بوح صريح

ثمن السكوت

تصغير
تكبير
هل يعقل ان يكون ولاء الانسان في مقابل فكره ورأيه ومصداقيته الأخلاقية في ما يخص مبادئه وقناعاته أمام ذاته وأمام العالم؟ هل نحن مضطرون للمجاملة على حساب اخلاقنا وآرائنا لمجرد خوفنا من الفصل أو فقدان وظائفنا؟ أي أن «لا نسمع، لا نتكلم،لا نرى» من أجل ألا نصبح في الشارع.

لذلك يظل الإنسان غريباً وحائراً. مقيد الفكر مكبل اليد، لأن رزقه ورزق أولاده على المحك، خصوصاً الذي يتحمل العديد من المسؤوليات، كزوج وأسرة، ويكون مصدررزقه الوحيد هذه الوظيفة. فينكسر على نفسه ويصمت أو ينافق ويجامل ويزور أو يزيف حتى يعيش أبناؤه بكرامة ولو كان بألم وقهر. وعلى حساب مبادئه. فأي حياة هذه؟ أي إنسانية ووطنية؟


أما من لا يتحمل إلا مسؤولية نفسه، فقد يرضى بالنوم على الرصيف جائعا لكن كريماً، حتى لا يتنازل عن قناعاته.

هناك جدلية واضحة بين مفهومين في هذا السياق:

1 - مفهوم التنميط الفكري.

2 - مفهوم الإجماع.

فكلما أغرق المجتمع في الأمية والتخلف، غالت السلطة في ممارسة القهر والظلم، ومال الحكم إلى الديكتاتورية والاستفراد بالرأي، وأفرز هذا الواقع دعاة وحواريين يدعون إلى فكر أحادي إقصائي منمط ويجبرون المجتمع الغارق في سلوك القطيع على التسليم به تحت يافطة الإجماع. هي بمعنى آخر جدلية الفكر الصنمي والسلوك الغنمي. وحيثما يسود الفقر والعوز والظلم ينزل سقف الحاجات الثقافية من سماء المبادئ والأفكار إلى أرض الهم اليومي المنشغل بالحصول على الخبز. ومن يملك جوعك يملك رأيك وعقيدتك، رغم أنه في بعض الاستثناءات القليلة لا يعيش المرء دائما بالخبز وحده.

بما أننا ألفنا في معظم الوطن العربي أن يكون النظام دائما منفصلا عن الشعب، وأن من يملك الرأي هو الكرسي لا النخبة. تبع ذلك إقصاء العقول في كهوف النسيان والتجاهل وتميز الأفواه الناطقة بالمنطقة في حجرات النيابة ودكاكين الاستجواب وكسر الهامة والكبرياء. فبينما نجد في دول العالم المتطور الجامعة تقود المجتمع، واحترام كل مفكر أو حامل دكتوراه أو مؤلف، نجد العكس في دول العالم العربي، حيث نزلت الجامعة للشارع... فأصبح رجل الشارع أعلى صوتا من الأستاذ والمعلم. وحين احتل الجاهل كراسي القرار بسبب المحسوبية والوساطة وتفشي الفساد، نزل المجتمع لأدنى درجات التطور.

فإما تسكت لتحتفظ بعملك واسمك، أسرتك وبيتك، أو تتكلم فتخسر كل شيء.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي