نقد / «خان الشابندر» لمحمد حياوي... والنبش في عالم المهمشين

 u0643u0647 u064au0644u0627u0646 u0645u062du0645u062f
كه يلان محمد
تصغير
تكبير
يشرح الفيلسوف الروسي ميخائيل باختين على ضوء مفهوم «الزمكانية» العلاقة المتشابكة بين عنصري الزمان والمكان، ويتخذ من «الزمكانية» أداةً لنبش للذاكرة التأريخية والاجتماعية لحقبة معينة، إذ يتبدى أثر التحولات التي تشهدها المراحل التأريخية على بنية المكان، الإنسان لايكون بعيداً من معادلة الزمكانية المركبة، وهذا يتجسدُ في الأعمال الفنية والأدبية ويتجلى أكثر في فن الرواية الذي يؤطر فيه المكان تفاصيل الأحداث المندمجة في عنصر الزمن. زدْ على ذلك فضل كثير من الروائيين اختيار عناوين محيلة إلى المكان الواقعي لأعمالهم السردية، مايسهل الشروع في مغامرة الحكي لأن المحكي يبنى فيما يتموضع على حد قول الناقد الفرنسي شارل كريفل، يتقاسمُ المكان دور البطولة مع الشخصيات في رواية «خان الشابندر» الصادرة من دار الآداب للكاتب العراقي محمد حياوي حيث رشحت لجائزة البوكر العربية لسنة 2016، يُدخلك العمل في عالم شخصيات قابعة في الظل ويضمها مكانُ منزوِ لايخلو من الغرابة،إذ يُسْنِدُ المؤلف مهمة الحفر في هذا العالم لشخصية علي موحان فالأخير يشتغلُ صحافياً فهو عاد إلى العراق وتعرف إلى بيت أُم صبيح من خلال صديقه، ومن هنا يلتقي بشخصيات همشها المجتمع إذ يصبح وسيطاً لنقل قصص مفعمة بالشجون والألم كما ترى من خلال هذه الحكايات جانباً آخر للواقع الذي لايمكن إدراكه عبر روايات رسمية فقط بل يجب أن يتسعَ المشهد لمن اختبر وقع التحولات وجسامة الأثمان التي يدفعها الإنسان العادي.

مسرحة الرواية

لايسردُ الراوي الذي يصاحبُه المتلقي في التسلل إلى عالم النساء المقيمات في منطقة حيدر خانة ببغداد الأحداث والوقائع بقدر مايكون معتمداً علي تقنية الحوار لتنظيم التسلسل السردي وعرض خلفية الشخصيات وما مرَّ عليها من التجارب إلى أن انتهت رحلتها في بيت أم صبيح الذي يَبدو عالماً مستقلاً يدور فيه الحوار بين الراوي والشخصيات الأخرى مما يقرب الرواية أكثر من الأجواء الممسرحة وحين يتوقف الحوار يبدأُ وصف المكان ومايحتوي عليه من الأشياء.يكتسب المكان قدراً كبيرا من الخصوصية وذلك من خلال لجوء الراوي إلى وصف منعرجات الطريق والأزقة التي يقع فيها منزل أم صبيح، كما أن ارتياد هذا البيت يُعدُ مغامرة غيرأن ذلك لايُثني علي من معاودة زيارة حيدر الخانة،وما استمع إليه من قصص ضوية التي كانت ضحية لنزوات والده الذي استسلم لغريزته الذئبية فحملت منه ابنته وعندما انكشف أمرها أوصى زوجته بأن تأخذ ضوية إلى بغداد وهناك أيضاً يروي صاحب البيت ظمأ غريزته في جسدها الجريح.ومارأه في غرفة هند من الكتب والمجلات وجهاز التشغيل للأقراص والخارطة المثبتة على نيوزلاندا كل ذلك يولد لديه رغبة التواصل مع هذا العالم، كما أن تعامل علي مع هؤلاء النساء بالاحترام وسلوكياته المختلفة عن الرجال المنساقين وراء الشهوة وهم لايرون في المرأة أبعد من جسدها عزز فرصة التواصل بين الجانبين، إذ يتخذ الحوار بين هند وعلي طابعاً معرفيا يتناولان حكاية العشاق في بلاطات أندلسية بجانب استماعهما إلى صوت مطربة أنغام.

شخصيات عجائبية

على الرغم من وجود مؤشرات توحي بواقعية المادة المحكية بدءً من العنوان مروراً بذكر أحياء بغداد كرادة والمتنبي والميدان لكن لاتظلُ الأحداث في إطار واقعي بل هناك تمظهرات من العجائبية في بناء الشحصيات وهذا ماتجده في شخصية سالم محمد حسين فالأخير أعدِمَ في زمن البعث غير أن الراوي في طريق عودته يلتقي بسالم ويبيت في منزله من ثم يكون الحوار بين الاثنين حول شخصية غدير ولمياء هنا يتكفل الراوي بتقديم ترسيمة عن شخصيتين أخريين وما يبرر هذا التدخل هو غياب الاثنتين على مسرح الأحداث كما أن الإشارة إليهما في سياق السرد تساعدُ المتلقي لتخيل صورة أخرى لبغداد مغايرة لما تنقله وسائل الإعلام من أخبار التفجيرات وانتشار المجاميع المسلحة والعتمة التي تُخيم على مدينة عرفت بصخبها ومناخها الفنتازي، يلقي العجائبي بظلاله على شخصية هند التي تحظى باهتمام أكثر لدي الراوي وذلك لما تتوفر في قصتها من أبعاد مُتَعَددة فهي تفقدُ زوجها أثناء انتفاضة 1991 وتعيل طفلتها سارة فحياتها تنقسم إلى مرحلتين الأولى تتمثل في ما قبل الاحتلال إذ خسرت زوجها، وفي عهد المحتل تعمل مع سرب من الجنود النيوزلنديين مترجمة يعدها مارك بترتيب اللجوء لهند وابنتها لكن المسلحين يعتقلونها بتهمة التعاون مع المحتل، بينما هي رهن الاعتقال تبعث برسالة إلى أختها وتطلب منها أن تأخذ سارة إلى مارك لتنجوَ من واقع مشبع بالموت، هكذا عندما تتخلص من قبضة المسلحين تربح حياتها من جديد وتقضي أيامها بدون سارة ومن ثم تنضم إلى بنات جنسها وتتحمل على مضض طبيعة الحياة داخل هذا الخان مستقبلة الرجال على الإكراه وهي تربطها علاقة بشخصية مجر الذي بلغ من العمر عتيا فالأخير تاجر العتيق كلامه مطعم بالحكمة والتبصر كما أن مايراه لايمكن لغيره إدراكه،يسمع الراوي صوت هند مطالبة إياه بمصاحبة مجر فهو قد أوصل كتاب طوق الحمامة إلى غرفتها في الخان في وقت اعتقد علي بإنه قد ضاع منه كذلك شخصية ضوية التي تحب أن تغسل في النهر لها جوانب غرائبية فهي تزور أم الغائب العائدة من مقبرة باب المعظم لتقومَ برعاية أطفال مشردين تتلقي المساعدات من المقيمات في الخان.باستثناء شخصية هند وزينب قد أعطى الراوي مساحات متساوية لشخصيات أخرى كما أن لكل شخصية دورها في تماسك بنيان السرد وتكثيف الزمن والإحالة إلى حقب تأريخية مختلفة وأحداث شهدها العراق. كما يتحرك خيط السرد من الخان كذلك ينتهي فيه بعدما ترافق نيفين الراوي في زيارة أخيرة لأنقاضه حيث يخبره عم مجر بمقتل البنات إثر مداهمة المسلحين للخان هنا يوثق المكان لمرحلة جديدة في تاريخ والشاهد على هذه المرحلة ثلاث شخصيات من أجيال مختلفة.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي