن أن تعزل ذاتك الصغيرة في صندوق ورقي قابل للاحتراق)
* ومن تجليات عناصر السرد في القصيدة (وجود الشخصيات- عنصر الزمان والمكان- الحدث- الحوار) التي تتضح فيما يلي:
الراوي/البطل:
الشاعر بدأ قصته - قصيدته بذكر معاناته من الغربة والانتظار على أرض الوطن من خلال صوت سردي يتمثل بالضمير (أنت) الذي يأخذ معنيين دلاليين، الأول: أن الشاعر- الراوي يخاطب نفسه من خلال الضمير أنت، أو أنه يخاطب المروي له بقوله أنت، وأرجح ما يكون إن الضمير هنا مخاطبة الشاعر لذاته، لأن المروي له في الحكاية هنا ليس له أي وجود فينطلق الشاعر من آلية المونولوج، التي تعني حوار الراوي مع نفسه، وقد يكون ذلك رغبة منه في التماس الموضوعية في سرد، ولكن كيف يفلح في ذلك وهو يقول في أحد مقاطع القصيدة: (انتظر. وانتظر... وانتظر...). ليمزج ضميري المتكلم والمخاطب لذات واحدة.
الراوي هنا والبطل يعيش حالة من تكدس الأحزان- وانغلاق على الذات بعد الشعور بالغربة، وهو على أرض الوطن، لدرجة عدم رغبته في رؤية الموجودات في الكون من حوله، لأن ما يراه بشعا، ومأسويا، فهو:
(أن تضع على عينك
نظارة سوداء كبيرة
وتقفل كل الشبابيك
وأجهزة المذياع والتلفاز
وتنكس الأحاسيس.. برسم السواد البارد)
وثمة شخوص في القصيدة مشار إليهم إشارة صريحة أو ضمنية، من مثل بائع الآيس كريم والأطفال الذين من حوله: (وتزاحم الأطفال عند العجوز البدين بائع الآيس كريم)
كما أن هناك شخصية يعاني الراوي من فقدها، ولكنه يشير لها من خلال الترميز عبر لغة تعاطياها معاً في الليل:
(دون ذكر اللغة التي تعاطيناها معاً
كل ليلة...
بين النصف الأول...
والنصف الآخر من السهر...).
* ناقدة كويتية - ماجستير في اللغة العربية
Mobdi3on@windowslive.com