رؤية ورأي

غاز المكيفات وبنزين السيارات

تصغير
تكبير
خلال اجتماعه يوم الاثنين من الأسبوع الماضي، تدارس مجلس الوزراء توصية لجنة الشؤون الاقتصادية، في شأن العرض المرئي الذي قدمته وزارة الكهرباء والماء حول برنامج كفاءة الطاقة، الذي يهدف إلى خفض استهلاك الطاقة الكهربائية والمياه بنسبة 40 في المئة. وقرر المجلس تكليف وزارة الكهرباء والماء لتفعيل برنامج كفاءة الطاقة، خصوصاً ما يتصل بتوجيه جزء من قيمة دعم المواد الإنشائية لدعم أجهزة التكييف ومواد البناء ذات الكفاءة العالية، ومنع استيراد أو تصنيع أو تداول الأجهزة الكهربائية والإضاءة غير الموفرة للطاقة، وكذلك استخدام تبريد الضواحي في المدن الإسكانية الجديدة.

لا شك أن هذه القرارات ايجابية من حيث المبدأ وستساهم في ترشيد استهلاك الكهرباء، وبالنتيجة تقليل استنزاف المصدر الرئيس لاقتصادنا الوطني - النفط ومشتقاته - في محطات توليد الكهرباء، وتباعا خفض انبعاث غازات الاحتباس الحراري وما سيترتب عليه من منافع بيئية. بل إن هناك مصالح سياسية مرتبطة بصورة وتصنيف دولة الكويت في المجتمع الدولي. ولكن في الوقت ذاته، أرى أن جهود وزارة الكهرباء الماء يفترض أن تتمحور - في المرحلة الحالية - حول تعميم استخدام تبريد الضواحي نتيجة لارتباطه بإيجابيات أكثر وبسلبيات أقل إذا ما قورن بالخيارات الأخرى المشمولة في توصية لجنة الشؤون الاقتصادية، وبالأخص أجهزة تكييف الهواء المركزية التقليدية (Package) الشائعة في المنازل والمباني الصغيرة. ولكنني سأكتفي في هذا المقال بعرض بعض نقاط المفاضلة...


البنيتان الإدارية المتبعة والتقنية المتاحة في الكويت لمراقبة كفاءة الأجهزة الكهربائية بشكل عام، وأجهزة تكييف الهواء بشكل خاص، غير محكمة وقابلة للتخطي. فعلى سبيل المثال، تحدد وزارة الكهرباء والماء، السقف الأعلى لمعدل استهلاك الكهرباء في أجهزة التكييف، ومن أجل زيادة الترشيد تم تخفيض هذا السقف مراراً بشكل مواكب لتطور سوق المكيفات، والوزارة لا تسمح باستخدام أجهزة يتخطى معدل استهلاكها السقف المعلن، وتشترط أن يتم التحقق من معدل الاستهلاك في مختبرات معتمدة، مثل مختبر قسم الهندسة الميكانيكية بجامعة الكويت، ولكن الغريب أنها تطلب من المورد تحديد المكيفات التي سيقيم أداؤها في المختبرات ! لاشك أن تبني فحص عينات عشوائية يتطلب المزيد من الامكانات والخبرات التي قد لا تكون متوفرة حاليا في الدولة.

وفي مثال آخر على هشاشة آلية المراقبة، نجد أن لوائح الوزارة تحدد سقفا لكثافة استهلاك الكهرباء لغرض تكييف المنازل (W/m2)، وهي التي تتحقق من استيفاء هذا الشرط قبل ايصال التيار الكهربائي من قبل مدقق ميداني، ولكن في بعض المشاريع يتم استبدال مكيفاتها - بعد ايصال الكهرباء إلى المنزل - بأخرى أكبر، لأن الوزارة ليس لديها آلية للتدقيق اللاحق على المباني القائمة. علما بأنني أحتمل أن هناك قصوراً تشريعياً يمنع الوزارة من دخول المباني المشغولة بقصد التدقيق اللاحق على استهلاك مكيفاتها.

بلا شك، التدقيق اللاحق على كفاءة المكيفات المنزلية مهمة شاقة لأن المكيفات منتشرة على مساحات واسعة. ولكنها مهمة بسيطة في منظومة تبريد الضواحي، لأن معظم أجهزتها المستهلكة للكهرباء متمركزة في مواقع محددة بالضواحي، ولأنها تتضمن شبكة الكترونية لمراقبة أداء جميع أجزائها بصورة فورية ومستمرة. لذلك يرى المختصون أن تبريد الضواحي هو الخيار الاستراتيجي للترشيد لأن كفاءته عالية جدا ويمكن إدارته ومراقبة أدائه بيسر.

وكذلك من المنظور البيئي، نجد أن سريان اتفاقيات بيئية دولية يتطلب عدم تشديد معيار كفاءة مكيفات المنازل بسبب الضبابية في تحديد وسائط التبريد - غازات المكيفات - المستقبلية لهذه الفئة من المكيفات. فمن جهة نجد أن المجتمع الدولي ملزم بالتخلص من وسيط التبريد (R22) وهو الاكثر انتشارا في المكيفات المنزلية، ومن جهة أخرى نجد «إعلان كيغالي» ينص على تخفيض استهلاك غازات الهيدروفلوروكربون (HFC) التي تضم معظم الوسائط البديلة - للغاز R22 - في الدول ذات المناخ الحار جدا.

المراد أن الغاز الحالي لمكيفات المنازل سيتوقف انتاجه تدريجيا وكذلك الحال بالنسبة للمكيفات التي تعمل بهذا الغاز، والغازات البديلة التي توفرت أجهزتها في اسواقنا لن تستمر بسبب «اعلان كيغالي»، ولا توجد حتى الآن غازات متفق عليها كبدائل مناسبة للأجواء الحارة جدا وفق نتائج الدراسات الدولية التي شاركت أنا في بعضها بمعية زملاء من الهيئة العامة للبيئة وجامعة الكويت ومعهد الكويت للأبحاث العلمية.

لذلك زيادة كفاءة مكيفات المنازل أو تخفيض معدل استهلاكها للكهرباء سوف يكون مرتبطاً مباشرة بارتفاع كبير في تكلفتها، لأنها خيارات قصيرة المدى، مما قد يتسبب بأزمة شبيهة بأزمة ارتفاع أسعار البنزين الأخيرة التي أضرت سياسيا بالعديد من نواب مجلس 2013. في حين أن الغازات التي يمكن استخدامها في أنظمة تبريد الضواحي متعددة، ومن بينها ما يتوقع أن تكون مستدامة. لذلك أناشد قياديي الوزارة الداعمين لتطبيق تبريد الضواحي استثمار قرار مجلس الوزراء أعلاه من أجل تبني تبريد الضواحي كخيار استراتيجي للوزارة وخيار موثق في خطط التنمية الوطنية... «اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه».

[email protected]
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي