هل سيقطف جوائز في ليلة ختام المهرجان؟

«انتظارات» ... عرض بقصة بسيطة وانفعالات ثرية

تصغير
تكبير
| كتبت نورهان عماد الدين |
اقترب الختام، واشتدت المنافسة على جوائز مهرجان «أيام المسرح للشباب» لعل عرض «انتظارات» من تأليف عبدالله صالح وإخراج هيا عبد السلام مقبولا، وهو أول العروض التي تنصف الاناث. ليس لأن المخرجة أنثى فقط وإنما النص ذاته أعطى للانثى مساحة متساوية مع الرجل لتحكي وتعبر عن مشاعرها وطموحاتها وأحلامها.
يبدأ العرض بوصول شخصين غريبين، ينتظران لبرهة، ثم يغادرا المكان، ومن ثم يأتي تباعا شخصان آخران، ايضا ينتظران. هما عروس وعريس. ينتظران داخل مصعد. لا تعرف أنه مصعد، إلا أن يتعطل. تعتقد حتى نصف المسرحية أن العريسان متوجهان لحفل زفافهما. ثم تتفاجأ أن كل منهما متوجه لحفل مختلف عن الآخر. يطول الانتظار ولا يعمل المصعد ولا يأتي أحد لانقاذهما. تنتابهما حالات هستيرية تارة وحالات فلسفية تارة أخرى. يعودون معا بالذاكرة، ومعا يقصون حكاية مسلية. فتكتشف ان الحب جمعهما في الماضي وكانا في سن الصبا، وفرقهما الحسب والنسب. القصة القديمة التي لن تنتهي بنت الأغنياء التي يرفض أهلها أن يزوجونها لحبيبها الفقير. يسافر الحبيب ليكمل دراسته لتكون له شهادة الدكتوراه بمثابة نسب جديد رفيع المستوى. ونكاية بحبه القديم وبأهلها تقرر ام «المعرس» أن يقام حفل زفافه في نفس يوم عرس حبيبته القديمة وفي نفس الفندق. لا يصلح المصعد ويبقى الاثنان معلقان بين السماء والأرض وبين حكايتهما القديمة في الماضي وبين حاضرهما. يطول الانتظار في مكان ضيق مغلق يفقد كل منهما السيطرة على أعصابه، وبدأ جانب خفي في شخصية العريس الذي نعرف اسمه قبيل النهاية ( غانم) بالظهور. فيتحول إلى شخص مريض نفسي غير متزن، مولع بتقمص شخصيات الأفلام. فلا هو دكتور ولم يسافر الى الخارج و لا شيء. ويصبح تواجد العروس(أماني) معه في المصعد يشكل خطرا عليها إذ يحاول الاعتداء عليها وربما معاقبتها لأنها تخلت عنه في الماضي. يصل الأمر إلى حد أن يتسلل الشك للمشاهد بأن يكون تعطل المصعد قد تم بفعل فاعل، هو غانم. وترك العرض مع حيرة وشك في مصيرهما وتسمع أصوات في المصعد، ثم إظلام.
كيف لك أن تعرف إن كان التمثيل جيداً أم لا ؟ عندما يقتصر العمل على شخصيتين فقط منذ البداية حتى النهاية ولا تشعر معهما بالملل وتبقى كمشاهد مترقبا راغبا في معرفة ماذا سيحدث بعد. إذاً أنت تشاهد عرضاً جيداً، يقدمه ممثلان جيدان. «الحدوتة» بسيطة وقصيرة ولكنها على المستوى النفسي تخاطب أدق مشاعر وأحلام الانسان العادي، أمور مشتركة بين كل بني البشر وهذا هو سر اصالة الفكرة وصدقها من دون تكلّف ومن دون زحمة أفكار وتعمق فلسفي يشوش العمل. لذلك وصل إلى كل فرد في المسرح. استخدام اللهجة العامية وطبيعة الموضوع المعاصر كان لهما تأثيراً إيجابياً على العمل، خاصة أن الحوار اعتمد على جمل قصيرة وابتعد عن المونولوجات المطولة واللهجة الخطابية. فكانت امامنا شخصيات حقيقية من لحم ودم . تشبهنا وقابلناها كثيرا في حياتنا، حلم الفتاة بالزواج وليلة الفرح، قصص الحب المبتورة، حب المراهقة، الفروق الاجتماعية، الحسب والنسب، حلم الدراسة والشهادة الجامعية، شذرات وقطع صغيرة لو جمعناها لجمعنا انسان.
رشاقة العمل كانت نتاج الحبكة الذكية التي أثارت تساؤل المشاهد طوال العرض: أين يقف هؤلاء الناس؟ هل هما متزوجان؟ من هما؟ هل سيتم انقاذهما؟ هل سيعتدي غانم على العروس؟ هل يعودا من جديد؟ هل سيخرجا من المصعد متاحبين من جديد؟ وهكذا يجيب العمل عن بعض الاسئلة وأخرى يترك المشاهد ليجيب عنها بنفسه ليفكر في سجن الحياة، سجن الزوجية، من بيده مصيره؟ ومن يستطيع أن يهرب من سجنه؟ دعم المؤلف حبكته بلمحات كوميديا ساخرة. و كأنك تردد طوال الوقت «شر البلية ما يضحك» ونجح غانم ( عبد المحسن القفاص) في اضحاك الجمهور بتعليقات ساخرة يلقيها وهو في منتهى الجدية فأبدى حرفية عالية في التمثيل . هذه الحرفية أكدها تلون أدائه، سواء من حيث الشخصيات المتنوعة التي قدمها من خلال شخص واحد أو الحالات النفسية المتباينة التي انتابته طوال العمل. فتقتنع بأنه المعرس الدكتور الذي درس في الخارج ولا شك أنه ابن حسب ونسب، وتتعاطف مع العاشق الفقير وهو يحكي مأساته العاطفية ووفاة والده، وتقتنع بانه الشخص المختل المدعي (غنامو السيكل). أما العروس (شجون الهاجري) فكانت مفاجأة عرض «انتظارات» فهي معروفة كممثلة تلفزيون مميزة لكن المسرح له شروط خاصة. اثبتت شجون في هذا العمل تمكن من أدواتها كممثلة صوتها واضح وقوي بعيد عن الصراخ، طبيعية الاداء تشعرك أنها أختك او ابنتك أو صديقتك. انفعالات متلونة ومنطقية فكلما طال الانتظار في المصعد تتبدل الحالة النفسية من قلق وهلع، تفكير في العرس الذي ينتظرها، و ماكياجها و فستانها الابيض من الممكن أن يفسد، ثم استسلام و مصارحات عاطفية ثم يعود الأمل في الخروج من المصعد، الخوف من التواجد في مكان واحد مع انسان مختل إلى ان وصلت إلى انهيار تام في النهاية شابه شيء من الأداء التلفزيوني ومبالغة في الصراخ اعتقد أنه خارج عن إرادتها لأن هذا هو الاسلوب الذي اعتادت عليه في التمثيل. استطاعت أن تخرج من شخصية أماني العروس لتتقمص دور والدتها ومن ثم والدها بنجاح. كنا أمام نص بسيط في قصته لكن غني بانفعالات كثيرة. وقد اتاح النص الفرصة للمثلين لابراز قدراتهما التمثيلية بشكل هائل ساعد في ذلك النجاح في إنسجام الممثلين مع بعضهما والذي إنعكس على إنسجام العرض ككل.
لعل المخرجة لم توفق في رسم سينوجرافيا المكان كما وفقت في إختيار ممثليها. فامامك فضاء واسع خال من أي اكسسوار وخلفية على شكل مربعات بيضاء كبيرة مثلت المصعد الذي عادة ما يتخذ شكلا مربع، عكست الموقف الدرامي والنفسي للشخصيات المحبوسة في المصعد ومحبوسة في ماضيها الحزين والمحبوسة في الحياة عامة . إلا ان هذه الخلفية وضعت بعيدا في نهاية المسرح بعرض الخشبة كلها فأعطت إنطباعا باتساع المكان ولم أشعرأبدا بضيق المصعد. استعاضت المخرجة الديكور بالإضاءة. فصارت بقعة الضوء في منتصف الخشبة هي حدود المصعد والتي لم يلتزم بها الممثلان كثيرا فكانا يبتعدان خارج الاضاءة كثيرا. كسرت المخرجة ملل الشكل الواحد للإضاءة بالاصوات الغربية التي تصدر فجأة من آن لآخر ويظلم المصعد تماما، والتي لها بالطبع تأثيراً متصلاً على الدراما. وعندما انتقل الحدث من الحاضر إلى الماضي إذ استرجع الحبيبان قصة حب المراهقة خرجت بنا المخرجة إلى فضاء جديد خارج المصعد و تلونت الاضاءة وغلب عليها اللون الوردي لتبين إختلاف الزمان والمكان وتناسبت مع ذكريات الحب الوردية. ثم عادت لبقع الاضاءة من جديد عند استرجاع موقف الاهالي من علاقة الحب تلك وكان رد فعلهم مناقضاً للحالة الوردية. كان من الممكن تفعيل دور الاضاءة بصورة أكبر لتعويض بساطة المنظر المسرحي.
المؤثرات الصوتية كانت مقتصدة في عرض «انتظارات». لجأت المخرجة للموسيقى لعمل نقلة بين الحاضر والماضي ولم يتكرر الأمر عندما عاد الحدث إلى زمن الحاضر مرة أخرى. واستخدمت مرة أخرى لاعلان النهاية. بالاضافة لمؤثرات تحرك المصعد وتعطله، أصوات اناس بعيدون.
الأزياء كانت واقعية كذلك عروس في فستانها الابيض و لم يعوق حركة الممثلة برغم ضخامته نوعا ما، و العريس ارتدى دشداشة وبشت وأي مـــبالغـــة أو مـــغالاة في الأزياء كان من الممكن أن تــضر أكثر مما تفيد.
تمكن الممثلان من أدوارهما ساعد في الحفاظ على إيقاع العمل بشكل رئيسي حي وسريع بشكل واقعي ومنطقي. وساهمت المؤثرات في إبعاد شبح الرتابة أو الملل عن العرض. إلتزمت المخرجة باسلوب واقعي ناسب النص تماما. و وجود مخرجة شابة تنافس لا شك أنه إضافة للمهرجان ونقطة للاناث اللاتي عادة ما يهضم حقهن في المهرجانات. من خلال هذا العمل نقول أهلا بالبنات المبدعات تمثيلا و إخراجا. عرض «انتظارات» يستحق أن ينتظر عددا من الجوائز في ليلة الختام.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي