رؤى نقدية

رواية الحاسوب الرقمية... محمد السناجلة نموذجاً (2 من 2)

u0645u0635u0637u0641u0649 u062cu0645u0639u0629
مصطفى جمعة
تصغير
تكبير
يمكن طبع أعمال المؤلف الإلكترونية في نسخ ورقية مع الاستغناء عن الجانب الصوتي من دون تأثير

استخدم السارد لغة تقليدية أقرب إلى اللغة المكتوبة لتصوير معالم الشخصية في عزلتها

الرواية لم تحفل في ختامها بمصائر الشخصيات فظلت معلقة كما ألفناها في السرد

الثورة التقنية قد تكون يسرت على الإنسان الكثير ولكنها تظل بإطار كل ما هو مادي وتبقى الروح متخبطة
... وإذا نظرنا إلى باقي أحداث الرواية، نجد أن بعد العدم الرملي ونغمات «إس إم إس»، تنقلنا الأحداث في فصل بعنوان «التحولات 1» إلى بلدة عمانية اسمها صور، حيث نلج مع البطل «نزار» إلى مقهى إنترنت في شارع فرعي شبه مظلم بالقرب من بنك مسقط الوطني. وهنا نجد النقلة المرادة من المؤلف من صحراء جرداء، إلى عالم الإنترنت، مما يوجد شعور لدى المتلقي أن الصحراء تحمل قيمة سلبية تتمثل في الوحدة والانزواء والضجر، ويحمل المكان الثاني قيمة إيجابية، مع الأخذ في الحسبان أنه على الضدية في الفكر والإحساس، خصوصا أن البطل يتصل عبر الانترنت بالمرأة التي تؤنس وحدته في حياته الضجرة بفعل الإقامة في الصحراء، يدور حوار بينه وبين صاحب المقهى حول إيميل البطل على ياهو أم على مكتوب ياهو، ومن ثم يستفسر منه عن: المعرف، وكلمة المرور ليتمكن من الدخول إلى الماسنجر، ومحاورة المرأة التي يعشقها.

إن عنوان الفصل مباشر في دلالته، كما أننا نجد أنفسنا أمام مستويين للغة أو بالأدق التعبير السردي، فقد استخدم السارد لغة تقليدية، أقرب إلى لغة السرد المكتوب لتصوير معالم الشخصية في عزلتها، ثم انتقل بنا عبر لغة مزيج من الفصحى والعامية في حواره مع المرأة، وهي عراقية الأصل، تسكن في أميركا، ونلاحظ أننا بضغطات عديدة على الأيقونات في النص، نقرأ الشات الدائر بين الاثنين، وكيف أنهما في حالة من الانسجام الروحي والفكري.

ربما أراد الكاتب من مزج الفصحى بالعامية أن يعبر عن حقيقة ما يجري من حوارات في عالم الشات، وما أكثر العاميات به، ولكننا أمام نص أدبي، يجدر به تفصيح التعبيرات، وإغناء المفردات، والتقليل من العامية، فهو إبداع أدبي.

يدخل نزار بعد ذلك إلى موقع «مكتوب» ومنه إلى غرفة «السياسة» لنقرأ ألوانا من الصراعات الفكرية والاتجاهات السياسية، التي تعصف بين أبناء العروبة، وتتحول بهم إلى مقاتلة وليس مناقشة. سنجد السارد، ومن خلال بطله «نزار»، يدير حوارات عديدة، مع شخصيات استقدمها خياليا من الواقع، ونلاحظ بالطبع نوعا من التعسف الخيالي، فلا يعقل أن تدخل شخصيات من مثل: ابن لادن، وصدام، وجيفارا، وامرأة مسلمة، وأخرى متحررة، ويبدو السارد حيادياً وهو يعرض آراء شخصياته. لقد تلاعب السارد بنا بين في واقعه الافتراضي، فجعلنا نحاور شخصيات حية وميتة، مما يفقد الرواية بعضا من إيهامها، حتى ولو جرت في إطار متخيل، فلو كان الحوار مع شخصيات تابعة لهذه الاتجاهات يكون أكثر إيهاما، خصوصاً أن كل شخصية تقدم فكرها الخاص من خلال مفرداتها الشائعة.

أما نزار فينفرد ببناء غرفة خاصة للعشاق على غرار غرفة السياسة، إلا أنه يعود خائباً من مملكة عشقه الرقمية، فيأخذه الشوق إلى زوجه، وتكشف مراسلاتها الإلكترونية له عن إيمانها بالحب، فيستخدم في نهاية الرواية اللون الزهري المصحوب بموسيقى رومانسية؛ ليظهر عودة الحب الذي غاب عن حياته، ولندرك في النهاية أن الحياة الرقمية ظل للواقع الطبيعي، وتكون الرسالة جلية، أساسها أن وجود مملكة البطل الحقيقية وهم متخيل. الملاحظ أن الرواية لم تحفل في ختامها بمصائر الشخصيات فظلت الشخصيات معلقة كما ألفناها في السرد، وتلك طبيعة شخصيات الفضاء الإلكتروني، تبدأ وتنتهي على الشات، لا نعلم الكثير عنها، فحياتنا معها مجرد حوارات تمتد بعض الوقت: قليلا أو كثيرا، ثم تنتهي.

وبالنسبة شخصية نزار فهي تعود بنا إلى واقعه حيث تسلم إشعارا بفصله من الشركة، فيقرر بعده شراء مقهى الإنترنت الوحيد في دلالة على عشقه لمملكته المفترضة، فيشهد التصويت على بقائها مملكة للعشاق، أو تحويلها إلى جمهورية، فيخرج كل المصوّتين حتى نزار عبر خيار اللاحق ليحيل المتلقي إلى شاشة سوداء مظلمة لا نعلم من ورائها شيئا، وتنتهي أحداث الرواية، بنهاية مفتوحة، تكرس العالم الافتراضي وتنتصر في ثناياها للعالم الواقعي الذي مهما تناءينا عنه وغرقنا في فضائه الإلكتروني، فإننا في النهاية نحيا بأجسادنا وذواتنا في العالم الواقعي.

يلاحظ على إبداع السناجلة أنه مبدع بلاشك، وقد سعى إلى تنظير تجربته في مقالات ودراسات وكتاب نظري، وعدد من الروايات الورقية وأيضا الإلكترونية. ولكن تظل مجموعة من الأسئلة، تتصل بجوهر تجربته، فالملاحظ أنه يمكن طبع أعماله الإلكترونية في نسخ ورقية، مع الاستغناء عن الجانب الصوتي من دون تأثير، وتضمين الصور، أي أن الصوت والصورة مجرد حلى مضافة، وليست جزءا من بنية العمل السردي ذاته، بحيث اننا لو أزلناها من النص، تتأثر دلالته، وترتبك أحداثه.

أيضا هناك أخطاء لغوية وإملائية عديدة في كثير من نصوصه، وهذا عائد لعدم المراجعة اللغوية الدقيقة من قبل عين أخرى، فالمبدع في النهاية مهموم بالإبداع، وقد لا ينتبه للسقطاته اللغوية، بجانب سوء كتابة الكلمات وتنسيقها. أيضا فإن فكره الإبداعي والفلسفي يحتاج إلى المزيد من التعميق، وقراءة أحوال الإنسان المعاصر وأزماته، فليس الخلاص في الحياة الرقمية، ولا في العيش بين الحواسيب والآلات وفي الناطحات، وإنما السعادة كل مركب، الجانب المادي جزء منها، والثورة التقنية قد تكون يسرت على الإنسان الكثير، ولكنها تظل في إطار كل ما هو مادي، وتبقى الروح متخبطة.

mostafa_ateia123@yahoo.com
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي