وقفات فقهية / للسفر فوائد وأحكام

تصغير
تكبير
المتعة والعلم والأخلاق والصفات الحسنة والصحبة الصالحة من أعظم فوائد رحلة السفر، وقد أشار الإمام الشافعي رحمه الله إليها في قوله:

تغرب عن الأوطان في طلب العُلى

وسافر ففي الأسفار خمس فوائد

تفريج هم واكتساب معيـشة

وعلمٌ وآدابٌ وصحبةٌ ماجد

فالسفر فرصة للترويح وإدخال السرور والبهجة إلى النفس، واكتساب الثقافة والخبرة من خلال التعامل مع الآخرين، والتأمل في بدائع خلق الله تعالى، وتتحقق هذه الفوائد في السفر إن كان الهدف منه الترويح والمتعة المُباحة أو المعرفة والعلم، لا أن يكون الهدف منه المعصية، فالسفر ثلاثة أنواع: الأول سفر الطاعة كالسفر لأداء العمرة، أو طلب العلم أو صلة الرحم أو التفكر في خلق الله وعجائب قدرته، والثاني: سفر مباح كالسفر للتجارة أو السياحة إن كانت التجارة في حدود المُباح وكذلك السياحة، وأما الثالث فهو سفر المعصية الذي يهدف إلى المنكرات والمحرمات كشرب الخمر وما إلى ذلك من المعاصي؛ وبذلك نرى أن سفر السياحة قد يكون في أعلى المراتب إن كان هدفه التفكر في خلق الله؛ لأنه أصبح سفر طاعة، وقد يكون من السفر المباح إن كان هدفه زيارة البلاد والتنـزه فيها بعيداً عن المعصية، وإما إن دخلت المعصية في السفر فإنه يخرج من المتعة المباحة والترويح الهادف إلى النوع الثالث، وقد يجمع المسافر بين هدفين في سفر واحد فيكون سفر طاعة وسفرا مباحا كمن سافر لطلب العلم ولم يمنع نفسه من التنـزه، وإن كان الهدف الغالب على سفره هو طلب العلم فإنه يعد سفر طاعة، وكذلك من سافر لأداء العمرة وقضى بعض وقته في السياحة والتسوق.

الصلاة في وسيلة التنقل

يقول السائل: هل يجوز للمسافر أن يصلي في طريق سفره في وسيلة التنقل كالطائرة أو السيارة؟ أرجو بيان الحكم الشرعي في ذلك وجزاكم الله خيراً.

قد يتعرض المسافر أثناء رحلته إلى مشقة بدنية أو نفسية سواء كان سفره سفر طاعة كالعمرة وصلة الرحم أو كان سفراً مباحاً كسفر السياحة، فخفف الشارع على المسافر وأباح له الأخذ بالرخص لمظنة المشقة وكان التخفيف في بعض الأحكام كقصر الصلاة وجمعها، وصلاة النافلة في وسائل التنقل، فللمسافر أن يصلي صلاة النافلة في أي وسيل من وسائل التنقل كالطائرة أو السيارة أو السفينة والقطار والطائرة، وأما صلاة الفرض فلا يجوز له أن يصليها في وسيلة التنقل فإن الأصل في صلاة الفريضة أن تؤدى على الأرض فلا تصلى على الراحلة أو في وسيلة من وسائل التنقل كالسيارة أو الطائرة إلا في حال الضرورة كمن كان على يقين أنها ستفوته لطول طريق السفر، والله تعالى أعلم.

صلاة الجمعة حال السفر

لا تجب صلاة الجمعة على المسافر في رأي أكثر أهل العلم، ولكن الأفضل للمسافر حضورها؛ لأنها الأكمل واستدل العلماء على عدم وجوبها بالحديث الشريف: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فعليه الجمعة إلا مريض أو مسافر أو امرأة أو صبي أو مملوك) وكان النبي عليه الصلاة والسلام يسافر فلا يصلي الجمعة في سفره، وكان في حجة الوداع بعرفة يوم جمعة فصلى الظهر والعصر، وجمع بينهما ولم يصل الجمعة، وكان الخلفاء الراشدون وغيرهم من أصحاب رسولنا الكريم يسافرون للحج وغيره فلم يصلِ أحد منهم الجمعة في سفره.

للسفر مستحبات وآداب

يستحب للمسافر أن يحرص على آداب السفر، ومن أهمها أن يستخير الله تعالى في سفره، فيصلي ركعتين من غير الفريضة يقول فيها دعاء الاستخارة، ثم يستشير من يثق به وبدينه وخبرته. ومن آداب السفر أيضاً التوبة ورد المظالم والديون لأهلها، وأن يودع أهله وجيرانه وأصدقاءه وسائر أحبابه، ويستحب للمسافر أن يرافق في سفره الصاحب الصالح الذي يعينه على الخير، وعند وصوله إلى البلد يدعو فيقول: (اللهم إني أسألك خيرها، وخير أهلها، وخير ما فيها، وأعوذ بك من شرها وشر ما فيها)، وأن يكثر من الدعاء في السفر؛ فدعوة المسافر مجابة كما ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: ( ثلاث دعوات مستجابات: دعوة المظلوم، ودعوة المسافر، ودعوة الوالد على ولده) رواه الترمذي، ويجب أن تكون نفقة المسافر حلالاً لا شبهة فيها، وأن يتعامل مع الآخرين بالأخلاق العالية، ويتمسك بأوامر شريعتنا وآداب ديننا ليحقق رحلة هادفة تجمع بين المتعة والمعرفة.

* دكتوراه في الفقه المقارن

aalsenan@hotmail.com

aaalsenan @
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي