«زيت زيتون»... مطبخ سوري في القاهرة

تصغير
تكبير
في إحدى ضواحي القاهرة تستعد مجموعة صغيرة من النساء السوريات لليوم القادم، حيث يتجمعن في المطبخ لخبز المعجنات وتقطيع وقلي وتحضير الطعام على الطريقة السورية. يخيم الصمت على المكان نسبيا، باستثناء صوت السكاكين على لوحة التقطيع الخشبية وفرقعة الزيت المغلي الذي تُقلى فيه الكبة. بالنسبة للكثيرين، يعد الطبخ عملا يوميا روتينيا، ولكن بالنسبة لهؤلاء النسوة، فهو مشروع تجاري.

فما بدأ كمشروع جانبي للاجئة السورية القادمة من دمشق، لينا كساح، أصبح الآن مؤسسة اجتماعية توظف اللاجئات السوريات اللاتي يعشن في القاهرة. أطلق مشروع «زيت زيتون» ZeitZeitoun خلال شهر رمضان من العام الماضي لتزويد هؤلاء النسوة بمصدر جيد للدخل وغرس الشعور بالتمكين في نفوسهن.


تقول لينا، التي وصلت إلى القاهرة مع زوجها وأطفالهما الثلاثة في مارس 2013: «لم يكن لدينا شيء عندما جئنا مصر. وقد أثر علينا هذا نفسيًا. حيث أصيب زوجي بالمرض لكنه لم ينقطع عن العمل من أجل كسب قوت عائلتنا واضطر ابني إلى ترك دراسته للحصول على وظيفة».

كانت لينا تعمل في السابق مديرة مكتب في إحدى شركات العلاقات العامة في دمشق، وسرعان ما وجدت عملًا مع لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة كباحثة اجتماعية، وهي الوظيفة التي جعلتها على اتصال دائم بمواطنيها اللاجئين. وقد توصلت إلى فكرة إعداد الطعام للمناسبات الأسرية واستعانت باللاجئات السوريات لتقديم تلك الخدمة.

كنّ يقمن بإعداد وجبات الطعام في منازلهن ومنزل لينا، التي استأجرت سيارة فان صغيرة لجمع وتوصيل الطلبات بنفسها. وهو ما جعلها على اتصال مباشر بالعملاء، وعندما كانت توصل بعض الأطباق لإحدى حفلات أعياد الميلاد في العام الماضي، التقت تمارا الرفاعي.

تقيم تمارا في القاهرة، وهي ناشطة من أصل سوري تعمل في مجال المساعدات الإنسانية، وقد ساعدت في إنشاء مشروع «زيت الزيتون»، حيث ساعدت في جمع 25000 جنيه كانت مطلوبة لاستئجار مطبخ صغير وشراء المعدات اللازمة لتحويل شركة لينا البدائية إلى شركة احترافية.

أشارت لينا إلى سبب اختيارها لاسم Zeit Zeitoun، الذي يعني زيت الزيتون في العربية، لأن غصن الزيتون يرمز للسلام والازدهار ولأن سورية تشتهر بوفرة هذا «الذهب السائل».

وعن مراحل المشروع تقول تمارا: «في بداية المشروع أخذنا شهرا كاملا في إعداد الوصفات بطريقة التجربة والخطأ، لأنك إذا وضعت سبع نسوة سوريات في مطبخ واحد، بالإضافة إلى ثلاثة غرباء - أنا وأمي وصديقتها - فستحتاج إلى مفاوضات للسلام من أجل التوصل إلى توافق في الآراء بشأن مقدار عصير الليمون الذي يجب إضافته أو ما إذا كان يجب سكب دبس الرمان في بداية أم في نهاية عملية صنع صلصة الطماطم»!

وقد أجرى فريق العمل تجاربه وقرر الوصفات النهائية التي سيعتمدونها في مطبخهن وكميات كل حاوية.

يعمل في المشروع حاليا سبع نساء، يعتبر بعضهن المعيل الرئيسي لأسرهن. وعند تعيين إحداهن، تُعطى الأولوية للنساء اللواتي فقدن أزواجهن أو الأمهات المعيلات.

وفقًا للمفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فقد استقبلت مصر ما يقرب من 120000 لاجئ سوري. ومن الصعب الحصول على فرصة عمل على وجه العموم مع استمرار الأزمة الاقتصادية في أعقاب ثورة 25 يناير عام 2011. وفي ظل هذه الظروف لجأ العديد من السوريين إلى الأعمال اليدوية منخفضة الأجر، في حين أنشأ آخرون مطاعم للشاورما والدجاج المشوي. لكن معظم من يعمل في هذه الأماكن الرجال ونادرًا ما تتاح الفرصة للنساء للعمل بتلك المشاريع.

هذا ويخلق مشروع «زيت زيتون» إحساسا بالقيمة لدى هؤلاء النسوة ويتيح أمامهن مصدرا للرزق يمكن أن تستفيد منه أسرهن، حيث يكسبن ما يعادل متوسط الأجور في مصر، والذي يبلغ نحو 100 جنيه في اليوم. ولكنه ليس وسيلة لكسب المال فحسب، بل يمثل المشروع نظامًا لتقديم الدعم النفسي والاجتماعي لمجموعة من النسوة اللواتي اضطرتهن الظروف لبدء حياتهن من جديد.

وهو ما أعربت عنه لينا، قائلة: «غادرنا سورية ليس لأننا أردنا ذلك، ولكن لأننا أرغمنا على ذلك. وظللت مصابة بالاكتئاب لمدة عام كامل دون أن أبرح المنزل، حتى زاد وزني، ووقع زوجي ضحية المرض. لقد كنا نتمتع بمستوى معيشي معين في سورية فقدناه عندما غادرنا».

وكانت أفضل طريقة للتغلب على الاكتئاب أن «أعمل، وأعيش حياتي، وأرى الناس».

إنها قصة مماثلة لقصص غيرها من النساء. فها هي حسناء، التي كانت تعيش في داريا في ضواحي دمشق والتي فرت مع أولادها الثلاثة وزوجها عام 2013، بعد أن نجوا في تمام الثامنة صباحًا من القصف العشوائي لمنطقتهم.

تقول حسناء: «لم نحزم إلا ما كنا نرتديه وغيارا واحدا من الملابس، وعدا ذلك تركنا كل شيء وراءنا».

وأخيرًا انتهت الرحلة التي امتدت لثلاثة أيام متواصلة عندما التقوا مع بعض أفراد الأسرة من سبقوهم إلى القاهرة.

في سورية، كان زوج حسناء يمتلك مطعم فلافل، والآن في مصر، يعمل في مطعم فول وفلافل.

في حين أن كل النساء ما زلن يحتفظن بأمل العودة إلى سورية يوما ما، إلا أنهن يقولن إن المصريين قد لعبوا دورا حيويا في رفع روحهن المعنوية ومساعدتهن على بدء حياة جديدة، والعمل في «زيت زيتون» يتيح لهن فرصة البقاء على اتصال بمجتمعاتهن وتراثهن.

تأتي النسوة في الصباح ويبدأن إعداد الأطباق المطلوبة. ويبلغ الحد الأدنى للطلبية الواحدة 400 جنيه ويحصلن على ما لا يقل عن طلبية أو اثنتين من الطلبيات الكبيرة كل يوم وفقًا للينا، والتي يجب طلبها قبل 48 ساعة على الأقل. وتبلغ الطلبيات ذروتها خلال الأعياد والمناسبات مثل عيد الفطر. وتشمل قائمة عملائهن السفارات والشركات والأسر.

ومن أشهر الأطباق التي يقدمنها وأكثرها شعبية الكبة والسمبوسك والأوزي. وتشمل الأطباق الأخرى، شيخ المحشي والكبة اللبنانية، وهي الأطباق الشعبية في بلاد الشام. وهي تختلف تماما عن المأكولات المصرية التي لا تستخدم الكثير من الزبادي أو دبس الرمان.

هذا وكانت الطلبيات تتدفق عليهن من خلال التسويق الشفوي ووجودهن على شبكات التواصل الاجتماعي، ولكن مشروعهن تأثر بشدة بالموجة الاخيرة من التضخم التي عصفت بالاقتصاد المصري وضعف العملة المحلية، مما أدى إلى ارتفاع تكلفة المكونات وخدمة توصيل الطلبيات.

وفي هذا الصدد تقول لينا: «انخفض هامش الربح لدينا بسبب ارتفاع أسعار المكونات لذلك كان علينا أن نرفع الأسعار قليلًا».

يحقق المشروع ما يكفي من الربح لتغطية تكاليفه ودفع أجور العاملات فيه.

ويتمثل الهدف النهائي في توسيع نطاق المشروع وتوظيف المزيد من النساء وأن يتمكنّ يوما ما من فتح مطعم خاص يقدمن فيه الطعام السوري الأصيل في القاهرة.

* متخصصة في قضايا وشؤون الشرق الأوسط
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي