إضاءات / هوياتنا العربية... إلى أين؟!

د. صباح السويفان


يشغلني كثيرا هذه الأيام مسألة «الهوية»... بكل تفرعاتها وأشكالها، سواء تلك المتعلقة بالثقافة أو اللغة أو الوطن أو المجتمع، أو حتى الدين، فهذه الهويات أراها في عالمنا العربي قد أخذت منحنيات صعبة وتشعبات معقدة لا يمكن بأي حال من الأحوال وصفها. وبكل تأكيد تأثرت الحياة العربية بالتداخلات والتجاذبات التي تتعرض لها هذه الهويات، وأصبح من الصعوبة بمكان التصدي لها وإقرارها، مثلما كانت موجودة سابقا. ففي الوقت الذي نشاهد فيه مجتمعات وأمما تحاول إحياء هوياتها من العدم، والبحث عن جذورها الموغلة في الأعماق والمتقطعة أوصالها، نحن نسعى بكل ما في تصرفاتنا من عبث وفوضى إلى طمس هويتنا التي لا تزال تقاوم عوامل الزمن ولا تزال تصارع وتتحدى في سبيل البقاء.
فلو أخذنا مثالا لهويتنا العربية الثقافية، لرأيناها في صراع مرير مع الواقع، وهي في حالة ضمور شديد بسبب استبدال أصحابها بهوية أخرى لا تمت بصلة لهم ولا تعبر عنهم، فهم فقط يضمنون لثقافة الآخر الاستمرار والتميز، وفي النهاية سيجدون أنها لا تعترف بهم ولا تقيم لهم وزنا، فيما يهملون ثقافتهم، ويتهربون منها لدرجة أنهم يتباهون بأنهم لا يتقنون ثقافتهم، وأنهم على علم كبير بثقافة الآخر. كما أن الهوية اللغوية تتعرض أيضا لتجاذبات لولا أن القرآن الكريم حفظها لكانت في طي النسيان، فها هي اللغة العربية، التي تعد أهم هوية عربية تجمعنا تعاني من جحود أبنائها، ولا تجد من يواسيها في محنتها إلا قلة قليلة من الباحثين والدارسين والأدباء والأكاديميين، فيما تظل في وجدان العامة مهملة، ومعرضة في أي وقت للمجهول الذي نخافه، فالآباء يتباهون بأن أبناءهم يدرسون في مدارس وجامعات غير عربية، وأنهم لا يحسنون الحديث حتى بالعامية العربية، بعدما تحولت لغتهم إلى لغة أخرى هجينة لا تعبر عنهم. ونجد أيضا أن الهوية الوطنية في مختلف الدول العربية، منهارة وتعاني الكثير من الأزمات وهذا ما يشير إليه الفساد الذي ضرب مختلف المصالح الرسمية، وذلك لأن من يتمتع بهوية وطنية قوية لا يقدم أبدا على الفساد الذي يضر بالمصالح العامة، ولكان أكثر حرصا على وطنه وأكثر التزاما بقوانينه، ولكن الواضح - وبكل صراحة - أن بعض المواطنين في الدول العربية يعملون لمصالحهم الشخصية... متناسين تماما مصلحة أوطانهم، وهذه مأساة حقيقية تحتاج إلى حل سريع. وحتى الهوية المجتمعية تتعرض لهزات، ونحن نرى أفرادا في هذا المجتمع لا يعترفون بأصولهم ولا يحاولون وضع بصمات هويتهم العربية على تصرفاتهم، ويلجؤون إلى كل غريب ومستهجن، يعبرون فيهم عن أنفسهم.
وخلاصة القول إن هوياتنا العربية تتعرض لهزات قوية وتحتاج منا أن نكون على قدر من المسؤولية، لإعادتها إلى حضورها الغائب، ليس فقط من خلال الخطب والندوات والمحاضرات، ولكن من خلال الممارسات والدراسات وإجراء البحوث التي تضع أيدينا على مصدر الخلل، ثم المحاولة الجادة لعلاجه بطرق قابلة للتطبيق، إننا نريد حلولا تعيد لنا هوياتنا العربية، قبل فوات الأوان!
* كاتب وأكاديمي في جامعة الكويت
[email protected]
فلو أخذنا مثالا لهويتنا العربية الثقافية، لرأيناها في صراع مرير مع الواقع، وهي في حالة ضمور شديد بسبب استبدال أصحابها بهوية أخرى لا تمت بصلة لهم ولا تعبر عنهم، فهم فقط يضمنون لثقافة الآخر الاستمرار والتميز، وفي النهاية سيجدون أنها لا تعترف بهم ولا تقيم لهم وزنا، فيما يهملون ثقافتهم، ويتهربون منها لدرجة أنهم يتباهون بأنهم لا يتقنون ثقافتهم، وأنهم على علم كبير بثقافة الآخر. كما أن الهوية اللغوية تتعرض أيضا لتجاذبات لولا أن القرآن الكريم حفظها لكانت في طي النسيان، فها هي اللغة العربية، التي تعد أهم هوية عربية تجمعنا تعاني من جحود أبنائها، ولا تجد من يواسيها في محنتها إلا قلة قليلة من الباحثين والدارسين والأدباء والأكاديميين، فيما تظل في وجدان العامة مهملة، ومعرضة في أي وقت للمجهول الذي نخافه، فالآباء يتباهون بأن أبناءهم يدرسون في مدارس وجامعات غير عربية، وأنهم لا يحسنون الحديث حتى بالعامية العربية، بعدما تحولت لغتهم إلى لغة أخرى هجينة لا تعبر عنهم. ونجد أيضا أن الهوية الوطنية في مختلف الدول العربية، منهارة وتعاني الكثير من الأزمات وهذا ما يشير إليه الفساد الذي ضرب مختلف المصالح الرسمية، وذلك لأن من يتمتع بهوية وطنية قوية لا يقدم أبدا على الفساد الذي يضر بالمصالح العامة، ولكان أكثر حرصا على وطنه وأكثر التزاما بقوانينه، ولكن الواضح - وبكل صراحة - أن بعض المواطنين في الدول العربية يعملون لمصالحهم الشخصية... متناسين تماما مصلحة أوطانهم، وهذه مأساة حقيقية تحتاج إلى حل سريع. وحتى الهوية المجتمعية تتعرض لهزات، ونحن نرى أفرادا في هذا المجتمع لا يعترفون بأصولهم ولا يحاولون وضع بصمات هويتهم العربية على تصرفاتهم، ويلجؤون إلى كل غريب ومستهجن، يعبرون فيهم عن أنفسهم.
وخلاصة القول إن هوياتنا العربية تتعرض لهزات قوية وتحتاج منا أن نكون على قدر من المسؤولية، لإعادتها إلى حضورها الغائب، ليس فقط من خلال الخطب والندوات والمحاضرات، ولكن من خلال الممارسات والدراسات وإجراء البحوث التي تضع أيدينا على مصدر الخلل، ثم المحاولة الجادة لعلاجه بطرق قابلة للتطبيق، إننا نريد حلولا تعيد لنا هوياتنا العربية، قبل فوات الأوان!
* كاتب وأكاديمي في جامعة الكويت
[email protected]