خواطر تقرع الأجراس
قل و... قل



قل: دان بالعقيدة الجديدة. وقل: اعتنقها.
قالوا: لا تقل اعتنق المسيحية أو الإسلام، فهذا غير فصيح، فالعرب تقول: دان به، دخل فيه، اتخذه ديناً؛ فالفعل اعتنق ترجمة حرفية لـ (embrace) «عانقه واحتضنه، اعتناق، احتضان. يحتضن، يُطوِّق، يعانق، يعتنق» لذلك هم يرفضون اعتنق العقيدة لأنها (مولَّدة) لا أصل لها في جذور لغتنا.
فلنرجع إلى معاجمنا القديمة: «عانقه معانقة وعناقاً: (التزمه) فأدنى عنقَه من عنقه. وقيل: المعانقة في المودة والاعتناق في الحرب. وهناك من أضاف: الاعتناق في الحرب (ونحوها). واعتنق الأمر (لزِمه).
في الصرف وزن مفاعلة وتفاعل يدل على المشاركة؛ فالمعانقة تدل على المشاركة بين المعانِق والمعانَق. وكذلك تعانق تعانقاً. فماذا عن الاعتناق؟ قال اللسان: قد يجوز الافتعال في موضع المفاعلة، فإذا خصصت بالفعل واحداً دون الآخر لم تقل إلا عانقه في الحالين. وأضاف: قال الأزهري قد يجوز (الاعتناق) في المودة كالتعانق، وكلٌّ في كلٍّ جائز».
لاحظ التخبُّط! والخلاصة:
- تعانق تعانقاً، وعانق معانقة وعناقاً يستعملان للمودة والحب...
- اعتنق العقيدة اعتناقاً: أيضاً للمودة، (مولَّدة)، وسائدة، وخالدة، رغم الحَرْفيين!
- اعتنقه: لزِمَه ولم يفارقه. وهنا روح المعنى للفعل اعتنق. فماذا عن الفعل لزِمَ؟
- لزمت الشيء لزوماً، ولزمت به، ولازمته: لم أفارقه. والِّلزام: (الموت. والحساب)! وفي القاموس المحيط: التزمه: اعتنقه. وفي أساس البلاغة للزمخشري: اعتنق الأمر: لزِمه. هكذا يتذوق العباقرة روح اللغة!
- عندما يعتنق أحدهم ديناً أو فكرة جديدة فهو يضعها في عنقه كالقلادة حباً واعتزازاً ومودة (والمِعْنَقة هي قلادة العنق دون تخصيص) وهل تضع المرأة قلادة إلا لتتجمّل بها وتتباهى بزينتها؟ فالمعتنِق هنا يحتضن العقيدة الجديدة و(يلتزمها) بمودة وحب ويضعها قلادة في عنقه. وهذه العقيدة التي اعتنقها لازمة له لا تفارقه كما لا يفارق (الموتُ) الميِّتَ حتى يوم (الحساب)!
- وفي الحديث «لا رهبنة في الإسلام هي كالاختصاء واعتناق السلاسل». أي جعل السلاسل قيوداً في الأعناق. ألا نلمح هنا المودة للسلاسل عند الرهبان كأنهم يعانقونها؟ ومرَّ قول الأزهري أن الاعتناق مثل التعانق للمودة.
- في فلسفة الأدب، كما عند سارتر والأدب اليساري، هناك الأدب الملتزِم الذي يلزمه الأديب ولا يفارقه، فيعتنقه اعتناقاً بمودة، وهو غير الإلزام الدال على الإكراه والغصب.
قراءة المعجم قراءة صمّاء بتراء للبحث عن معنى كلمة ثم إغلاق الصفحة لا تكشف لك عن روح اللغة؛ فهناك معانٍ متعددة للفظة، لكنك في الغوص على ظلالها وأبعادها بحسب السياق النصي تكتشف سر اللغات، وبخاصة لغتنا.
هكذا تكون قراءة المعجم العربي. هكذا يكون عناقُنا وتعانقنا ومعانقتنا للغتنا؛ (فاعتناقنا) روحَ معانيها يُحييها من موت محقّق على أيدي عشاقها الذين لا يعرفون... كيف يعشقونها!
قال أحمد شوقي:
لم أدرِ ما طيبُ العناق على الهوى
حتى ترفَّق ساعدي فطواكِ
وأقول في مسيرتي مع مناجاة لغتنا:
لم أدرِ ما سحر اللغات على النُّهى
حتى اعتنقتُ مع الهوى نجواكِ
* شاعر وناقد سوري
قالوا: لا تقل اعتنق المسيحية أو الإسلام، فهذا غير فصيح، فالعرب تقول: دان به، دخل فيه، اتخذه ديناً؛ فالفعل اعتنق ترجمة حرفية لـ (embrace) «عانقه واحتضنه، اعتناق، احتضان. يحتضن، يُطوِّق، يعانق، يعتنق» لذلك هم يرفضون اعتنق العقيدة لأنها (مولَّدة) لا أصل لها في جذور لغتنا.
فلنرجع إلى معاجمنا القديمة: «عانقه معانقة وعناقاً: (التزمه) فأدنى عنقَه من عنقه. وقيل: المعانقة في المودة والاعتناق في الحرب. وهناك من أضاف: الاعتناق في الحرب (ونحوها). واعتنق الأمر (لزِمه).
في الصرف وزن مفاعلة وتفاعل يدل على المشاركة؛ فالمعانقة تدل على المشاركة بين المعانِق والمعانَق. وكذلك تعانق تعانقاً. فماذا عن الاعتناق؟ قال اللسان: قد يجوز الافتعال في موضع المفاعلة، فإذا خصصت بالفعل واحداً دون الآخر لم تقل إلا عانقه في الحالين. وأضاف: قال الأزهري قد يجوز (الاعتناق) في المودة كالتعانق، وكلٌّ في كلٍّ جائز».
لاحظ التخبُّط! والخلاصة:
- تعانق تعانقاً، وعانق معانقة وعناقاً يستعملان للمودة والحب...
- اعتنق العقيدة اعتناقاً: أيضاً للمودة، (مولَّدة)، وسائدة، وخالدة، رغم الحَرْفيين!
- اعتنقه: لزِمَه ولم يفارقه. وهنا روح المعنى للفعل اعتنق. فماذا عن الفعل لزِمَ؟
- لزمت الشيء لزوماً، ولزمت به، ولازمته: لم أفارقه. والِّلزام: (الموت. والحساب)! وفي القاموس المحيط: التزمه: اعتنقه. وفي أساس البلاغة للزمخشري: اعتنق الأمر: لزِمه. هكذا يتذوق العباقرة روح اللغة!
- عندما يعتنق أحدهم ديناً أو فكرة جديدة فهو يضعها في عنقه كالقلادة حباً واعتزازاً ومودة (والمِعْنَقة هي قلادة العنق دون تخصيص) وهل تضع المرأة قلادة إلا لتتجمّل بها وتتباهى بزينتها؟ فالمعتنِق هنا يحتضن العقيدة الجديدة و(يلتزمها) بمودة وحب ويضعها قلادة في عنقه. وهذه العقيدة التي اعتنقها لازمة له لا تفارقه كما لا يفارق (الموتُ) الميِّتَ حتى يوم (الحساب)!
- وفي الحديث «لا رهبنة في الإسلام هي كالاختصاء واعتناق السلاسل». أي جعل السلاسل قيوداً في الأعناق. ألا نلمح هنا المودة للسلاسل عند الرهبان كأنهم يعانقونها؟ ومرَّ قول الأزهري أن الاعتناق مثل التعانق للمودة.
- في فلسفة الأدب، كما عند سارتر والأدب اليساري، هناك الأدب الملتزِم الذي يلزمه الأديب ولا يفارقه، فيعتنقه اعتناقاً بمودة، وهو غير الإلزام الدال على الإكراه والغصب.
قراءة المعجم قراءة صمّاء بتراء للبحث عن معنى كلمة ثم إغلاق الصفحة لا تكشف لك عن روح اللغة؛ فهناك معانٍ متعددة للفظة، لكنك في الغوص على ظلالها وأبعادها بحسب السياق النصي تكتشف سر اللغات، وبخاصة لغتنا.
هكذا تكون قراءة المعجم العربي. هكذا يكون عناقُنا وتعانقنا ومعانقتنا للغتنا؛ (فاعتناقنا) روحَ معانيها يُحييها من موت محقّق على أيدي عشاقها الذين لا يعرفون... كيف يعشقونها!
قال أحمد شوقي:
لم أدرِ ما طيبُ العناق على الهوى
حتى ترفَّق ساعدي فطواكِ
وأقول في مسيرتي مع مناجاة لغتنا:
لم أدرِ ما سحر اللغات على النُّهى
حتى اعتنقتُ مع الهوى نجواكِ
* شاعر وناقد سوري