لا أحد يستطيع أن يلوم الناس على ترك أوطانها بسبب ما تعاني من الأزمات والفقر والحرب باحثة عن أماكن أكثر أماناً وطمأنينة قد تتيح لها فرصا أفضل لحياة أكثر ازدهاراً. ولأن أحوال الناس في دول كثيرة نامية أو فقيرة ما زالت تتعرض للاضطهاد والقهر والحرمان، فإن الأمم المتحدة في العام 2014 لاحظت ارتفاعاً قياسياً في عدد اللاجئين الذين بلغ عددهم نحو 60 مليون شخص، ووجدت أن سورية أحد أكبر عوامل هذه الزيادة.
إن الهروب من الأوطان لا يحدث لأتفه الأسباب، أو لمجرد الرغبة في التغيير والبحث عن الجديد، وإنما الهروب له أسباب قسرية اضطرارية درءاً للقتل وحماية للأسرة، وسعي لحياة أكثر هدوءاً واستقراراً من دون خوف دائم، وضياع محتمل، وكرامة مهانة، وفقر مذل، وخوف على الأطفال.
ومع ذلك لا يعني النزوح القسري من الأوطان إلى أماكن أخرى أن الطريق ممهد لتحقيق الغايات، أو أن اللاجئ بعد وصوله للمكان المستهدف أنه لا يعيش أزمات من نوع آخر يجعله يتأسى على سوء قراره، ويفكر في العودة إلى وطنه. فالقصص التي نقرأها عن اللاجئين الفارين إلى أوروبا تقشعر لها الأبدان عندما يصطدم اللاجئ بعقبات مثل فقدانه لهويته، وصعوبة اندماجه، وتردي حالته النفسية حيث الاكتئاب، وصعوبة التعامل مع أناس غرباء عنه، والشعور بأنه غير مرحب فيه، والكراهية أوعدم احترام الناس له، وقد يحدث التعدي عليه من أهالي الموطن الجديد.
أما سبل الوصول إلى المبتغى فهي حكايات لا تنتهي. فالعالم لا ينسى صورة الطفل السوري الغريق الملقاة على الساحل في محاولة للوصول إلى اليونان من تركيا، ولا ينسى العالم آلاف اللاجئين الذين ينطلقون مشياً على الأقدام من بودابست إلى النمسا. وكذلك لا ينسى العالم المشاهد المتكررة للآلاف يندفعون نحو اليونان وإيطاليا على قوارب مهترئة صغيرة مكتظة بالرجال والنساء والأطفال نادراً ما تصل هذه القوارب إلى أهدافها حيث يغرق الكثير منها وسط البحر.
والغرابة أن غالبية هؤلاء اللاجئين من العرب والمسلمين هم من دول مثل سورية وأفغانستان والصومال وليبيا والتي تشكل أكبر مصدر للاجئين، تليها دول أخرى مثل جنوب السودان، واريتريا، وجمهورية أفريقيا الوسطى، ونيجيريا، والكونغو الديموقراطية وغيرها.
تقول مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن هناك أعداداً كبيرة من اللاجئين ترغب في العودة إلى أوطانها بعد أن عاشت مآسي الدول التي لجأت إليها. لكن عودتهم أيضاً أصبحت تواجه صعوبات مصدرها أوطانهم بسبب ضياع ثبوتياتهم وعدم حملهم لوثائق رسمية معتمدة من دولهم بعد أن ضيعوها في نزوحهم إلى الخارج بطرق غير مشروعة. فالكثير منهم مازال عالقاً في دول يترددون فيها على سفاراتهم التي لا تستجيب لطلباتهم بالعودة بسبب مشكلات قانونية ومالية وسياسية، إضافة إلى معاناتهم المختلفة في الغربة.
إن مآسي الهروب من الأوطان لأسباب عديدة أبرزها الحرب والنزاعات يجب أن تكون دروساً لا تنسى أمام الحاجة لاستقرار الأوطان والمحافظة عليها... فالأمن الوطني حماية للناس، وضرورة حتمية لوجودهم وعيشهم الكريم.
[email protected]