د. سامي ناصر خليفة / إدارة بوش... لا بارك الله فيها

تصغير
تكبير
منذ وصولها إلى البيت الأبيض قسّمت إدارة جورج بوش العالم إلى «مع» و«ضد»، وقرّرت تعميم منهج الصراع الثقافي والحضاري بدلاً من الحوار، واستبدلت الأساليب بالعصا والجزرة بدلاً من إشاعة الديموقراطيات في المنطقة وحمايتها، فكان منهجها الدخول في حروب باهظة الثمن بهدف الهيمنة على مقدرات الشعوب، وقيامها بارتكاب مجازر مهولة وتورطها في انتهاكات كبيرة في العراق وأفغاستان يندى لها جبين البشرية. ووقفت مع الأنظمة العربية المهترئة والبالية ضد شعوبها في المنطقة، من أجل استغلال ضعفها لدفعها في اتجاه التطبيع مع كيان العدو الغاصب لفلسطين المحتلة، ولعبت على الاختلافات بين عقائد الشعوب ومذاهبهم لتؤجج الفتن العرقية بين العرب والأكراد، والطائفية بين السنة والشيعة، وقبلها الفكرية بين الإسلاميين والليبراليين. ومن الطبيعي في ظل سياسة كهذه أن يُشاع جو من الكراهية له، وأن تغلب على المناخ العالمي غيوم من اللاثقة في قيادة أميركا للعالم!
إدارة بوش التي أغرقت العالم بسجون سرية تمارس انتهاكات صارخة، ليس آخرها ما فضحته وسائل الإعلام في سجن أبوغريب ومعتقل غوانتانامو، وقرّبت إليها قادة الحروب وأساتذة الكراهية كديك تشيني، ورامسفيلد، وولفويتز، وغيرهم، ما أدخل أميركا اليوم في حالٍ من الكساد الاقتصادي لم تشهدها منذ أكثر من 80 عاماً، وأورثت الرئيس الجديد عجزاً مالياً فاق الخمسة آلاف مليار دولار، وأسقطت سوق الأوراق المالية في وحل الاضطراب، وأنهت طموح الملايين من الأميركيين في تجاوز خط الفقر، وأرسلت الكثير من الشركات الكبرى إلى إعلان الإفلاس، وبثت شعوراً باليأس والإحباط بين العامة من الناس، إلى درجة أن بدأ بعضهم يشكك في جدوى الرأسمالية كمنهج حياة يعزز الأمن الاستقرار الاجتماعي.
ولم تكتفِ بذلك، بل جرّت العالم كله إلى الخسائر المالية والانهيار الاقتصادي إلى درجة لم تترك لها صديقاً قط، فجعل الجميع يتمنون رحيلها غير مأسوف عليها! وأمام شبح إعادة حقبة السوء بترشيح جون ماكين الذي يمثل الوجه الآخر للرئيس السابق، جاء الارتياح كله بنجاح باراك أوباما، الذي لم يأتِ تتويجاً لحركة نهضة الجنس الملون، وبداية لانتهاء حقبة العنصرية المبطنة لدى المجتمع الأبيض فقط، بل جاء ليريح العالم من إدارة رئيس لم يباركها الله تعالى في سلوكها قط. ولكن هل نسلّم للرئيس الجديد فقط كرهاً في سياسة الإدارة التي سبقته أم أن في الأمر ما فيه؟
أحسب أن الرئيس الجديد الذي تعهد أثناء حملته الانتخابية بتغيير سلوك أميركا تجاه العالم، والذي كرّر مقولة في أكثر من مناسبة هي: «أن القوة الحقيقية لا تنبع من السلاح والمال، بل بما تحمله من مبادئ وقيم». أحسب أنه سينجح إذا استطاع التعاطي مع أنظمة العالم من منطلق الاحترام المتبادل، وإنهاء الفوقيّة التي أسست لها الإدارة السابقة، وسينجح أكثر إذا استطاع أن يحترم إرادة شعوب العالم في تقرير مصيرها.
سينجح أوباما متى ما استطاع أن يسحب قواته من العراق، وأفغانستان، واستبدالها بمنهج قائم على تبادل اقتصادي استراتيجي يعود نفعه على الجميع، وسينجح إذا أنهى مخططات الهيمنة التي جاءت تحت واجهة «الشرق الأوسط الجديد»، واستبدالها بمشاريع تساعد الشعوب العربية على التنمية الإصلاحية في المؤسستين السياسية والاقتصادية في منطقتنا. سينجح إذا ألغى لغة القوة العسكرية من أجل الهيمنة من القاموس السياسي الأميركي، وسينجح إذا مد يد الحب، والمودة، بدلاً من يد الحقد، والكراهية، التي مدّتها إدارة الرئيس بوش، إلى أنظمتنا وشعوبها، لا بارك الله فيها. سينجح أوباما إذا استطاع التحرّر من قيود وسيطرة اللوبي الصهيوني في أميركا، والتي ستجعله أسيراً لمنطقها في التأييد المطلق لإسرائيل، وتجاهل حق الشعب الفلسطيني في إقرار مصيره، واستعادة تحرير أرضه، والعيش كما الآخرين بحرية وكرامة.
مؤشر وإشارة
نخشى أن تكون «عقدة» الأصل الأفريقية والإسلامية التي تلازم الرئيس باراك أوباما قد تدفعه بلا مبرر لإثبات ولائه للمجتمع الأبيض بأي ثمن كان، كما فعل قبله المصري بطرس غالي، والأفغاني زلماي خليل زادة، وغيرهم، كل في موقعه، وزمانه، ودوره.
د. سامي ناصر خليفة
أكاديمي كويتي
alkhaldi4@hotmail.com
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي