خواطر تقرع الأجراس
قل و... قل



قل: «؟!»... وقل: «؟!»
في نشوء لغتنا وتطورها كان الصوتُ، فالحرف، فالحركة، فالنقطة. والصوت حركةٌ ومعنى معاً؛ إما في بنية الكلمة الداخلية، وإما في بنيتها الإعرابية على آخر حرف: عَرْضٌ، عِرْضٌ، عُرْضٌ. قال اللهُ، إنّ اللهَ، واللهِ. فلكل حرف صوتٌ وحركة ومعنى. وكذلك التنقيط: عرف، غرف، عزف.
ولغتنا الفصحى خليط لهجات قبائل متنوعة توحّدت في لغة قريش لأسباب اقتصادية، وجغرافية، وسياسية، ودينية. ونشأت كلمات دوّنتها المعاجم بأصواتها وحركاتها البنيوية الداخلية غير الإعرابية، وبنقاطها؛ ما أوقع العربيَّ «أحياناً» في حَيرة وبلبلة: كيف ينطق (الكلمة الواحدة) بأصوات متعددة، ومعنى واحد، ليتداولها بين الناس؛ فاللغة وسيلته للتواصل الاجتماعي، والإبداعي.
قالوا: ما رأيته قَطُّ، وما رأيته قُطُّ، وما رأيته قَطُ «دون شدة»! ربما سمع أحد اللغويين قبيلةً، أو بطناً، أو رهطاً، أو فخذاً، أو عشيرة، وبعضهم يلفظ الكلمة بأصوات مختلفة، فأثبتها في معجمه. وربما يكون الذي نطقها فيه عيب نطق، أو اعوجاج لسان، أو اضطراب أسنان!
وأنت اليوم، كيف تلفظ كلمة «المشط»؟ لديك اثنا عشر لفظاً، كما أحصاها تاج العروس، فاصبرْ على قراءتها: «المُشْطُ، والمَشْطُ، والمِشْطُ، والمَشُطُ، والمَشَطُ، والمَشِطُ، والمِشُطُ، والمِشَطُ، والمِشِطُ، والمُشُطُ، والمُشَطُ، والمُشِطُ»!
واللهِ، لقد تعثَّر لساني، واضطرب بناني، وأنا أقرأ، وأنقل، وأطبع هذه الألفاظ، وأعدت كتابتها عدة مرات، وحسدتُ «الأصلع» لأنه لن يصرخ في وجه زوجته: فين المشط ؟ «من دون ضبط»!
كنت أُدرِّس سيدة ألمانيةً، متزوجة من طبيب أسنان سوري، اللغةَ الفصحى فقط، كما طلبتْ؛ فوجدتها فرصة لتقوية لغتي الألمانية التي كنت أُلِمّ بها بعض الإلمام. كانت تكتب أصوات الكلمة العربية بالحروف اللاتينية أولاً لتعرف نطقَها. أذهلتني في استيعابها، حتى حصلت على الثانوية العامة- الفرع العلمي، ودرست طب الأسنان! وتولّت علاج النساء في عيادة زوجها! ومن هنا فهمت لماذا أرادت تعلُّم الفصحى أولاً فقط. ثم صارت تتحدث العامية السورية بطلاقة.
كانت تشعر أحياناً بالإحباط عند سماعها طريقة نطق كلمة واحدة بأصوات مختلفة؛ وكانت أحضرت معها من ألمانيا معجماً مزدوج اللغات. توقفتْ عند كلمة مشمش، وبجانبها طريقة اللفظ بالحروف اللاتينية.
ولفظة مشمش صوتياً في معاجمنا: مُشْمُش، ومَشْمَش، ومِشْمِش! وفي كتابها: MISHMISH MASHMASH MUSHMUSH
وفي الألمانية APRIKOSEN فقط وفقط!
كانت تبتسم باستغراب ودهشة وقلق؛ فنصحتها باعتماد اللفظ الشائع «عندنا» فقط مُشمُش.
في مصر يقولون مِشمِش. أمَا سمعتم المطربة صباح تغني باللهجة المصرية زمن الوحدة: حَمَوي يا مِشمِش، بلدي يا مِشمِشْ؟
الحمد لله أنها لم تسألني عن كيفية نطق «المشط»!
* كاتب وشاعر سوري
في نشوء لغتنا وتطورها كان الصوتُ، فالحرف، فالحركة، فالنقطة. والصوت حركةٌ ومعنى معاً؛ إما في بنية الكلمة الداخلية، وإما في بنيتها الإعرابية على آخر حرف: عَرْضٌ، عِرْضٌ، عُرْضٌ. قال اللهُ، إنّ اللهَ، واللهِ. فلكل حرف صوتٌ وحركة ومعنى. وكذلك التنقيط: عرف، غرف، عزف.
ولغتنا الفصحى خليط لهجات قبائل متنوعة توحّدت في لغة قريش لأسباب اقتصادية، وجغرافية، وسياسية، ودينية. ونشأت كلمات دوّنتها المعاجم بأصواتها وحركاتها البنيوية الداخلية غير الإعرابية، وبنقاطها؛ ما أوقع العربيَّ «أحياناً» في حَيرة وبلبلة: كيف ينطق (الكلمة الواحدة) بأصوات متعددة، ومعنى واحد، ليتداولها بين الناس؛ فاللغة وسيلته للتواصل الاجتماعي، والإبداعي.
قالوا: ما رأيته قَطُّ، وما رأيته قُطُّ، وما رأيته قَطُ «دون شدة»! ربما سمع أحد اللغويين قبيلةً، أو بطناً، أو رهطاً، أو فخذاً، أو عشيرة، وبعضهم يلفظ الكلمة بأصوات مختلفة، فأثبتها في معجمه. وربما يكون الذي نطقها فيه عيب نطق، أو اعوجاج لسان، أو اضطراب أسنان!
وأنت اليوم، كيف تلفظ كلمة «المشط»؟ لديك اثنا عشر لفظاً، كما أحصاها تاج العروس، فاصبرْ على قراءتها: «المُشْطُ، والمَشْطُ، والمِشْطُ، والمَشُطُ، والمَشَطُ، والمَشِطُ، والمِشُطُ، والمِشَطُ، والمِشِطُ، والمُشُطُ، والمُشَطُ، والمُشِطُ»!
واللهِ، لقد تعثَّر لساني، واضطرب بناني، وأنا أقرأ، وأنقل، وأطبع هذه الألفاظ، وأعدت كتابتها عدة مرات، وحسدتُ «الأصلع» لأنه لن يصرخ في وجه زوجته: فين المشط ؟ «من دون ضبط»!
كنت أُدرِّس سيدة ألمانيةً، متزوجة من طبيب أسنان سوري، اللغةَ الفصحى فقط، كما طلبتْ؛ فوجدتها فرصة لتقوية لغتي الألمانية التي كنت أُلِمّ بها بعض الإلمام. كانت تكتب أصوات الكلمة العربية بالحروف اللاتينية أولاً لتعرف نطقَها. أذهلتني في استيعابها، حتى حصلت على الثانوية العامة- الفرع العلمي، ودرست طب الأسنان! وتولّت علاج النساء في عيادة زوجها! ومن هنا فهمت لماذا أرادت تعلُّم الفصحى أولاً فقط. ثم صارت تتحدث العامية السورية بطلاقة.
كانت تشعر أحياناً بالإحباط عند سماعها طريقة نطق كلمة واحدة بأصوات مختلفة؛ وكانت أحضرت معها من ألمانيا معجماً مزدوج اللغات. توقفتْ عند كلمة مشمش، وبجانبها طريقة اللفظ بالحروف اللاتينية.
ولفظة مشمش صوتياً في معاجمنا: مُشْمُش، ومَشْمَش، ومِشْمِش! وفي كتابها: MISHMISH MASHMASH MUSHMUSH
وفي الألمانية APRIKOSEN فقط وفقط!
كانت تبتسم باستغراب ودهشة وقلق؛ فنصحتها باعتماد اللفظ الشائع «عندنا» فقط مُشمُش.
في مصر يقولون مِشمِش. أمَا سمعتم المطربة صباح تغني باللهجة المصرية زمن الوحدة: حَمَوي يا مِشمِش، بلدي يا مِشمِشْ؟
الحمد لله أنها لم تسألني عن كيفية نطق «المشط»!
* كاتب وشاعر سوري