رأي مالي / تحسّن ملحوظ للاقتصاد الأوروبي

تصغير
تكبير
شهد الاقتصاد الأوروبي تحسّناً ملحوظاً في الآونة الأخيرة، بعدما تعزز معدل النمو الاقتصادي في منطقة اليورو، منذ الربع الأخير من عام 2016.

ولعل السبب في ذلك يعود بشكل رئيسي إلى تسارع النمو الاقتصادي الألماني، بين شهري أكتوبر وديسمبر من العام الماضي.


وكانت البيانات الاقتصادية الصادرة عن مكتب الإحصاء الاتحادي، قد أظهرت نمو الناتج المحلي الإجمالي في ألمانيا بنحو نصف في المئة خلال هذه الفترة، بالمقارنة مع الأشهر الثلاثة السابقة، التي حقق فيها الاقتصاد نمواً بنسبة 0.2 في المئة، أي انه بشكل عام فقد حقق الناتج المحلي الإجمالي الألماني خلال عام 2016 نمواً بنسبة 1.9 في المئة.

وجاء نمو الاقتصاد الألماني، الذي يعتبر محرك النمو في منطقة اليورو، أسرع بكثير مما توقع معظم الاقتصاديين.

وقد ظهر هذا التسارع في النمو الاقتصادي بشكل واضح، في أحدث التقارير الاقتصادية التي أشارت إلى ارتفاع معدل التوظيف، وتحسّن معنويات الشركات.

كما استفادت ألمانيا أيضاً من برامج التحفيز النقدية، التي أطلقها البنك المركزي الأوروبي، وتراجع قيمة العملة الأوروبية المشتركة (اليورو) مقابل الدولار.

وتشير الصورة الشاملة إلى أن ارتفاع النمو الاقتصادي الألماني، مدفوعاً بالاستهلاك سيتواصل طالما استمر البنك المركزي الأوروبي في سياساته النقدية الموسّعة، كما كانت هناك أيضاً مساهمة إيجابية من مستويات الطلب، من خارج منطقة اليورو في بداية العام.

وارتفع الإنفاق الاستهلاكي الألماني بنسبة 2 في المئة العام الماضي، كما ارتفع الإنفاق العام بنسبة 4.2 في المئة، وفقاً للبيانات الصادرة عن مكتب الإحصاء الاتحادي الألماني.

كما أظهرت هذه البيانات ارتفاع كل من الاستثمار بنسبة 1.7 في المئة، والبناء بنسبة 3.1 في المئة، أما الصادرات فقد حققت نمواً بنسبة 2.5 في المئة، بينما جاءت الواردات أعلى بنسبة 3.4 في المئة بالمقارنة مع عام 2015.

واستفاد استهلاك الأسر من انخفاض معدل البطالة إلى أدنى مستوى له، منذ إعادة توحيد البلاد قبل أكثر من ربع قرن من الزمن.

وفي الوقت نفسه تعزز الإنفاق الحكومي عبر التكاليف المتعلقة، بتوفير المساعدة والمأوى لأكثر من مليون لاجئ.

وبالإضافة إلى ذلك كله، فقد ارتفع الإنتاج الصناعي في منطقة اليورو بنسبة 1.5 في المئة خلال شهر نوفمبر الماضي، بالمقارنة مع الشهر السابق، مسجلاً بذلك الزيادة الثانية على التوالي.

وقد يتعرض الإنفاق الاستهلاكي في ألمانيا خلال الأشهر المقبلة، إلى ضغوطات مع ارتفاع معدلات التضخم، في الوقت الذي بدأت فيه الأسعار تتزايد بالفعل، بوتيرة هي الأسرع في غضون أكثر من ثلاث سنوات.

وفي حين أن أكثر من 90 في المئة من الشركات الألمانية، لا ترى في الوقت الحالي «تأثيرات قوية» عليها نتيجة قرار بريطانيا الخروج من الاتحاد الأوروبي، فإن الانتخابات التشريعية العامة المقررة في الخريف المقبل، والتي ستضع حزب المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل الحاكم، في معركة ضد الأحزاب الشعبوية التي تتزايد قوتها، ترفع من حالة عدم اليقين.

وإننا نتوقع استمرار التحسّن الملحوظ في الوضع الاقتصادي خلال عام 2017، على الرغم من أن زخم هذا النمو قد يتأثر بشكل ما بالانتخابات العامة المقبلة في ألمانيا وفرنسا، الأمر الذي من شأنه زيادة مستوى حالة عدم اليقين السياسي.

وكانت إيطاليا قد شهدت أيضا خلال الفترة الماضية، تحسّن وضعها الاقتصادي، الذي عانى من ضعف خلال السنوات القليلة الماضية، إذ أظهرت البيانات التي تم نشرها ارتفاع الإنتاج الصناعي الإيطالي في شهر نوفمبر الماضي، بنسبة فاقت التوقعات، ما يدل على تسارع محتمل في النشاط الاقتصادي. وقد ارتفع هذا الإنتاج بنسبة 0.7 في المئة، بالمقارنة مع شهر أكتوبر الذي ارتفع فيه الإنتاج بنسبة 0.1 في المئة على أساس شهري وفق البيانات المعدّلة.

وحقق استهلاك الشركات نمواً بدرجة أكثر تفاؤلاً خلال الشهر الماضي، وسط توقعات مستقبلية أفضل للنمو.

وارتفع مؤشر ثقة القطاع الصناعي في شهر ديسمبر الماضي، إلى أعلى مستوى له في غضون عام، ومع ذلك، فإن أحدث المؤشرات من سوق العمل والتضخم لا تبشّر بالخير بالنسبة للتوقعات المستقبلية للوضع الاقتصادي الإيطالي، بعدما ارتفع معدل البطالة في شهر نوفمبر إلى 11.9 في المئة، وهو أعلى مستوى في نحو عام ونصف العام.

أما أسعار المستهلكين في العام الماضي، فقد سجلت تراجعاً بنسبة 0.1 في المئة على أساس سنوي، وهو الانخفاض السنوي الأول منذ عام 1959، عندما انخفض مؤشر أسعار المستهلكين بنسبة 0.4 في المئة.

أما بالنسبة للوضع في فرنسا، فإنه مشابه لما تعيشه إيطاليا، بحيث توافرت مؤشرات على عودة عجلة الأنشطة الاقتصادية إلى الدوران، عبر مختلف القطاعات.

وكانت آخر البيانات الاقتصادية قد أظهرت أن كلاً من الاستهلاك والاستثمار الخاص، كانا العاملين الرئيسيين وراء ارتفاع عجلة النشاط الاقتصادي، وهو الأمر الذي كان واضحاً خلال الربع الأخير من عام 2016.

ويبدو أن الفرنسيين، مثل الإيطاليين والبريطانيين، ضاقوا ذرعاً من التقشف الاقتصادي، وتجاهلوا حقيقة أن العام هو عام انتخابي، وبدأوا بالإنفاق الخاص.

وتجاهل الفرنسيون مخاطر تأثير الجبهة الوطنية بشكل كبير في نتائج الانتخابات الفرنسية، إذ من المحتمل أن يكون الشعب الفرنسي قد استفاد من تجربة الناخبين الأميركيين والبريطانيين وتعلّم منهم.

وأصبحت كل هذه الأنشطة الاقتصادية، أحداثاً أساسية وتطورات مهمة، انتبه إليها بعض المسؤولين في البنوك المركزية والحكومات في منطقة اليورو وأخذوا علماً بها.

ونحن نرى أن ذلك كله يعتمد على شكل السياسات الاقتصادية والخارجية، للرئيس الأميركي الجديد التي ستتبين ملامحها خلال الأسابيع المقبلة.

أما بالنسبة للأسواق المالية العالمية، فقد استسلمت لفكرة ارتفاع معدلات التضخم والفائدة مهما حصل، وهي تطورات لا يمكن إلا أن تكون جيدة للنمو الاقتصادي العالمي والأوروبي في السنوات المقبلة.

(@Rasameel)
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي