في الاعوام الاخيرة شهدت دول عربية عدة ما يمكن وصفه بالتجارب الديموقراطية، في الحقيقة ان فكرة الانتخابات باتت موضع القبول، وهي في حد ذاتها امر يستحق الاهتمام والترحاب، فحتى وقت ليس ببعيد كان الفكر السياسي العربي بشتى طبقاته يرفض فكرة الديموقراطية الانتخابية، إذ عارضها اليسار العربي واصفا اياها بالخدعة «البرجوازية» التي تستهدف اجهاض فرص الثورة، ورأى تيار اخر ان العرب ارقى من ان يتعلموا من تجارب الغير، ورفض الحكام الديكتاتوريون العسكريون الانتخابات لانها كانت تشكل تحديا لحكمهم، بل حتى ان الديموقراطيين والليبراليين العرب اعربوا، رغم مطالبتهم بالانتخابات، عن قلقهم من احتمال ان تصبح «الجماهير» لعبة بيد الغوغائيين او المتطرفين.
الا ان الديموقراطية الانتخابية النيابية اصبحت فجأة في مطلع التسعينات شعارا ذا شعبية واسعة، والنتائج التي افرزتها التجارب الديموقراطية العربية كانت مخيبة للآمال، ففي بعض الدول عمقت الانتخابات الازمات الاقتصادية والسياسية، وفي الجزائر اطلقت الانتخابات شرارة حرب اهلية، والازمة التي نشأت في اليمن كان سببها، في البداية على الاقل، الانتخابات العامة التي جرت بعد توحيد شطريها، وفي الاردن اضطرت الحكومة إلى تغيير قواعد اللعبة للحيلولة دون تمخض انتخابات عامة ثانية عن نتائج تهدد النظام القائم، وفي المغرب اضطر الملك إلى التدخل لحسم مسائل لم تفلح الانتخابات العامة في حسمها، وفي الكويت افرزت الانتخابات العامة اجنحة من شأن التنافس القائم بينها تعريض البلاد لاخطار داخلية وخارجية مستقبلا، ولكن هل يجوز القول في ضوء هذه التجارب بان من الافضل للعرب ان يتجنبوا الانتخابات؟
ثمة انقسام في الرأي حيال هذا الموضوع فهنالك فئة ترى ان اي انتخابات، بما فيها تلك التي تنظمها شكليا نظم الحزب الواحد، هي خير من لا شيء، ويرى هؤلاء ان المواطن العربي سيتعلم بمرور الوقت ان له وزنه الخاص وان المطلوب هو اخذ رأيه بشأن الجهة التي يجب ان تحكمه، والسياسات التي يجب ان تعتمدها الجهة الحاكمة، بل ان مجرد لمس ورقة الاقتراع ودخول قاعات الاقتراع ووضع علامة بجانب اسم مرشح هي امور لها دلالات بالغة الاهمية.
وهناك فئة ثانية ترى ان الانتخابات المزورة هي اسوأ من عدم اجراء الانتخابات اصلا، فمثل هذه التجارب تسيئ إلى فكرة النمو الديموقراطي عبر صندوق الاقتراع، كما ان الناخب في معظم الاحوال ليس على اطلاع كاف ولا يتمتع بحرية كافية ليكون اختياره عقلانيا، والاسوأ من ذلك ان الذين يخوضون الانتخابات لا يلتزمون بقواعدها، فاذا فازوا بالانتخابات ايدوا نتائجها واذا خسروا طعنوا في نتائجها، وما نراه في انتخاباتنا التي مرت علينا ما اكثر الطعون بنتائجها وذلك لعدم الالتزام بالقواعد الانتخابية. وللحديث بقية.
علي غلوم محمد
كاتب كويتي
[email protected]