د. سامي ناصر خليفة / سقوط أميركا مقبل... لا محال

تصغير
تكبير
إنها سنّة الحياة، وحقيقة كونية لا مناص من التسليم بها، مادامت تسير ضمن معادلة رب العزة الذي جعل لكل بداية نهاية، وبعد كل قمة قاع، وبعد أي مرتفع انحدارا، ولسنا هنا من دعاة الفلسفة والتخيل، بل الشواهد الواقعية التي تعيشها أكبر قوى عظمى في العالم اليوم هي التي تفرض نفسها أمام مرأى ومسمع الجميع. ولنعود إلى التاريخ وتحديداً مع الانهيار الكامل للسوق الأميركية عام 1929، والذي خلق صدمة كبيرة مازالت هواجسها تعشعش في أذهان الكثير من قادة القرار والمنظّرين له هناك. صدمة تعيد ملامحها من جديد بعد ثمانية عقود من الزمن، ليكرر السيناريو نفسه منذراً بأزمة هالكة استشرت في معظم جوانب الحياة المعيشية للمواطن الأميركي، بصورة لم تفرّق بين الطبقة الغنية وبين الطبقتين الوسطى والفقيرة ليطول الضرر الجميع.
بدأت القصة مع مطلع الألفية الثالثة حين قرّرت الخزينة الأميركية رفع معدل الفوائد مواكبة مع انتعاش الاقتصاد الأميركي، ولكن مع دخول إدارة الرئيس بوش حربين واحتلالهما لأفغانستان والعراق، وما رافق ذلك من تكاليف باهظة جداً اضطرت الخزينة الأميركية على إثرها عام 2005 إلى بيع كميات هائلة من سنداتها لتسديد ضعف الإيرادات في الميزانية التي تعتمد غالباً على «العوائد» و«الإيرادات». هذه الخطوة أحدثت فائضاً كبيراً في الأسهم المحلية أدت إلى ارتفاعها في أسواق المال بمعدلات «فلكية»، ما حدا بالخزينة الأميركية إلى تبني برمجة فاعلة تستهدف إنزال معدلات الفوائد بصورة كبيرة أيضاً.
لذلك، ومع توافر سيولة مهولة في البنوك والشركات الأميركية الضخمة لوحظت حركة مالية كبيرة في السوق المحلية كتقديم تسهيلات بنكية ومصرفية خارج المعقول ويفوق التصور لملايين البشر تعينهم على شراء عقارات وسيارات وغيرها بأسعار مضاعفة لقيمتها الطبيعية، إذ يقبلها المقترض أملاً في الاستفادة من الارتفاع الدوري لقيمة العقارات وغيرها واعتماداً على الأقساط الشهرية المريحة المطلوب دفعها. ومع تلك البشائر بدأ الارتفاع الواضح في معدلات التضخم في الأسواق يقلق الإدارة الأميركية، فأقدمت عام 2005 مجبرة على رفع معدلات الفائدة ما أنزل أسعار العقارات والسلع وغيرها بصورة مفاجئة، اضطرت خلالها البنوك والمصارف الكبرى إلى رفع الأقساط الشهرية على كاهل المقترض. فاضطرت هذه الملايين من البشر أن تعالج خسارتها بقروض أخرى خلقت حالاً من التشابك ظهرت ملامحها عام 2007 عندما اختلت موازين العرض والطلب، وبدأ الكثيرون من الناس يفقدون وظائفهم ليرتفع معدل البطالة إلى أكثر من 6 في المئة، أي ما يعادل 15 مليون مواطن أميركي. ومع زيادة التقلبات المناخية في أسواق العقار وغيرها اضطر بعض كبريات الشركات إلى إعلان إفلاسها، وتسريح عشرات الآلاف من الموظفين ما أدى في أقل من ستة أشهر إلى نزول مؤشرات الأسواق المالية إلى أكثر من 40 في المئة، واعتماد مئات الآلاف من العاملين السابقين على كاهل المعونة الاجتماعية التي تقدمها الدولة. فجاء الانهيار في العام 2008.
وماذا بعد؟ ذلك كله في الحقيقة مؤشرات تنذر ببداية السقوط في وحل النهاية، ولا يمكن بعد اليوم أن يكون لأميركا صوت ذو هيبة وشموخ خارج حدودها، بل لا يمكن بعد اليوم أن تكون قادرة على العودة من جديد إلى ما سمّته بنظام القطب الأوحد التي تربعت على عرشه منذ سقوط الاتحاد السوفياتي، أو إلى قدراتها السابقة في الهيمنة على مقدرات العالم وسلب إرادة الشعوب، وها هي اليوم تقرّر التصويت إلى المرشح باراك أوباما الذي ينادي بالانكماش إلى الداخل، والتركيز على معالجة الأزمة الطاحنة هناك، وهي خطوة بالتأكيد تنذر جزماً ببداية السقوط.
د. سامي ناصر خليفة
أكاديمي كويتي
alkhaldi4@hotmail.com
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي