من منا فكر فلسفيا بموضوع (الطابق الثاني)؟ هل هو يمثل البنيان العلوي للمبنى، أم يمثل الحمل الآخر الذي يتكئ على أعمدة وجذور الطابق السفلي؟ أو ممكن أن يمثل أي شيء آخر لا دخل له بالبناء أو الأشياء المادية؟
المهندس المعماري (كمثال) يستطيع عند كشفه لحالة منزل أو أي عقار ما، أن يعرف ان كان يتحمل هذا الثقل أو لا. فإذا كانت أعمدة البيت سليمة وقوية، فإن البناء الزائد لن يؤثر عليه أو يهدد بسقوطه.
أما من الناحية الفلسفية التي تخصنا نحن البشر، فلا نستطيع أن نستشير مهندسا إن كنا قررنا من دون تفكير أن نحمل على أكتافنا أثقالا زائدة وضخمة من الهموم والمسؤوليات والعلاقات الاجتماعية.
وهذا ما أقصده في (الطابق الثاني) فليس شرطا أن يكون مجرد بناء من لبنات وأسمنت، بل قد يكون بناء علاقة جديدة مع آخرين قد تكون علاقة صداقة أو زواج أو غير ذلك. ورغم أن هذا الأمر يعتبر حاجة اجتماعية لاستمرار الحياة بشكل صحي، لكن البعض يذهب لبناء هذه العلاقة من دون إصلاح المشكلة أو الألم الداخلي وتقوية الجذور في الجانب النفسي والروحي. وأخص هنا الذين تعرضوا لخيانات زوجية أو عاطفية أو مشاكل انفصال وسببت لهم جروحا وذكريات مؤسفة.
في الغالب يتسرع البعض منهم في بناء علاقة جديدة من دون إعطاء نفسه فترة نقاهة وعلاج مما تعرض له في الفترة السابقة من حياته. فكما نعلم أن عملية الشفاء من جرح، سواء كان جسديا أو نفسياً، لا بد أن يأخذ الوقت الكافي ليسري مفعوله وليتم تطبيبه بشكل سليم، ثم بعدها يبدأ الشخص بممارسة حياته الطبيعية. ولكن الحاصل أن البعض لا يفكر بهذه الطريقة، ويعتقد أن الولوج لباب نسيان الماضي في بناء علاقة جديدة، بالخراب والحطام الذي في داخله، فتراه يتعامل مع الطرف الآخر بطريقة يخالطها الشكوك والتعاسة، حتى إذا بدر منه أي تصرف غير مرغوب فيه، صار يرمي عليه إسقاطاته، ويتذكر ما مر به من تجارب متعثرة ويظن أنه لم تعد هناك ثقة أو سعادة في الحياة.
ولو عدنا إلى النقطة الأولى، لوجدنا أن الخطأ في إعادة تجربة جديدة أو بناء علاقة ثانية من دون التأكد من أن آثار الضعف الداخلي قد عولج، والجراح القديمة قد برأت، لأن التجارب والتحديات التي نمر بها في حياتنا، يفترض أن تقوينا وتلهمنا ونصبح معها أكثر نضجا، لبدء عملية بناء طابق جديد على أعمدة قوية صحيحة تقوم على فكر متزن ناضج، وهذا هو الأهم لتجنب صدامات نفسية يقاسي منها طرفان أو أكثر، أقول ذلك لأن نجاح العلاقات الاجتماعية يعني نجاح مجتمع بأكمله، ونحن نريد أن نعيش كأفراد في مجتمع سعيد متفهم ناضج.
[email protected]