مشهد / إطلالة على الشعر العربي (4)

u062f. u0632u064au0627u062f u0627u0644u0648u0647u0631
د. زياد الوهر
تصغير
تكبير
بمناسبة حلول يوم المرأة العالمي في الأسبوع الماضي وحرصا مني على تسليط الضوء على دور المرأة العربية في تطور النص الشعري والأدبي ومساهمتها الفعالة في تنشئة أجيال متذوقة للشعر عز نظيرها في أيامنا هذه، لذلك فإني خصصت هذا المقال للحديث عن شاعرتين عربيتين تركن إرثا شعريا غزيرا لا يمكن تجاهله أو نسيانه...

الأولى هي نازك الملائكة والثانية فدوى طوقان.

ولدت الشاعرة العراقية نازك الملائكة في بغداد في العام 1923 وهي من عائلة مثقفة وتهتم بالشعر والأدب. درست في العراق اللغة العربية والفنون الموسيقية ثم أكملت دراستها في الأدب المقارن في أميركا لتعود بعدها للتدريس في جامعات العراق والكويت. وبعد احتلال الكويت في 1990 استقرت في القاهرة حيث أدخلت نفسها في عزلة تامة حتى وفاتها العام 2007.

تعتبر نازك واحدة من رواد الشعر الحر مع عباقرة الشعر في العراق، مثل بدر شاكر السياب وعبدالوهاب البياتي، وقد صدرت لها مجموعات شعرية عدة ومنها «شجرة القمر» و«الصلاة والثورة»، بالإضافة إلى تميزها في النقد الشعري حيث أصدرت مجموعة من الكتب النقدية المتميزة التي أثرت مسيرتها الأدبية، وقد حصلت على جائزة البابطين في الكويت في 1996.

وجدير بالذكر أنها كانت تتقن أربع لغات غير اللغة العربية، ما أتاح لها فرصا عديدة للاطلاع على الشعر العالمي وأن تنهل منه ما استطاعت.

ومن قصيدتها «الكوليرا» أسطر لكم هذه الأبيات التي أثارت جدلا كبيرا عندما نشرت في 1947 على إثر انتشار مرض الكوليرا في مصر، وقد وصل الأمر إلى أن أباها قد انتقدها بسبب عدم التزامها بالبناء الكلاسيكي للقصيدة العربية حيث كتبت قصيدتها على شكل أسطر غير متساوية في الطول.

سكن الليل

أصغ إلى وقع صدى الأنّات

في عمق الظلمة، تحت الصمت، على الأموات

صرخات تعلو وتضطرب

حزن يتدفق، يلتهب

في كل فؤاد غليان

في الكوخ الساكن أحزان

في كل مكان روح تصرخ في الظلمات

في كل مكان يبكي صوت

هذا ما قد مزقه الموت

الموت الموت الموت

يا حزن النيل الصارخ مما فعل الموت

طلع الفجر

أصغ إلى وقع خطى الماشين

في صمت الفجر، أصخ، انظر ركب الباكين

أما شاعرتنا الثانية، فهي فدوى طوقان التي ولدت في فلسطين في مدينة نابلس العام 1917، وتعتبر واحدة من أهم شعراء فلسطين في القرن الماضي، وهي تنتمي لأسرة عريقة ومعروفة، فأخوها الشاعر المعروف إبراهيم طوقان الذي رعاها وكان بمثابة الأب الروحي لها بعد أن تم منعها من الاستمرار في دراستها بسبب النظرة الرجعية لتعلم المرأة في تلك الفترة، وقد ترك موته في قلبها غصة وحرقة بالغة. وقالت في وفاته «وتوفي شقيقي إبراهيم فكانت وفاته ضربة أهوى بها القدر على قلبي ففجر فيه ينبوع ألم لا ينطفئ ومن هذا الينبوع تتفجر أشعاري على اختلاف موضوعاتها، وانكسر شيء في أعماقي، وسكنتني حرقة اليتم.»

عايشت تجربة الاحتلال المرير وعلى فترتين الأولى عند احتلال فلسطين في 1948 والثانية بعد أحداث النكسة العام 1967 وسقوط مدينتها نابلس تحت الحراب الإسرائيلية، وقد ولدت لديها هذه التجارب المؤلمة حسا ثوريا رافضا لكل أنواع الاحتلال وسخرت شعرها في خدمة قضيتها الفلسطينية.

صدر للشاعرة عدة دواوين شعرية ومن أهمها «على قوة الدنيا وحيدا» و «الليل والفرسان» كما أنها حصلت على العديد من الجوائز التقديرية تقديرا لتميزها الأدبي والشعري؛ ومنها جائزة سلطان العويس الإماراتية ووسام الاستحقاق الثقافي من تونس.

وثقت فدوى طوقان تجربتها الحياتية من خلال كتابين يحملان سيرتها الشخصية بما في ذلك العديد من الأسرار التي باحت بها عن حياتها الشخصية، كما ونقلت بكل ألم تجربة الفتاة العربية في المجتمع العربي حينها ونظرته الدونية للمرأة وحرمانها من أبسط حقوقها وخاصة التعليم. ومما قالته عن والدها في كتابها «رحلة صعبة- رحلة جبلية»: «كان أحياناً إذا أراد أن يبلغني أمراً يستعمل صيغة الغائب ولو كنت حاضرة بين عينيه، كأن يقول لأمي: قولي للبنت تفعل كذا وكذا... وقولي للبنت إنها تكثر من شرب القهوة، فلا أراها إلا وهي تحتسي القهوة ليلاً ونهاراً وهكذا. كان أشد ما عانيته حرماني من الذهاب الى المدرسة وانقطاعي عن الدراسة.

كانت أختي أديبة تجلس في المساء لتحضير دروس اليوم التالي، تفتح حقيبة كتبها وتنشر دفاترها حولها، وتشرع في الدراسة وعمل التمارين المقررة... وهماً كنت أهرب إلى فراشي لأخفي دموعي تحت الغطاء، وبدأ يتكشف لدي الشعور الساحق بالظلم.»

أما قصيدتها «آهات أمام شباك التصاريح» فقد كانت الشرارة التي استغلها الصهاينة لمحاربتها وتضييق الخناق عليها بتهمة الدعوة الصريحة للقتل وشرب الدماء، فكانت إجابتها رادعة ومفحمة عندما طلبت منهم قراءة ما كتبه شاعرهم المفضل حاييم بباليك في قصيدته «باركوخبا»، التي لم يجد فيها حرجا من دعوته الصريحة لشرب دم الأعداء.

تقول في قصيدتها:

آه يا ذل الإسار

حنظلا صرت، مذاقي قاتل

حقدي رهيب، موغل حتى القرار

صخرةٌ قلبي وكبريتٌ وفوارة نار

ألف هند تحت جلدي

جوع حقدي

فاغر فاه، سوى أكبادهم لا

يشبع الجوع الذي استوطن جلدي

آه يا حقدي الرهيب المستثار

قتلوا الحب بأعماقي، أحالوا

في عروقي الدم غِسلينا وقار
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي