«أكرهه وأشتهي طربه وإنني أحب كرهي له»... هذا باختصار يمثل موقفي الشخصي (ولا أعرف إن كان يشاركني فيه أحد) من الفنان العراقي كاظم الساهر الذي سبق أن استغربت من عدم إحيائه حفلة في الكويت، ثم استغربت من استغرابي. فمشاعري تجاه كاظم ككاظم نفسه، كتلة من المتناقضات تحتاج سيفاً يسبق العذل في اتخاذ موقف تجاه إقامة الحفلة من منعها وهذا ما كان.
في بداياته الفنية، كان كاظم كغيره من الكثيرين، ابن الكويت، إذ بدأ نجاحه فيها في أوج الهوس الكويتي بالهوسات العراقية، فتولع الكويتيون بـ «عبرت الشط على مودك»، التي ولعت الكويت، لكنهم تشاءموا بما هووا عندما كان.
كانت الأغنية بمشيئة القدر الذي جرى بما لا يشتهي كاظم ولو فنياً ما لم يكن إنسانياً. المهم أن أغنيته بدت كنبوءة نحس ونذير شؤم تحقق بعبور القوات العراقية الشط على مود غزو الكويت عبر دخولها على نحو وصفه هو.
ورغم ذلك، لم نولِ الساهر في وقتها أهمية... كان مجرد مغنواتي لا راح ولا جاء، فلم نهتم لمعرفة موقفه السياسي ونحن نتابع مواقف رؤساء الدول.
تحررت الكويت وحوصر العراق وتغيرت التوجهات السياسية والتركيبة السكانية والسيكولوجية السلوكية وما ترتب عليها من ذوق عام نسي كاظم وراح يطرب لإيهاب توفيق ووائل كفوري وقائمة التسعينات التي تعرفونها.
في تلك الفترة، كان الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين يصغر والفنان العراقي كاظم الساهر يكبر، حتى صار أقوى من رئيسه، إذ تمكن من فك الحصار وغزانا فنياً بمساعدة نزار قباني، فأحببنا فنه لدرجة أننا كرهناه لأننا نكره حبنا لهذا الفن الممزوج بالسياسة. ما أثقل ضمائرنا المتعبة بذنب مصير أسرى ودم شهداء طالوا كل أسرة في الكويت تقريباً.
وفي عز مجد كاظم، انهار مجد صدام، تحررت العراق فلم نجد لكاظم موقفاً لا من التحرير ولا من الغزو ونحن لم ننتظره أصلاً.
وفي عز فرحتنا وتحررنا، انطربنا للبرتقالة، فداوينا ذائقتنا الفاسدة بكاظم الذي فسد هو الآخر. أفسده نزار وانفصل عن توأمه الفني كريم العراقي، وبدأ يتراجع في حين بدأت نجومية ماجد المهندس تسطع وشتان بين الاثنين.
وقتها تمنيت لو أحيا كاظم حفلة في الكويت أسوة بماجد، فهو أولى وكلاهما في الفن عراق، لكن الساهر أعرق.
لكن كاظم تأخر ثم تراجع ثم بهت، حتى عدنا لا نذكر له جديداً من بعد أكرهها، فرحنا نتذكر قديمه وكرهناه هو ووقته، وكنت أشعر بحاجتنا لمواجهة كرهنا لتجاوزه حتى بدأت ترتفع الأصوات الرافضة لحضورة وتتشابك بين الأصوات المطالبة به وبين الصوتين كان الصوت الأوضح لأهالي الشهداء الذين طالبوا بعدم حضوره، وهم الذين لم يطالبوا منذ سبعة وعشرين عاماً بشيء.
هنا صرنا بحاجة إلى قرار حاسم وسط زحمة مشاعر، وأمام كفتي حضوره وغيابه، تبدو تكلفة حضوره أعلى بكثير من غيابه. لم يعد يضيف إلينا شيئاً ولم نعد نضيف إلى مسيرته شيئاً. لم نعد كما كنا ولم يعد كما كان. كل شيء تغير فينا وفيه... إلا شيئا واحدا، ديننا للشهداء، وليكن كاظم الثمن. ووسط قرارات شعبية عالية التكلفة، يبدو قرار إلغاء حفل كاظم الأرخص.
reemalmee@