أخبار الفساد والتزوير والتلاعب، أصبحت تترى في أخبار الصحف ووسائل الإعلام الإلكترونية، فلا يمر يوم إلا ونقرأ فيه خبر فساد بإحدى الإدارات الحكومية، مثل الرشوة والتلاعب بالمستندات الرسمية، أو حالات التزوير وخاصة تلك التي يمكن أن تُعرض بلادنا للخطر، كالتزوير أو شهادات الزور التي تسمح بأن يحظى مَنْ لا يحق له الحصول على الجنسية، أو الدخول أو الخروج عبر المنافذ، لمطلوبين للعدالة أو يشكلون خطراً على أمن البلد والمجتمع، ولا ننسى الآفة الكبرى اللاإنسانية وهي المتاجرة بالبشر، والخطرة اجتماعياً وأخلاقياً وجنائياً، مثل ترويج المخدرات أو تجارة الدعارة أو ارتكاب جرائم القتل والسرقة، ناهيك عن إرهاق المرافق العامة والخدمات.
والحديث عن الحصول على الجنسية من دون وجه حق، ليس لأن الجنسية مقدسة أو حكراً على فئة أو طائفة أو قبيلة أو أي مكون اجتماعي آخر، بل لأن المزور يحصل على خدمات وامتيازات المواطن أحق بها، مثل المزدوج الذي يحصل على امتيازات الكويت وامتيازات الدول الأخرى، وهذا ليس عملاً لا أخلاقي فقط بل هو عمل إجرامي.
فكم من بيت حكومي ينتظره المواطن، حصل عليه المزور؟ وكم فرصة تعليم وخدمات صحية، ورغم أن هذه الخدمات ليست مقصورة على أبناء الدماء الزرقاء، لكن فلنتخيل ذلك الرجل الذي زوج ابنته وطلقها من سبعة أبناء عم من دون علمها، وكل واحد من هؤلاء حصل على بيت باعتباره زوج الفتاة، ولنضرب هذا العدد بالبيوت التي استولى عليها كل هذه الأعداد، أليس في ذلك ظلم للشباب الشرفاء الذين ينتظرون السكن المستحق، ويدفعون ما يعادل نصف رواتبهم أو أكثر للإيجارات الفاحشة؟ مثل الذي يحصل على سكن أو خدمات أو منفعة تجارية، بالواسطة وبالرشوة أو بسبب نفوذه.
لا أعلم مدى صحة الأرقام التي أوردها السيد رئيس مجلس الأمة من المزورين للجنسية، فإن كانت تفوق الأربعمئة ألف مثلما ذكر، فتلك كارثة كبرى وخطر ماحق، وخصوصاً أن مثل هذه القضايا تسقط بالتقادم، فيحق للمزور التمتع وأولاده وأحفاده بالجنسية المزورة، بل من الأخبار المسكوت عنها أشخاص أصبحوا من أصحاب الملايين بل المليارات بالجنسية المزوة، فمَنْ يرتكب جريمة واحدة يرتكب ثانية وثالثة، حتى تصبح الجريمة نمطاً من أنماط حياته.
والآن السؤال الأهم، كيف حدث كل هذا التزوير ولعشرات السنين، هل لا تملك الحكومة المعطيات أو الإمكانات لاكتشاف ذلك؟ أنا أظن أن ذلك من المستحيلات على أي حكومة، معنى ذلك أن الحكومة ترى وتسمع وتغض النظر عن كل أنواع الفساد، فلم نر أو نسمع عن ملاحقة سارق للمال العام أو مزور أو مرتش، إذا لم تكن الحكومة متواطئة في استفحال هذا الفساد، إذ إن معظم حالات الفساد والتزوير حدثت من خلال الإدارات الحكومية، وبكل أسف قد يحاسب الصغير ويُحمى الكبير، رغم أن الصغار تعلموا من الكبار.
إذاً ما همُّ أو تركيز الجهات الأمنية؟ كل ما يلاحظه الناس هو التشديد الأمني، ومحاكمة وسجن مغرد أو سجن صاحب رأي معارض، وهذا من شأنه إضعاف العلاقة بين الشعب والسلطة، وفتح الطريق أمام الخلايا الإرهابية والنائمة، وأنا أرى أننا لن نحظى بالمجتمع الذي نريد، إلا بالمشاركة الشعبية الحقيقية وإتاحة جميع الحريات التي منحها الدستور للشعب الكويتي، فتتكون جبهة وطنية داخلية صلبة ومتماسكة، ونبدأ ذلك بإصلاح سياسي واقتصادي، يبنيان دولة مدنية حديثة، تستند إلى العدالة والقانون والمؤسسات.
[email protected]