قضية

أصبح لدينا «فريق المحافظ» ... ما الحاجة إلى الحكومة؟

تصغير
تكبير
| كتب المحرر الاقتصادي |
في بورصة الكويت شركة مدرجة في قطاع الخدمات، لا داعي لذكر اسمها، خسرت 70 في المئة من رأسمالها المدفوع خلال عام مالي واحد. ماذا تصنف؟
في الكويت أجوبة جاهزة؛ انها شركة ورقية، تتاجر بالأسهم، لا تعمل في نشاطها الرئيسي، وربما أضيف الى القائمة تهماً من نوع «تفريخ الشركات» وسوء الادارة...

لنعد صياغة العبارة بشكل أوضح: في بورصة الكويت شركة مدرجة في قطاع الخدمات، مرتبة ومحترمة وليس في محفظتها سهم واحد، (طالما أن الاستثمار في الأسهم بات تهمة). وهي بالتأكيد ليست شركة ورقية، لكنها خسرت في العام المالي الماضي ما يقارب 14 مليون دينار، وخسرت في النصف الأول من العام المالي الحالي أكثر من 1.5 مليون دينار. الآن، هناك مشكلة في بنك الخليج، وهناك مشكلة تواجه شركات الاستثمار في توفير السيولة اللازمة لمواجهة استحقاقاتها المالية خارجياً وداخلياً، وهناك مشلكة ثالثة في سوق المال المتراجع فوق حدود المعقول. ولحسن الحظ كان التحرك سريعاً من قبل فريق العمل الاقتصادي برئاسة محافظ البنك المركزي الشيخ سالم الصباح في معالجة الملفين الأولين، ويبقى الثالث تحت الأضواء الى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً.
اذا كانت مشكلة شركات الاستثمار (ذات الملاءة) قد وضعت على سكة الحل وفق الآلية التي أعلن عنها وسارت الأمور على ما يرام، تبقى مشكلة الشركات الورقية ومشاكل أخرى هي لب القضية.
أسهل ما في التنظير للأزمة القائمة اليوم الحديث عن «الغربلة» وأن هناك شركات يجب أن تترك لمواجهة مصيرها المحتوم بالافلاس أو الخروج من السوق. هناك «فسطاطان» (على طريقة بن لادن)، «فسطاط» الشركات ذات الملاءة العالية وهذه يجب انقاذها ومساعدتها، وهناك «فسطاط» آخر للشركات الورقية التي يجب أن تترك لحالها وتموت على قارعة الطريق.
وبالرغم من أن هذه المقولات قد تحمل جوانب معتبرة من الصحة، لكنها تنطوي على قدر من التبسيط قد لا يتحمله السوق، فلا السوق بجميع من فيه يتحمل الآثار النفسية لانهيار شركتين أو ثلاث أو عشر من الشركات المسماة «ورقية»، ولا المعالجات الحكومية للأزمات تنطلق من اعتبارات اقتصادية مجردة. فقرار الدولة «شراء» أزمة سوق المناخ في 1982 لم يكن اقتصادياً بحتاً، ولم يفرق بين الشركات الورقية من سواها، لأن المنطلق كان سياسياً- اقتصادياً- اجتماعياً.
لكن وبغض النظر عن كل هذا، تغيب في غمرة الجدل جوانب أخرى يمكن التكهن بأنها لا تغيب عن بال الفريق الذي يرأسه محافظ البنك المركزي، وهي أن هناك شركات خارج «الفسطاطين»، شركات تشغيلية غير استثمارية (من صنف الشركة التي بدأ المقال بها) لا أحد يتحدث عن مشاكلها مع ادارات الدولة العقيمة، ولا عن ضيق موارد التمويل لديها، في غمرة شح قنوات السيولة.
في بلد مثل الكونغو أو غينيا أو نيبال أو بنغلادش، تكون مثل هذه القضايا أكثر المواضيع أهمية على جدول أعمال مجلس الوزراء ومجلس الأمة (وقد يليها مباشرة سحب الجنسية أو اعطائها لبضعة أشخاص!)، أما في الكويت فالحكومة أقالت نفسها من هذه المهمة ورمت الجمل بما حمل على لجنة ليس فيها وزير واحد، لا وزير المالية ولا وزير التجارة والصناعة ولا وزير الأشغال ولا أي مستشار اقتصادي في مجلس الوزراء.
لعلها ذروة النجاح لرأس السياسة النقدية أن يجمع الجميع على قيادته وتسلمه زمام الملف، ولعلها ذروة الإخفاق للمعنيين برسم السياسة الاقتصادية أن يقرر مجلس الوزراء التخلي عن المهمة.
هل من مفارقة أغرب من أن يكون رأس السياسة النقدية محافظ البنك المركزي، المرجع الذي تطرح عليه القضايا المتعلقة بالاقتصاد الجزئي والاقتصاد الكلي؟
يمكن القول بين قوسين هنا، ان «الصفة التنفيذية»، التي منحت لـ «فريق المحافظ» لمواجهة تداعيات الأزمة المالية العالمية، عجيبة، فمجلس الوزراء يمنح شيئاً من صفته ومهامه كمسؤول عن رسم السياسة الاقتصادية وتنفيذها، الى جهاز يرأسه رأس الهرم في السلطة النقدية. ومن نافل القول ان بدهيات الادارة العامة استقلالية السلطة النقدية عن السلطة المالية. والملفت أن هذه الصفة لم تعرّف ولم تحدد حدودها ولا أدواتها ولا ما اذا كانت قرارات الفريق تحتاج الى موافقة مجلس الوزراء أو امضاء الوزير المختص، ولا كيفية اتخاذ القرارات داخلها.
هذا بالطبع لا يقلل من الايجابيات التي تولدت من تولي محافظ «المركزي» زمام المبادرة، نظراً لنجاحه المشهود في قيادة السياسة النقدية وباعتباره الشخصية الأكثر ايحاء بالثقة في الظروف الحالية، التي يُفتقر فيها الى الثقة أكثر من أي شيء آخر.
لكن السؤال مطروح الآن أمام الحكومة؛ هل استقالت من دورها الاقتصادي؟ هل أعلنت العجز عن التفكير والتدبير؟ والا كيف تحيّد نفسها عن لجنة بهذه الخطورة ولا تتمثل فيها؟
اذا حصلت غداً كارثة اقتصادية في البلاد، لا قدر الله، من سيكون المسؤول؟ الحكومة أم «فريق المحافظ»؟ ويمكن الاستطراد في «التبصير»؛ ما حدود مهمة «فريق المحافظ»؟
- دعم السوق؟ ماذا يعني دعم السوق؟ هل يعني حل مشكلة التمويل (وسواها) في جميع القطاعات؟
- تجنيب القطاع المصرفي مخاطر الأزمة العالمية؟ كيف ذلك؟ هل بفتح فرص للتمويل خارج الأنماط المعتادة؟
ما يقال عن مهمة «الفريق» شائك، لأنه يقود الى المشكلات التي لا تريد الحكومة التصدي لها، وليس معروفاً اذا كانت مهمة «الفريق» الخوض فيها.
والاشكالية هنا أن المشكلات معروفة وأشبعت حديثاً ونقاشاً فهل سيخرج «الفريق» بنتيجة مفادها أن الحكومة هي مشكلة المشكلات جميعاً؟
يمكن القيام بجردة على نشاط الشركات التي ليس لها الا النشاط التشغيلي، في قطاع المقاولات شركات تخسر في عز الطفرة (من يصدق؟)، وفي قطاع النفط والغاز، وفي قطاع الدواجن، وهلم جرا... وفي الصناعة قاعدة ذهبية لمن يريد النمو: الخروج من السوق الى السعودية او الامارات أو الأردن أو ايران.
فيما الجميع ينظرون لأهمية النشاط التشغيلي لا يتنبه أحد الى أن الكثير من الشركات التي تمارس نشاطها التشغيلي مع الدولة تخسر أو لا تربح، من المناقصات المأخوذ خيرها الى عقود الـ «بي أو تي» التي يتهم من يفوز بأحدها بأنه سارق وينشر على حبال المنابر النيابية. من يؤمن في هكذا حال بجدوى النشاط التشغيلي؟
الشركة التي سبقت الاشارة اليها في بداية الموضوع خسرت لأنها كانت تشارك في مناقصات الحكومة، ولأن بعض العقود الحكومية توقع بعد ارساء المناقصة بعامين(!) بعد أن تكون أسعار المواد قد ضربت باثنين أو ثلاثة، ولأن كل تفصيل في المشروع يحتاج الى توقيعات من عشرين جهة رسمية، وقد يأتي ديوان المحاسبة لينسف ما تبقى للشركة من فتات. لكن حسن حظ الشركة دخل طرف خليجي شريكاً استراتيجياً فيها وبات الجزء الأكبر من نشاطها خارج الكويت.
في مناسبات عدة، كان رأي محافظ «المركزي» صريحاً بأن على الدولة تحرير شيء من الأراضي التي بحوزتها. ماذا (مجرد افتراض) لو قال «الفريق» ذي الصفة التنفيذية الشيء نفسه؟ هل ستنصاع لـ «الصفة التنفيذية» في ما لا يعجبها؟
رمت الحكومة الكرة إلى من يثق به الجميع، وحسناً أنها فعلت، لكن أليس في هذا إقرار بأنها ليست أهلاً لمواجهة الأزمة؟
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي