أسواق النفط وتطورات الميزانية / «الوطني»: الخام الكويتي يتجه نحو 90 دولاراً وفائض الميزانية قد يتجاوز 8 مليارات دينار



أشار بنك الكويت الوطني، في آخر تقرير له حول تطورات أسواق النفط، الى أنه في أعقاب الهدوء المؤقت الذي شهدته أسعار النفط في مطلع شهر نوفمبر، تواصلت مسيرة الارتفاع الحاد في سعر النفط الخام الكويتي خلال النصف الثاني من الشهر ليصل الى مستويات قياسية، ما سيعزز من مستوى الايرادات الحكومية بشكل ملموس، حيث وصل سعر برميل النفط الخام الكويتي في 26 نوفمبر الى 89.03 دولار، مرتفعاً بما نسبته 19 في المئة عن مستواه المسجل في نهاية شهر سبتمبر والبالغ 74.8 دولار. وبذلك، بلغ متوسطه خلال الفترة المنقضية من شهر نوفمبر نحو 86.09 دولار، متجاوزاً مستواه في شهر نوفمبر من العام السابق بما نسبته 63 في المئة أو ما يعادل 33 دولاراً، ومرتفعاً بما مقداره 73 دولاراً عن أدنى متوسط له والذي كان قد سجله في شهر نوفمبر من عام 2001. ورغم أن مجموعة من العوامل كانت وراء تسارع أسعار النفط عالمياً، كالتوترات السياسية وتدني المخزونات العالمية وبداية الموسم الشتوي في الجزء الشمالي من الكرة الأرضية وحالة الغموض التي تكتنف حجم الامدادات المستقبلية من النفط، الا أن هنالك وجهة نظر أخرى قد بدأت بالتعزز ومفادها أن تصاعد أسعار النفط ناجم عن حالة التوازن الدقيق بين العرض والطلب وليس عن نشاط المضاربات الذي ينحصر تأثيره في الأجل القصير.
فعلى الصعيد السياسي، استحوذ عاملان قائمة الأجندة لشهر أكتوبر، أولهما يشير الى أن تركيا تجهز قواتها لضرب المتمردين من الأكراد في شمال العراق، في حين أن العامل الثاني يتعلق بتزايد زخم العقوبات الاقتصادية الأميركية على ايران ما يوحي باحتمالية نشوء نزاع عسكري. ورغم المخاوف المتعلقة بامدادات النفط من العراق وايران، يرى بعض المحللين أن حالة الضعف التي يشهدها سعر صرف الدولار قد ولدت ضغوطات اضافية على أسعار النفط دفعتها نحو الارتفاع. فسعر صرف الدولار قد هوى الى مستويات متدنية جديدة مقابل اليورو والعملات الرئيسية الأخرى. اضافة الى ذلك، فقد واصلت مخزونات النفط الخام الأميركي تراجعها مع قرب نهاية الشهر، في الوقت الذي تفاقمت فيه حالة الغموض التي تكتنف امدادات النفط نتيجة التوقف الجزئي للانتاج في المكسيك.
ولحظ الوطني أنه قد نجم عن هذه الضغوطات المكثفة ارتفاع أسعار النفط العالمية الى مستويات قياسية. حيث تجاوز متوسط سعر مزيج كل من غرب تكساس وبرنت خلال شهر أكتوبر حاجز 80 دولاراً للبرميل وذلك للمرة الأولى في تاريخهما. ولاحقاً، تبين أن مستويات الأسعار هذه قد كانت متواضعة نتيجة التطورات غير الاعتيادية التي شهدتها أسواق النفط مع حلول منتصف شهر نوفمبر. فقد وصل سعر مزيج غرب تكساس الى مستوى قياسي جديد في 20 نوفمبر بلغ 99 دولاراً للبرميل، في حين أن سعر مزيج برنت الذي جاء سعره أدنى من غرب تكساس خلال الشهرين السابقين قد تبع نفس المسار ووصل الى مستوى غير مسبوق بلغ 95.3 دولار للبرميل. وبالتالي، فان ارتفاع سعر مزيج غرب تكساس - الذي يعد المرجع العالمي لتسعير النفط الخفيف- الى ما فوق الحاجز النفسي البالغ 100 دولار للبرميل يبدو وشيكاً ولا يمكن تفاديه. وبالرغم من أن هذا المستوى الجديد سينظر اليه على أنه مرتفع، فلا بد من الاشارة هنا الى أن سعر مزيج غرب تكساس ما زال دون مستواه القياسي المعدل بالتضخم والبالغ 102 دولار للبرميل والذي كان قد وصل اليه في شهر ابريل من عام 1980.
ويبدو هذا التسارع في أسعار النفط الخام غير منسجم مع حالة القلق السائدة في الأسواق حول درجة ضعف نمو الاقتصاد العالمي الناجمة عن عدم وضوح الرؤيا بخصوص مدى انتشار أزمة أسواق الائتمان الأميركية. فعلى الرغم من الاختلاف الحاد بين خبراء النفط حول ما سيؤول اليه نمو الطلب العالمي على النفط، الا أن معظمهم قد خفض من تقديراته لهذا النمو لعام 2007. فعلى سبيل المثال، تتوقع الوكالة الدولية للطاقة أن يصل معدل النمو في الطلب العالمي الى 2.3 في المئة خلال عام 2008، وذلك مقابل زيادة متواضعة نسبتها 0.7 في المئة يتوقعها مركز دراسات الطاقة الدولية الذي يعكس وجهة نظر متشائمة تستند على التأثير السلبي لارتفاع أسعار الطاقة على معدل الانفاق الاستثماري والاستهلاكي. وهنالك دلائل من الولايات المتحدة تشير الى تباطؤ نمو الطلب على النفط الخام. وبغض النظر عن مستوى النمو في العام المقبل، فان النمو في اجمالي الطلب العالمي سيتجاوز على الأرجح لمعدل نمو الامدادات من خارج منظمة أوبك، ما يعني أن حالة التوازن الدقيق في السوق النفطي بين الطلب والعرض ستستمر، وأن تبقى معتمدة على قرارات أوبك. واضافة الى ذلك غالباً ما تبرز العوامل الموسمية في هذا الوقت من العام وما قد تحمله من مفاجآت حول تغيرات الطقس الجوية ومن ثم الطلب لوقود التدفئة. فمع ابتداء الطقس البارد في الجزء الشمالي من الكرة الأرضية، يركز المحللون على مؤشرات الطقس للاستدلال على امكانية تدني درجات الحرارة ما دون متوسطها العام، وخاصة في الوقت الذي تشهد فيه أسواق النفط الخام حالة دقيقة من التوازن.
وعلى صعيد الامدادات، أشار الوطني الى أن الزيادة المقررة لانتاج أوبك بنحو 500 ألف برميل يومياً اعتباراً من مطلع شهر نوفمبر قد دخلت حيز التنفيذ، مع أن تأثير هذه الزيادة على الأسواق قد يأخذ بعض الوقت. وهذا قد يفسر تردد أوبك في الاعلان عن أي زيادة اضافية في الانتاج خلال الاجتماع الأخير لقادة دول المنظمة الذي عقد خلال الفترة 17-18 نوفمبر. ويقدر أن يكون متوسط انتاج الدول العشر الفاعلة في المنظمة باستثناء العراق وأنغولا خلال شهر أكتوبر قد ارتفع بنحو 0.37 مليون برميل يومياً مقارنة بالشهرين السابقين ليصل الى 27 مليون برميل يومياً. ومع ذلك، فان هذا المستوى من الانتاج يقل بحوالي 1.26 مليون برميل يومياً عن نظيره السائد في شهر نوفمبر من عام 2005 عندما بدأت أوبك حينها بخفض الانتاج. وفي الوقت ذاته، فان معدل نمو الامدادات من خارج المنظمة ما زال دون مستواه المتوقع في ضوء عمليات الصيانة والأحوال الجوية والانقطاع الناجم عن الاضرابات. كذلك الحال، فان حالة الجمود التي تسود القدرات التكريرية عالمياً تعتبر عائقاً اضافياً تقف أمام زيادة حجم الامدادات. فمع أن النفط الخام الثقيل متوفر، الا أن العديد من محطات التكرير مجهزة للتعامل مع أنواع النفط الخام الخفيف أو مع مزيج اقل توفراً في الأسواق.
وبالمحصلة، يرى الوطني أن هذه العوامل مجتمعة ستبقي أسعار النفط قريبة من مستوياتها المرتفعة الحالية، على الأقل في المدى القصير. اذ لو جاء بالفعل نمو الطلب العالمي بحدود 0.7 في المئة ولكن متجاوزاً للزيادة في حجم الامدادات من خارج أوبك، فيما تمسكت أوبك بوجهة نظرها بأن الأسواق لا تعاني من نقص في الامدادات وأن ارتفاع الأسعار يعكس المخاوف الجيوسياسية، ومن ثم قررت زيادة الانتاج فقط بنحو 300 ألف برميل يومياً خلال الربع الأول من عام 2008، يرى الوطني أن مثل هذا السيناريو سيبقي سعر برميل النفط الخام الكويتي فوق مستوى 80 دولاراً حتى نهاية موسم الشتاء. ولكن من المرجح أن تبدأ المخزونات النفطية بالتزايد بعد ذلك ما سيولد موجة من التصحيح في أسعار النفط لا بد أن تدفع بأوبك الى خفض انتاجها. واذا جاء هذا الخفض معتدلاً بحدود 1.25 مليون برميل يومياً كما فعلت في عام 2005، فسيحد ذلك من تراجع الأسعار بحيث يصل متوسط سعر مزيج برنت الى حوالي 70 دولاراً للبرميل في الربع الأخير من العام، فيما يبلغ متوسط سعر برميل النفط الخام الكويتي حوالي 62.4 دولار.
ولكن يبقى هنالك احتمال أن يأتي معدل النمو في الطلب العالمي على النفط أعلى من نسبة 0.7 في المئة المتدنية أو ما يعادل 0.6 مليون برميل يومياً المفترضة في السيناريو أعلاه. فمثلاً، لو ارتفع الطلب العالمي بمقدار مليون برميل يومياً بالمتوسط لعام 2007 (مقابل 0.6 مليون برميل يومياً في السيناريو أعلاه)، فان ذلك سيكون كفيلاً بالمحافظة على متوسط سعر مزيج برنت قريباً من مستوى 95 دولاراً للبرميل خلال النصف الأول من عام 2008 شريطة عدم قيام أوبك بزيادة الانتاج بشكل ملحوظ. وتبعاً لذلك، فقد يبلغ متوسط سعر النفط الخام الكويتي نحو 87 دولاراً للبرميل خلال نفس الفترة، وذلك قبل أن يتراجع الى نحو 70 دولاراً للبرميل مع حلول الربع الأخير من العام.
أما في حال سار معدل نمو الطلب العالمي في الاتجاه المعاكس وتراجع خلال عام 2008 بنحو 0.3 مليون برميل يومياً عن مستواه المفترض في السيناريو الوسط، أو جاء حجم الامدادات من خارج أوبك أعلى ليصل على الأقل الى المستوى الذي تتوقعه أوبك مع بقاء انتاج المنظمة عند نفس المستوى المقدر في السيناريو الوسط، فعندها يرى الوطني أنه ستكون حالة الازدهار التي تشهدها أسعار النفط الخام قصيرة الأجل، وسيتراجع تبعاً لذلك سعر مزيج برنت من 87.6 دولار للبرميل للربع الأول من عام 2008 الى 70 دولاراً للبرميل خلال الربع الثالث، ولينخفض الى 60 دولاراً للبرميل خلال الربع الأخير. وضمن هذا السياق، فان سعر برميل النفط الخام الكويتي سيتراجع من 80 دولاراً للربع الرابع من عام 2007 الى ما يقارب 54 دولاراً للربع الأخير من العام المقبل.
أما بالنسبة لتوقعات الوطني لأداء ميزانية الحكومة فهي تبدو الآن في أفضل حال. فعند مستويات الانتاج الحالية، تشير التقديرات الى أن ارتفاع سعر برميل النفط الخام الكويتي بدولار واحد سيضيف حوالي 240 مليون دينار الى ايرادات النفط السنوية لخزينة الحكومة. ولكن بما أننا الآن في النصف الثاني من السنة المالية 2007/2008، فهذا يعني أن أي ارتفاع اضافي في سعر النفط ستظهر آثاره فقط في العام المقبل. ومع ذلك، فهذه التطورات قد تحظى بأهمية خاصة في تحديد لغة الحوار الذي سيدور في مجلس الأمة حول حجم المصروفات الحكومية للسنة المالية المقبلة. وتشير تقديرات الوطني الى أن الايرادات النفطية ستتراوح ما بين 17.4 و18 مليار دينار في السنة المالية الحالية، مشكلة بذلك نحو 95 في المئة من جملة ايرادات الميزانية. أما المصروفات المقدرة في الميزانية بنحو 11.3 مليار دينار، فيتوقع الوطني أن تأتي أقل من هذه التقديرات بحوالي 5 في المئة الى 10 في المئة، ما يعني أن فائضاً ضخماً ستحققه الميزانية يتراوح ما بين 7.6 و8.9 مليار دينار وذلك قبل تخصيص 10 في المئة من الايرادات لصندوق احتياطي الأجيال القادمة. ويتجاوز هذا الفائض بشكل ملحوظ تقديرات الوطني السابقة. وفي الواقع، فان الفائض لهذه السنة المالية سيكون على الأرجح الأكبر في تاريخ ميزانية الكويت، وليتجاوز مستواه القياسي المحقق في السنة المالية 2005/2006 والذي بلغ حينها 6.9 مليار دينار، وسيتأتى ذلك رغم تزايد مصروفات الحكومة بنحو 53 في المئة منذ ذلك الحين.