صدى الكلمة

هل المجلس النيابي يعبر عن صوت المواطن؟

تصغير
تكبير
المتعارف في علم الاجتماع النفسي، أنك إذا أردت أن تقنع الناس بأفكارك أو آرائك حول مسألة معينة، فإن المهم أن تكسب ثقتهم أولاً، ليس بالضرورة في شخصك، وإنما في أن ما تريد توصيله لهم ينبغي أن يستند على أدلة منطقية مستوحاة من الاستقراء الذي يجعلهم يصدقون القول، ويكون التفسير أقرب إلى عقولهم وطبيعة المنطق. وهذا يتطلب بالإضافة إلى الأدلة الموضوعية أدب الحوار، وعدم الصراخ، واحترام الرأي الآخر، وإدراك أهمية الاختلاف من دون رفض وازدراء وكراهية، أو استخدام لألفاظ نابية ومرفوضة.

ما جرى ويجري في بعض جلسات المجلس النيابي، للأسف، يعكس صراعاً مؤدلجاً وبغيضاً لا يفيد الدولة في شيء، فكل ما يطرح من قضايا يصاحبها الإسفاف والتجريح في الكلام من طرف لآخر، يضطر رئيس المجلس لأن يرفع الجلسة حتى لا تخرج الامور عن السيطرة، أو تلافياً لتداعياتها، وفي كلتا الحالتين يعني التهدئة، وإزالة الغضب والتوتر، وجبر الخواطر...


ظاهرة الصراخ والمواجهات في المجلس ليست جديدة، فهي لا تتغير رغم الحاجة إلى تهذيب النفوس والاستفادة من التجارب الماضية التي أدت إلى ضياع المنجزات، والدخول في متاهات حل المجالس. فنحن لا ننسى الجلسات النيابية التي رافقتها الهوشات باستخدام مختلف الأسلحة من عقال إلى نعال إلى تشابك بالأيدي، ناهيك عن أسوأ الألفاظ النابية والتي لا ينطق بها جاهل أو حتى عديم الأخلاق.

فما الذي يدعو إلى الإساءة والتطاول حول قضايا تهم حياة الناس، في الوقت الذي يفترض أن يدافع النواب عنها ويتفقوا عليها؟ إن الإشكالية إذن ليست في طبيعة القضايا، وإنما بسلوكيات العضو الذي يعطل دور المجلس ويجعله مجلساً للصراع والخلافات، بينما هذا المعطل أو المشاغب جاء منتخباً من الناس لأجل التشريع والرقابة على السلطة التنفيذية. إن الخروج عن أدب الحوار لا يخدم المقاصد التي دفعت بالناخبين لانتخاب ممثليهم في المجلس، فالاختلاف غير الخلاف، والتفاهم غير المواجهة، واحترام الرأي الآخر ضرورة حضارية ترفع من شأن الإنسان، وتحفّز على التعاون والإبداع والإنجاز.

الكثير من الصراع الناشئ بين الأعضاء، وانفلات الألفاظ، وسوء استخدام اللغة في التعبير يعود إلى أسباب أبرزها أن بعض الأعضاء تحركه اتجاهات فكرية طائفية تعكس عند مناقشة القضايا المختلفة أن هناك نفسا طائفيا أو قبليا يحركه رفض الآخر، والتطاول عليه.

لهذا نتمنى أن يطبق رئيس المجلس اللائحة والنظام من دون مجاملة أو إفراط في محاولات التهدئة وتجاوز العقبات، فلم يعد الوضع مقبولاً للناس، خصوصاً أن الجلسات معلنة، ووسائط التواصل الاجتماعي تنقل العيوب إلى كل مكان ما يرسخ الاعتقاد بأننا أمام مجلس يسيء أكثر مما ينفع، ويضر أكثر مما يفيد، ويتيح الفرص للذين يضمرون الشر لإشعال الفتن، وربما استغلال الظروف لتهييج المشاعر والتعدي على القانون كما حصل في السابق عندما اقتحم المجلس النيابي بعض النواب يساندهم مناصروهم فكان الهرج والفوضى والتعدي على رجال الأمن، ناهيك عن التحريض الذي حدث نحو المسيرات وإقامة المهرجانات في الشوارع من دون ترخيص ما يفسح الطريق لزعزعة الاستقرار، والتعدي على الدولة.

[email protected]
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي