حوّلت مصطلح «التجريبي» إلى شمّاعة للإخفاقات

مسرحية «الانكسار» فكرة عميقة حال ضعف الصوت دون وصولها إلى المتلقي

تصغير
تكبير
| كتبت - نورهان عماد الدين |
للوهلة الاولى من زمن عرض مسرحية «الانكسار» التي قدمها المسرح الجامعي ضمن عروض مهرجان «أيام المسرح للشباب» أحسست بأنني سأشاهد عملاً فنياً متماسكا، نظراَ للجهد المبذول فيه، بيد ان آفة الصوت قضت على ذلك الاحساس - معذرة على السطور القادمة لأنها مبنية على نصف المسرحية التي وصل الى سمعي والباقي محاولاتي للملمة كلمة من هنا وكلمة من هناك في عرض من تأليف فاطمة المسلم ومن اخراج نصار النصار.
لم يكن للستار وجود، كل الذي امامنا مستويات متفاوتة الارتفاع. تشعر كأنك داخل جمجمة وترى مقطعا طوليا فيها بسبب الشاشات التي شكلت نصف دائرة على الخشبة. تمر امامنا مجموعة من الصور المنكسرة التي تميل الى التشوه تعرفنا على البطل وشذرات من حياته. تبدأ المسرحية والرأس في حالة غليان صور كثيرة متتابعة، موسيقى ضاربة ثم يفيق البطل من نومه. شاب عادي في ملابس النوم يشبه الكثيرين، يستيقظ يبحث عن سيجارة فيجد الولاعة لا تعمل - قد ابالغ في سرد بعض التفاصيل لكن هذه التفاصيل هي التي تكسب العمل حلاوته - يبدأ الحوار أشبه بالاستجواب مع شخص انيق يرتدي بدلة جالس في الغرفة نفسها. بداية تعتقد أنه طبيب نفسي، لكنه على ما يبدو يمثل ضمير البطل «يوسف» ويطول الحوار. وعلى الشاشات المنكسرة تظهر صور مرادفة للحوار او تصور قصة يحكيها يوسف مثل عراكه مع زوجته، بيع مجوهراتها، سرقة حقيبتها، اكتشاف زوجته للسرقة، محاولة قتل الزوجة وهكذا على طول الخط.
الممثلان الوحيدان على الخشبة «نصار النصار وحسين الحسن» كان صوتهما ضعيفا، الا في حالات الصراخ ما منع الحضور من الاستمتاع بالعمل وفهم ما يقال. في كثير من الاحيان كان الحوار نفسياً فيه شيء من الفلسفة لكن أداء حسين الحسن كان كما لو أنه امام كاميرا تلفزيون وحوله مكبرات صوت. كان لا بد من ان يوجهه المخرج لتكنيك المسرح في التحدث بروية مع امكانية ان يصل صوتك للجمهور لكن المشكلة كانت قائمة عند نصار أيضا وهو بطل العمل والمخرج في الوقت ذاته! نصار لديه طاقة تمثيلية هائلة بحاجة لتوجيه وهو مخرج صاحب خبرة.
في صراع يوسف مع الضمير الأنيق - وهو ضمير خبيث بالمناسبة - ومن تكون له الكلمة الأخيرة، نكتشف بأن يوسف مدمن ومن الصور على الشاشة نرى كيف جعل الادمان من حياة يوسف سلسلة من الانكسارات خصوصا في ما يخص علاقته مع حبيبته وزوجته حنان. خط الصراع بين يوسف وضميره هبط اكثر من مرة والمفروض ان يكون في حالة تصاعد تؤدي للذروة، لكن اشكالية الصوت حالت دون ذلك وبالاضافة الى عدد المرات التي كان يتم فيها سرد أحداث قديمة كلها طعنت ايقاع العمل في مقتل فكان هابطاً وبطيئاً بعكس البداية القوية.
أما في ما يتعلق بالنص فليس بوسعنا الحكم عليه لأنه لم يصلنا بما يكفي لذلك.
مسرحية «الانكسار» من العروض القليلة التي وظفت الشاشات بطريقة محمودة، وحتى لم تعتمد على الشكل المستطيل التقليدي وانما اتخذت شكل مرايا منكسرة في نصف دائرة شدت الحضور الى قلب الحدث، أحسسنا ورأينا بالعين الانكسارات في حياة وشخصية البطل. لكن العمل كله وقع في فخ الشاشات فبسبب وجودها اعتمد على السردية مع صور ترافقها على الشاشة أكثر من الفعل. والمسرح فعل وليس راوياً يقص لنا الحكايا.
تعامل المخرج مع سينوغرافيا المكان بشكل رائع من خلال الشاشة والمستويات المتعددة وحتى وجود عناصر موسيقى حية على الخشبة بالضبط كالأصوات الغريبة التي تسمعها في رأسك عندما تكون مضطرباً او مريضاً. فتشعر انك داخل رأس البطل وانت أيضا داخل حياته المليئة بالانعطافات صعودا وهبوطا، ومع ذلك انحصرت حركة الممثلين في خط عرضي مستقيم بعرض الخشبة مابين السرير وكرسي الضمير والنوم على الأرض. ولولا وجود العازفين على الخشبة لكنا أمام فراغ كبير نوعا ما وهو حل ذكي. الموسيقى الحية كانت من اروع ما يكون وقت الحيرة والتفكير ولحظات التوتر، الا انها كانت أعلى من صوت الممثل في احيان كثيرة. أما لجوء المخرج للموسيقى المسجلة في نهاية العمل فكان اختيار غير موفق بسبب وجود موسيقى حية على الخشبة ومتنوعة ايضا.فيوجد عازف كلارينيت وجيتار وبيانو ولكل منهم القدرة على خلق أجواء متباينة وأحاسيس متنوعة.
من عناصر السينوجرافيا الفعالة كانت الاضاءة وفقت في كثير من الأمور ولم تكن عشوائية مثل كثير من العروض الشبابية.فأعتمد المخرج بشكل كبير على انعكاسات الضوء والظلال على الشاشات في عرض الصور وأيضا في حالة تعتيم الشاشة. وركز شعاع ضوئي في منتصف المسرح. يشتد في لحظات ذروة المواجهة بين البطل وضميره المريض. وهذا الشعاع يوحي بجو المباحث في استجواب وتحقيق بين البطل وضميره، وهو بصيص النور الذي يعري لنا البطل على حقيقته ومكنا من رؤية ما في ظلمات رأسه المدمن.
العمل ككل يحمل فكرا وان كان لم يوفق في عرض أفكاره بصورة جيدة. فهذا الفكر كان بحاجة الى تشذيب وترتيب، الا انه لم يجرب جديدا ولم أر تكنيكاً او اسلوباً لم نره من قبل في المسرح فأين التجريب في الموضوع؟ لا الشاشة، ولا فكرة العمل ولا الموضوع يحمل شيئاً جديداً. باختصار لم أر في العمل اي شيء يتم تناوله للمرة الاولى على المسرح. سمعت أنه عرض تجريبي؟ أرجو من الشباب عموما ألا نلصق مصطلح «تجريبي» الى عروضنا لتكون شماعة لنا نهرب بها من النقد أو عزوف الجمهور عن العرض. وهذه مسألة مسؤول عنها القائمون على المهرجان، وهي ضرورة التأكد من محتوى ما يقدم من اعمال والمسميات التي تطلق على هذه الاعمال المشاركة.
مما سبق يتبين أن العمل به جهد كبير ضيعه ضعف صوت الممثلين. واتمنى أن تستفيد كل فرقة من العروض السابقة لها كي تكرر المحاسن وتتجنب الاخطاء وفي النهاية ما هي الحياة من دون تعلم؟
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي