من زاوية أخرى

أعطوني كم ألف دينار ... «عهدة»!

تصغير
تكبير
تزامناً مع مقالنا الأسبوع الماضي الذي تناول مسألة الهدر في المال العام، تحت ما يسمى «الأوامر التغييرية» في مشاريع الدولة، والذي كان تحت عنوان «مشاريع الدولة... بقرة حلوب»، تزامنا مع المقال، شهدت الساحة المحلية إثارة قضية تدخل ضمن هذا النطاق، وهي ما أثير عن اختفاء 3.8 مليار دينار من الميزانية العامة للدولة، واكبها تصعيد نيابي، اضطر نائب رئيس الوزراء وزير المالية أنس الصالح للذهاب إلى مجلس الأمة والاجتماع مع مكتب المجلس يوم الأربعاء الماضي، وشرح حقيقة الـ 3.8 مليار التي قال إنها صرفت بشكل رسمي وبفواتير ضمن القانون تحت ما يسمى بـ «العُهد». وتبعته وزارة المالية بإصدار بيان توضيحي حول تفصيلات صرف المبلغ المذكور، ضمن حسابات العهد «التي تعتبر أحد مكونات النظام المحاسبي في الكويت» وفقا لبيان الوزارة.

وبغض النظر عن قانونية صرف المبلغ الهائل في ميزانية الدولة، ضمن ما عرف باسم العهد، التي أكد الوزير الصالح وأركان وزارته أن هذا النظام معتمد في نظام الدولة المحاسبي، فإن طبيعة الصرف التي تتم وفق هذا النظام تدعو للتساؤل، لاسيما مع تضخم مبالغ «العُهد» عاما بعد عام، عن حقيقة الحاجة لهذا الصرف في ظل نظام محاسبي متكامل يفترض به أن يكون أجرى كل الحسابات بشكل تام وبما يضمن عدم فتح باب العهد التي هي في واقع الحال أحد مجالات الهدر.


ولعل ما يثير الاستغراب - بصرف النظر عن قانونية فتح باب العهد والإنفاق من خلاله - هو الحاجة الحقيقية لصرف العهد التكميلية، سواء أتمت تسويتها في السنة المالية القائمة، أم تم ترحيلها للسنة التالية، وهذا في حقيقته باب مفتوح للهدر والسحب من المال العام، لاسيما أن هناك جهات حكومية - وفق ما أورده تقرير لجنة الميزانيات والحساب الختامي لمجلس الأمة - لم تورد مستندات تثبت صحة الصرف ضمن حساب العهد، ما يضع إشارات استفهام كبيرة على مصير تلك المبالغ، وعما إذا ذهبت لجيوب المسؤولين بلا رادع ولا حسيب، الأمر الذي أثار حفيظة بعض النواب، في هذا الوقت، ومع غياب مجلس الأمة في عطلته البرلمانية، فهددوا وتوعدوا الحكومة بكل أعضائها مع الرئيس بأن دور الانعقاد المقبل سيحمل معه منذ بدايته تصعيدا وحسابا عسيرا للحكومة ما لم تستغل العطلة الحالية وتعمل على تسوية ما جاء من ملاحظات في تقرير لجنة الميزانيات، وتفصح عن المبالغ المالية التي صرفت بلا مستند، لتقطع الشك باليقين وتوضح للجميع حقيقة الأموال التي صرفت والقنوات التي صرفت فيها، حتى لا ينتهي شهر العسل ويقع «الطلاق» بين السلطتين مع تصاعد التهديدات النيابية من بعض النواب الذين تبنوا هذا الملف.

وبعيدا عن الصخب النيابي والرد الحكومي، فإن القضية التي قال عنها الوزير الصالح إنها موجودة منذ وجد النظام المحاسبي المالي في الكويت، وأرقامها تتصاعد مع تصاعد حجم الميزانية عاما بعد عام، تعتبر مجالا للهدر، مهما كان التكييف الحكومي لها، فأي ميزانية لأي جهة من الجهات، توضع وفق دراسات مسبقة تضع في اعتبارها ما يستجد من أمور أثناء السنة المالية، وبالتالي فإن ما يمكن أن يضطر الوزارة أو الجهة الحكومية إلى الصرف خارج إطار الميزانية، سيكون في أضيق الحدود، وبمبالغ يفترض ألا تتجاوز المعقول لتصل إلى مئات الآلاف أو الملايين، حتى وصل مجموع ما حصر منها إلى 3.8 مليار دينار، فهذا المبلغ الهائل من الصرف الجانبي يمكن أن يمثل مجموع ميزانيات ثلاث دول عربية مجتمعة.

والآن، وبعد أن أصبح المبلغ أمرا واقعا، وبفواتير وقنوات صرف قانونية، ولا مجال إلا للقبول به، فإن المطلوب تضييق الخناق على «العُهد» وحصرها في أضيق الحدود، حفاظا على المال العام وحتى لا تبقى ثقبا في جيب الميزانية العامة للدولة تهدر من خلاله الأموال وتقدم بعد ذلك فواتير يقال عنها إنها قانونية وضمن النظام المحاسبي للدولة.

نوابنا الأفاضل، يا من رفعتم شعار الدفاع عن المال العام، ضيّقوا على أصحاب «العُهد»، حتى لا يستمر التضييق علينا تحت مسمى أزمة اقتصادية، وإذا لم تفعلوا، أو لم تستطيعوا، فأحتاج فزعتكم لتعطيني الحكومة كم ألف دينار، وتحرر فيها فاتورة ضمن حساب «العهد»!

[email protected]

@Dr_alasidan
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي