«الراي» عاينتْها بعدما «زارها» الثلج

بحمدون للكويتيين: عودوا... فرشنا لكم «السجاد الأبيض»

تصغير
تكبير
أسطة أبو رجيلي: لا بيع ممتلكات في محطة بحمدون... والكويتيون يشترون المزيد ويشيّدون بيوتاً جديدة

العلاقة الكويتية ـ البحمدونية ليست وليدة اليوم... بل تعود إلى ثلاثينيات القرن الماضي

بحمدون المحطة هي «الصالون» الذي يقصده الكويتيون من مختلف بلدات الاصطياف المجاورة

للأيام والأشهر المقبلة نحن متفائلون جداً لا سيما وأن الكويتيين متشوقون للعودة إلى أملاكهم

«صاحب البيت» ليس بحاجة إلى دعوة...«ففي جيبه مفتاح منزله وهو يأتي إليه متى أراد وأَحبّ»
عصفتْ رياح يناير، فتناثر الثلج وغطّى «الندف» الأبيض منحدرات بحمدون، مزنّراً بيوتها ومتوّجاً قرميدها وتاركاً مساحات قطنيّة شاسعة بين أشجار الصنوبر المنتشرة على المرتفعات وفي الوديان.

صبيحة انخماد الريح وانحباس المطر، ارتفعت بعد «استراحة» أول عاصفة ثلجية ضربت محطة بحمدون في مطلع هذه السنة، شمسٌ ساطعة أذابت الجليد الذي تشكّل على الطرق من دون أن تنال من بياضٍ حلّ «خفيفاً» على القلوب فلم يعطّل سبل الحياة. المدرسة وحدها فعلت، فامتنعت عن استقبال تلامذتها الذين لازم بعضهم جوار المواقد، فيما خرج آخرون لمعاندة البرد وبناء رجال من الثلج يدفئونهم بقبعاتهم ومعاطفهم الملوّنة.


من المرتفعات المقابلة لوادي لامارتين، تتراءى بيوت البلدة الجبلية التي تعلو نحو 1100 متر عن سطح البحر أكثر هدوءاً من المعتاد. صحيح أنها في العرف والتطبيق «مصيفٌ» يحتشد بالمصطافين في أشهر الصيف، إلا أن قصورها الفخمة وعماراتها الجميلة ـ الحديثة والأقل حداثة ببنائها المرصّع بالحجر الصخري ـ تبدو من بعيد مهجورة تماماً. عن قرب يصبح هذا الواقع أكثر وضوحاً للعيان، خصوصاً وأن مشهد الفنادق المقفلة والمحال التجاريّة التي تنتظر مَن يستثمرها ويملؤها حياةً تزيد من وقع هدوء «ما بعد العاصفة» المدوّي.

الشوارع الخالية من ناسها والمرور البطيء والمتباعد للسيارات في صعودها وهبوطها على الطرق الرئيسية والفرعية التي تربط أطراف البلدة وناسها في تَوزُّعهم على أحيائها، واقعٌ يُخبر عن حال البلدة التي «تشتاق» إلى «أحبائها» الكويتيين، أولئك الذين تصفهم أيضاً بالـ «محبّين»، وتمنحهم مرادفات أخرى من معجم عاطفة الأخوّة لتعرّف عنهم وتؤكد شوقها إليهم. شوقٌ كان أطاله البعد القسري عن لبنان بسبب الأوضاع الأمنيّة التي «حرمت» الكويتيين من العودة إلى ربوع «عاصمتهم» في «بلاد الأرز».

في صحراء «الثلج» التي نأى عنها الناس إلى دفء بيوتهم، يجلس صالح السعد وحيداً عند مفترق طرق بالقرب من صناديق الليمون التي يبيع ما تحويه لمارّة قلائل خرجوا لينعموا بدفء طبيعي ترفدهم به شمس يناير. البائع السوري، الذي يُحضر فاكهته الطازجة من سورية ليبيعها في تجواله على القرى والمدن، مداوِم على الحضور إلى محطة بحمدون منذ أعوام، وهو أيضاً يفتقد إلى زبائنه الكويتيين الذين يبيعهم في الصيف مشمشاً وبطيخاً وكرزاً وحبات مكتنزة من الخيار والبندورة. ولذا، هو يشكو لـ«الراي» ما لمسه من غياب غير معتاد للكويتيين عن بحمدون في الصيف، ليشير إلى أنه يتمنى أن يعودوا في أقرب وقت لأن وجودهم «برَكة وخير»، شارحاً أن «كويتيين كثراً يشترون من بضاعته، وهم أهل جود وكرم».

من حول السعد، البساط الأبيض الطويل مفروش للقادمين إلى لبنان من محبي بحمدون ليقضوا فيها فترات راحتهم واستجمامهم. أحد الأهالي الذين صادفتهم «الراي» على الطريق يشير إلى الفرح الذي يبثّه منظر الروابي المغطاة بالأبيض في النفوس، داعياً الكويتيين وكل العرب إلى العودة سريعاً إلى بلدتهم «فقد فرشنا لهم السجاد الأبيض».

رئيس بلدية محطة بحمدون أسطة أبو رجيلي يتحدث بلسان الشوق نفسه عن الكويتيين، فيشير عبر «الراي» إلى أن «العلاقة الكويتية ـ البحمدونية ليست وليدة اليوم، بل تعود إلى ثلاثينيات القرن الماضي وهي لا تُختصر بكونها علاقة (جيرة) بل عائلية بامتياز»، موضحاً أن «الجيل الثالث أو الرابع من إخوتنا الكويتيين الذين يتردّدون على لبنان يعرفون بحمدون أكثر مني، وهم يعتبرونها عاصمتهم في الصيف».

ويضيف: «تَواصُلنا مع الأخوة الكويتيين قديم ومتواصل أباً عن جد، لا سيما وأن بحمدون المحطة هي بمثابة (الصالون) الذي يقصدونه من مختلف بلدات الاصطياف المجاورة لارتياد المقاهي والتسوّق والتنزّه وتناول الطعام في مروحة متنوّعة من المطاعم، هذا فضلاً عن أن المسجد موجود هنا لأداء الصلاة. ولذا، فإن كل كويتي يشعر بأنه يقصد بلده عندما يحضر إلى لبنان عموماً وتحديداً إلى محطة بحمدون».

وينفي أبو رجيلي أن يكون أيّ من الكويتيين باع ممتلكاته في بحمدون خلال الفترة السابقة، التي دعت فيها دول خليجية عدة رعاياها إلى عدم القدوم إلى لبنان، بل «على العكس من ذلك تماماً، فالكويتيون الذين يملكون نحو 38 في المئة من الأراضي في البلدة، يشترون المزيد ويشيّدون بيوتاً جديدة لأن لا غنى لهم عن هذه المنطقة»، مضيفاً: «إن كان هناك مَن باع بيته فليشتري فيلا، أو باع فيلا ليشتري قصراً وهذه مسألة أخرى».

وإذ يعود بالذاكرة إلى العام 2004، يشير إلى أنه «كان ذروة اصطياف الكويتيين هنا في محطة بحمدون»، لافتاً إلى أنه «في أعقاب اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري في العام 2005، عاد الكويتيون إلى لبنان في 2006، لكننا وإياهم لم نهنأ بذاك الصيف مع اندلاع حرب يوليو. أما الأعوام التي تلت فشهدت صعوداً وهبوطاً، ما يوضح أن الاستقرار الأمني والسياسي في لبنان هو حاجة خليجية بامتياز قبل أن تكون لبنانية، لأن المصطافين الكويتيين لو جالوا العالم كله فإنهم يقصدون تلك الدول كسائحين، أما لبنان الذي يلقون فيه الحفاوة والمحبة وحرية الاعتقاد، فإنهم يأتون إليه كأهل ويتوجّهون إلى بيوتهم في المصايف لقضاء شهر أو اثنين أو ثلاثة». بفرحٍ يستطرد أبو رجيلي: «نحن أهل محطة بحمدون نعتبر أنفسنا أهل اختصاص في العلاقات الخليجية اللبنانية»، ثم يلفت إلى «أننا على تواصل دائم مع إخواننا الخليجيين الذين يرون أنهم حُرموا من الاصطياف في لبنان في الفترة السابقة».

وإذ يتوقف عند زيارة رئيس الجمهورية إلى «الشقيقة الكبرى للبنان المملكة العربية السعودية»، أكد «أننا نعقد الآمال على زيارة فخامة الرئيس إليها، خصوصاً وأنه لم يكن هناك أي سبب شخصي لعدم قدوم الأخوة الخليجيين إلى لبنان، وما حال دون مجيئهم كان عدم الاستقرار السياسي والأمني».

«للأيام والأشهر المقبلة نحن متفائلون جداً جداً»، هكذا يُطَمْئن رئيس البلدية بلهجة جازمة «لا سيما وأن الكويتيين متشوقون بدورهم للعودة إلى أملاكهم وأرزاقهم في لبنان، ونحن نتوقّع صيفاً يعيد الأيام الحلوة إلى مكانها الصحيح».

ولأن الكويتيين هم أصحاب البيوت، فأبو رجيلي لا يدعوهم إلى المجيء إلى لبنان ولا سيما حالياً في فصل الشتاء للتمتع بـ «الذهب الأبيض»، فـ «صاحب البيت» بحسب ما يقول، ليس بحاجة إلى دعوة، «ففي جيبه مفتاح منزله وهو يأتي إليه متى أراد وأَحبّ، خصوصاً أن لبنان هو البلد الذي يحب والمنطقة التي وُلد ربما فيها»، ويردف: «صحيح أن محطة بحمدون ليست منطقة تزلج، إلا أن الزائر الأبيض قد وصل، وبيوت الأخوة الكويتيين مُعدّة للتدفئة اللازمة، وبالتالي بإمكانهم الطلب إلى القيمين على منازلهم تجهيزها لحضورهم إلى بحمدون وقضاء وقت ممتع هنا».

ويختم أبو رجيلي: «تجربتنا مع الكويتيين تثبت اشتياقهم الدائم للعودة إلى لبنان، موطنهم الثاني، فبعد انتهاء الحرب اللبنانية التي غبنا بسببها لنحو 15 عاماً، كان الكويتيون أول مَن بدأ بترميم أبنيتهم وفنادقهم».

الكويتيون حاضرون دائماً في بحمدون

الكويتيون وإن غابوا جسدياً عن بحمدون، فإن أسماءهم تظلّ حاضرة دائماً فيها، خصوصاً أن البيوت التي ابتعد عنها أصحابها تناديهم بأسمائهم التي كُتبت عند مداخلها، والجيران الذين نشأوا جيلاً تلو آخر منذ ما قبل منتصف القرن الماضي في «المحطة» عاشوا حياةً مشتركة مع الكويتيين، وهم يعرفونهم بالاسم «أبو يوسف» و«أبو محمد» وآخرين، ويتحدثون عن جيران من آل الصباح وعبدالوهاب والقناعي مضى على «جيرتهم» عقود. ولذا يعربون عن سعادتهم بالتطورات السياسية التي عاشها لبنان أخيراً وتُوّجت بانتخاب رئيس جديد للجمهورية، وتشكيل حكومة أولى للعهد تحت عنوان الوفاق الوطني، فضلاً عن زيارة «فخامة الرئيس» ميشال عون للمملكة العربية السعودية ودولة قطر، بما يعنيه ذلك من عودة «الثقة» العربية بالاستقرار اللبناني وتوافد الأخوة العرب مجدداً إلى لبنان.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي