نافذة... الأمل
تونس... تعيش مرتين!



«نقرأ... لنعيش مرتين».
تستقبلك هذه الجملة الفلسفية، شعاراً جذاباً لمعرض تونس الدولي للكتاب، في دورته الثالثة والثلاثين، الذي ينتشر عطره في كل زوايا المعرض، فيلخص المعنى العميق للقراءة، وكأنه يهمس لحواسك: أقدم ولا تخف، فالكتب سوف تهبك أعماراً أخرى، فلا تبخل على نفسك بالحياة! أما الصورة المصاحبة لشعار المعرض فكانت رائعة ومعبرة أيضاً، وهي لوحة فسيفساء تصور
الشاعر الروماني «فرجيل»، صاحب الملحمة الشعرية الشهيرة «الإنياذة»، يرتدي جلباباً أبيض مطرزاً، ومحاطاً بملائكة الإلهام، كل شيء ينطق بالفن والأدب والعمق الفلسفي، فمنذ النظرة الأولى لدخول المعرض، تشعر بأنك مدعو إلى التأمل والتساؤل... فكيف لا تكون الفعاليات الثقافية مميزة!
ولا تتفاجأ عندما تعلم أن من يقود هذه التظاهرة الثقافية، الدكتور شكري المبخوت، وهو أديب آت من الحقل الثقافي، وهو من مبدعي الرواية العربية، فقد حصدت روايته «الطلياني» الجائزة العالمية للرواية العربية عام 2015.
لم يتميز معرض تونس الدولي بروحه الأدبية والثقافية الناضحة في التفاصيل فقط، بل اتسم بالروح الإنسانية، فمد يد العون إلى الدور الآتية من الدول التي تعاني بسبب سوء ظروفها الاقتصادية، بتخفيض رسوم مشاركتها في المعرض 50 في المئة، أما الناشرون المنخرطون في اتحاد الناشرين العرب فمتعهم بتخفيض 20 في المئة، يبقى الناشرون التونسيون الشباب، أصحاب دور النشر الجديدة، فكان لهم نصيب كبير، إذ قدمت لهم أجنحة مجانية. فالهدف لم يكن تجارياً، إنما نشر الثقافة ودعمها كان هدف إدارة المعرض الأسمى، وكذلك إطلاق الكتاب من كل القيود البيروقراطية التي تخنق وجوده وتجعله حبيساً عن نور عيون القراء وعن إضاءة عقولهم. اتسم المعرض بالزخم في الأنشطة الثقافية، بدءاً من رمزية استضافته لبنان ضيف شرف، تكريما لبلد أعطى الكثير للنهضة الفكرية، وللنشر والثقافة العربية، ومروراً بحضور ثلة من أهل الفكر والإبداع، وتكريم الفائزين بجوائز الإبداع الأدبي والفكري، وتكريم الشخصيات الوطنية، واستضافة إحدى أعرق مؤسسات النشر العالمي «منشورات جامعة كولومبيا» التي تأسست منذ أكثر من قرنين ونصف القرن، وغيرها الكثير من الأنشطة الأدبية والفنية المهمة، ووصولاً إلى الأنشطة الثرية للأطفال واليافعين، ليتحقق هدف المبخوت بجعل المعرض مهرجاناً فكرياً وأدبياً وثقافياً حقيقياً! لقد وصلت أنشطة الأطفال إلى 64 نشاطاً، وهي المرة الأولى التي تتم فيها دعوة مبدعين متخصصين في مجالات متنوعة من خارج تونس كالسويد، ألمانيا، صربيا، الجزائر، الكويت، لبنان، مصر وغيرها.
وقد نسقت برامج الأطفال الدكتورة وفاء ثابت المزغني رئيس المجلس التونسي لكتب اليافعين، التي كانت النحلة التي تتنقل بخفة بين أجنحة الطفل، والمحرك الفعّال لكل التفاصيل، و«مهندسة» فعاليات الطفل، كما أطلق عليها الدكتور سهيل الشملي، مسؤول البرمجة الثقافية للمعرض، ومايسترو سيمفونية فضاء الطفل. ولم تكن المزغني تغيب، مع فريق عملها النشيط، عن أي ركن، مستنفرين لخدمة الأطفال وضيوفهم. في أركان الطفولة الجميع أتوا إلى هذه التظاهرة العامرة بكل ألوان الفنون والأدب، لإمتاع وإفادة الطفل التونسي، من خلال ورش فنية في الخط والرسم، وقراءة القصة. وكانت لليافعين ورش مختلفة منها ما يهدف إلى إيقاظ التفكير، وأيضاً ورش لذوي الاحتياجات الخاصة حول الكتاب اللمسي، ومسرح وفولكلور شعبي، والكثير من الفنون التي تداعب حواس الطفل، وتعيش في ذاكرته، فيتذوق الفنون ويعشق الثقافة فتغدو جزءاً منه...
وكم أسعدني أن التقيت أطفال تونس، وكنت ضمن الفريق الذي أعطى بفرح وحب وسعادة، وطبع في ذاكرة الأطفال مشاهد وأفكاراً. وكما يقول الكاتب الروسي فيودور دوستوفيسكي: «أكثر الذكريات قوة وتأثيراً، عادة ما تكون ذكريات الطفولة».
كان ختامها مسك، عندما أقيم احتفال بيوم كتاب الطفل العالمي، حضره أطفال من تونس وشاركهم أطفال من فلسطين وعمان وصربيا وغيرها، فكان العيد عيدين، بإسعاد الأطفال من جهة، وإسعادي والزميلة لطيفة بطي عندما كرمنا في هذه المناسبة، فكانت بادرة كريمة زفتها إلينا الدكتورة وفاء.
فشكرا لها، شكراً لتونس الخضراء التي ترعى الثقافة وتدعمها وتقدر أطفالها وكتّابهم.. وسوف تبقى خضراء بعقول وأفكار شعبها الذي نهض وحلق بجناحي التنوير والحرية، وبإبداع مفكريها الذين تركوا بصمة عبر الزمن، بدءاً من ابن خلدون وأبي القاسم الشابي، ووصولاً إلى الكثير من المبدعين السابقين والحاضرين.
* كاتبة كويتية
[email protected]
تستقبلك هذه الجملة الفلسفية، شعاراً جذاباً لمعرض تونس الدولي للكتاب، في دورته الثالثة والثلاثين، الذي ينتشر عطره في كل زوايا المعرض، فيلخص المعنى العميق للقراءة، وكأنه يهمس لحواسك: أقدم ولا تخف، فالكتب سوف تهبك أعماراً أخرى، فلا تبخل على نفسك بالحياة! أما الصورة المصاحبة لشعار المعرض فكانت رائعة ومعبرة أيضاً، وهي لوحة فسيفساء تصور
الشاعر الروماني «فرجيل»، صاحب الملحمة الشعرية الشهيرة «الإنياذة»، يرتدي جلباباً أبيض مطرزاً، ومحاطاً بملائكة الإلهام، كل شيء ينطق بالفن والأدب والعمق الفلسفي، فمنذ النظرة الأولى لدخول المعرض، تشعر بأنك مدعو إلى التأمل والتساؤل... فكيف لا تكون الفعاليات الثقافية مميزة!
ولا تتفاجأ عندما تعلم أن من يقود هذه التظاهرة الثقافية، الدكتور شكري المبخوت، وهو أديب آت من الحقل الثقافي، وهو من مبدعي الرواية العربية، فقد حصدت روايته «الطلياني» الجائزة العالمية للرواية العربية عام 2015.
لم يتميز معرض تونس الدولي بروحه الأدبية والثقافية الناضحة في التفاصيل فقط، بل اتسم بالروح الإنسانية، فمد يد العون إلى الدور الآتية من الدول التي تعاني بسبب سوء ظروفها الاقتصادية، بتخفيض رسوم مشاركتها في المعرض 50 في المئة، أما الناشرون المنخرطون في اتحاد الناشرين العرب فمتعهم بتخفيض 20 في المئة، يبقى الناشرون التونسيون الشباب، أصحاب دور النشر الجديدة، فكان لهم نصيب كبير، إذ قدمت لهم أجنحة مجانية. فالهدف لم يكن تجارياً، إنما نشر الثقافة ودعمها كان هدف إدارة المعرض الأسمى، وكذلك إطلاق الكتاب من كل القيود البيروقراطية التي تخنق وجوده وتجعله حبيساً عن نور عيون القراء وعن إضاءة عقولهم. اتسم المعرض بالزخم في الأنشطة الثقافية، بدءاً من رمزية استضافته لبنان ضيف شرف، تكريما لبلد أعطى الكثير للنهضة الفكرية، وللنشر والثقافة العربية، ومروراً بحضور ثلة من أهل الفكر والإبداع، وتكريم الفائزين بجوائز الإبداع الأدبي والفكري، وتكريم الشخصيات الوطنية، واستضافة إحدى أعرق مؤسسات النشر العالمي «منشورات جامعة كولومبيا» التي تأسست منذ أكثر من قرنين ونصف القرن، وغيرها الكثير من الأنشطة الأدبية والفنية المهمة، ووصولاً إلى الأنشطة الثرية للأطفال واليافعين، ليتحقق هدف المبخوت بجعل المعرض مهرجاناً فكرياً وأدبياً وثقافياً حقيقياً! لقد وصلت أنشطة الأطفال إلى 64 نشاطاً، وهي المرة الأولى التي تتم فيها دعوة مبدعين متخصصين في مجالات متنوعة من خارج تونس كالسويد، ألمانيا، صربيا، الجزائر، الكويت، لبنان، مصر وغيرها.
وقد نسقت برامج الأطفال الدكتورة وفاء ثابت المزغني رئيس المجلس التونسي لكتب اليافعين، التي كانت النحلة التي تتنقل بخفة بين أجنحة الطفل، والمحرك الفعّال لكل التفاصيل، و«مهندسة» فعاليات الطفل، كما أطلق عليها الدكتور سهيل الشملي، مسؤول البرمجة الثقافية للمعرض، ومايسترو سيمفونية فضاء الطفل. ولم تكن المزغني تغيب، مع فريق عملها النشيط، عن أي ركن، مستنفرين لخدمة الأطفال وضيوفهم. في أركان الطفولة الجميع أتوا إلى هذه التظاهرة العامرة بكل ألوان الفنون والأدب، لإمتاع وإفادة الطفل التونسي، من خلال ورش فنية في الخط والرسم، وقراءة القصة. وكانت لليافعين ورش مختلفة منها ما يهدف إلى إيقاظ التفكير، وأيضاً ورش لذوي الاحتياجات الخاصة حول الكتاب اللمسي، ومسرح وفولكلور شعبي، والكثير من الفنون التي تداعب حواس الطفل، وتعيش في ذاكرته، فيتذوق الفنون ويعشق الثقافة فتغدو جزءاً منه...
وكم أسعدني أن التقيت أطفال تونس، وكنت ضمن الفريق الذي أعطى بفرح وحب وسعادة، وطبع في ذاكرة الأطفال مشاهد وأفكاراً. وكما يقول الكاتب الروسي فيودور دوستوفيسكي: «أكثر الذكريات قوة وتأثيراً، عادة ما تكون ذكريات الطفولة».
كان ختامها مسك، عندما أقيم احتفال بيوم كتاب الطفل العالمي، حضره أطفال من تونس وشاركهم أطفال من فلسطين وعمان وصربيا وغيرها، فكان العيد عيدين، بإسعاد الأطفال من جهة، وإسعادي والزميلة لطيفة بطي عندما كرمنا في هذه المناسبة، فكانت بادرة كريمة زفتها إلينا الدكتورة وفاء.
فشكرا لها، شكراً لتونس الخضراء التي ترعى الثقافة وتدعمها وتقدر أطفالها وكتّابهم.. وسوف تبقى خضراء بعقول وأفكار شعبها الذي نهض وحلق بجناحي التنوير والحرية، وبإبداع مفكريها الذين تركوا بصمة عبر الزمن، بدءاً من ابن خلدون وأبي القاسم الشابي، ووصولاً إلى الكثير من المبدعين السابقين والحاضرين.
* كاتبة كويتية
[email protected]