حوار / صدرت روايته الجديدة «أهداب» عن دار الساقي
رفاعية لـ«الراي»: غالبية الروايات العربية حالياً أشبه بتحقيقات صحافية

ياسين رفاعية (تصوير جوزف نخلة)


| بيروت - من محمد دياب |
لا يمكن احدا ان يقرأ رواية «اهداب» من دون ان تصيبه الدهشة، اذ سيجد نفسه امام فتاة مراهقة في زي مدرسي، تسعى لان تصبح لوحة على يد فنان شهير. «اهداب» كما تخيلها ياسين رفاعية قد لا تكون موجودة، وقد تكون امرأة الاحلام. ومهما يكن من امر، فان الرواية جميلة وتأخذك بعيداً في التخيل.
«الراي» قصدت رفاعية لتحاوره عن روايته الجديدة الصادرة عن دار الساقي، وكان هذا اللقاء:
• خرقت التقاليد الاجتماعية عبر وصفك علاقة جنسية جمعت فنانا كهلا بمراهقة لم تخلع زيها المدرسي بعد، ما ابعاد هذا الامر؟
- عندما يكتب المرء رواية ينظر الى العمل الفني اكثر من نظرته الى الحدث في ذاته. وعندما كتبت «اهداب» قصدت ان اكتب رواية محصورة في زمن محدد، موضوعها قد يكون متناولاً في الادب العالمي او العربي، لكنني حرصت اشد الحرص على ان اكتب رواية مختلفة. العلاقة بين طالبة رسم واستاذها الكهل موضوع شائع في المجتمع، والمهم ان يختصر الفن الحواجز بحيث لا يعود هناك فارق بين عمر الرسام وعمر محبوبته. قد يصح القول ايضاً ان هذه الرواية شعرية لأنني حرصت على ان تكون لغتها مختلفة عن بقية رواياتي، الامر الذي يؤكد ان التجربة هي محك الكاتب. بمعنى انه عندما يستمد الكاتب مادته من الواقع فانه يحصل على عجينة قوية للرواية. فكرت في هذه الرواية منذ زمن طويل، والرابط بين الطفلة هدباء التي ماتت في سن العاشرة والمراهقة التي دخلت حياة الفنان بعد عقود، هذا الرابط هو الاحساس بأن في الحياة شيئا ما لا نستطيع الامساك به. محور الرواية فتاتان، الاولى هدباء احبها البطل فتى ثم رحلت تاركة في قلبه جرحاً عميقاً، والثانية اهداب التقاها وقد تقدم في السن فأيقظت داخله الحب القديم. هنا، اود التوضيح ان الحدث الجنسي في الرواية غير مقصود في ذاته، فهو يحصل تبعا لتطور الاحداث وانطلاقا من اللقاءات اليومية والاحاديث بين الطالبة والفنان. في هذا السياق، تقول اهداب لصديقها الكهل انها تتحدث في المدرسة مع زميلاتها عن امور لا تخطر في باله. وهذا صحيح جداً، فلي صديقة لا تزال طالبة في الجامعة سألتها بحشرية الكاتب عما تتحدث مع اصدقائها فاجابتني «اخجل ان اخبرك عما نتحدث، ولكن من اجل روايتك سأخبرك، نحن نتكلم عن الامور الجنسية بلا اي محظورات». من هنا، ليس الجنس اساس الرواية بل الحب. يقول الفنان لأهداب «الفن يعزل الحب عن النشوة الجنسية»، وهذا ما حصل في الرواية.
• هل يمكن القول ان «اهداب» شخصية واقعية؟
- هي مزج بين الواقع والخيال. الواقع يكمن في ان جيل «اهداب» منفتح الى اقصى الحدود على كل شيء، على السينما والفنون والعلاقات الانسانية وحتى العلاقات السرية. دلالة هذه الرواية هي في الكتابة الروائية. لقد كتبتها واعدت صوغها مرات عدة. وكانت الغاية ان اكتب الرواية لا ان ارسم الشخصية. الرواية هي الاهم بالنسبة اليّ، وهمي ان تكون مختلفة عما كتب، خصوصاً في هذا الموضوع. المهم عند الفنان هو ان يخلص لعمله، اما التفاصيل الاخرى فدورها تغذية العمل الروائي شرط الا تخرج عن اطاره الزمني. وسيلاحظ القارئ ان رواية «اهداب» مكتوبة في حيز زمني ضيق جداً، هو زيارة السائح الخليجي للمعرض ومشاهدته اللوحة ثم عودته بعد يومين لشرائها. هنا يحدث التداعي الزمني الى الوراء، وانا حريص جداً في اي كتابة على دقة السياق الزمني، لئلا يشعر القارىء بأن في الرواية كذبا او مبالغة.
• التقدم في العمر يبدو حاضراً بقوة في هذه الرواية. هل تدخل هاجس الزمن عند ياسين رفاعية لدى كتابته اياها؟
- بالتأكيد. يخيل الي احيانا انها قد تكون آخر رواية اكتبها في هذه السن، فقد وصلت الى مرحلة عمرية يمكن ان ارحل فيها عن الدنيا في اي لحظة. كتبت رواية «اهداب» بهذه الروح، باحساس المتمسك بالحياة والمرتبط بالانسان. في بداية الرواية، لم يخطر في بال البطل ان يقيم علاقة مع الفتاة، وربما لم تحبه الفتاة الحب المألوف. لقد احبت فيه الفنان، احبت ان يخلدها بالفن. لذا، حرصت على ان يرسمها عارية، وكان هدفها ان تعرض اللوحة ويقال ان هذه الفتاة هي فلانة. ارادت ان تصبح انسانة مهمة في الحياة. كانت غايتي كلها ان اجعل اللوحة هي البطلة لا الفتاة، بدليل انني قلت «كانت هي اللوحة، وكانت هي الرواية». وكان لكل من بطلي الرواية «عصام» و«اهداب» غايته، الاول غايته ان يرسم اجمل ما في حياته والثانية غايتها ان تكون هي اللوحة.
• هل لهذا السبب تحولت «اهداب» لوحة زيتية؟
- نعم، التواصل والتقارب اديا الى ذلك. فـ «اهداب» بذكائها ادركت ان الفنان لن يستطيع ان يرسم اللوحة الفعلية ما لم تعطه نفسها، وهذا ما حصل. كان في البداية يحاول ويجد نفسه عاجزا عن رسمها. وفي النهاية، ادركت بذكائها الشيطاني انه لن يستطيع رسمها الا اذا اعطته نفسها، حتى لو كان ذلك رغما عنه. لكن العلاقة بينهما ظلت طاهرة ونقية رغم التواصل الجنسي، وشكلت اللوحة العارية ثمرة الرواية من اولها الى آخرها.
• الى اي حد يمكن الرواية ان تتجاوز الواقع؟
- الرواية عملية تخيل لكنها تستند الى ارض واقعية. ثمة روايات تبدو كتحقيق صحافي لانها تقتصر على السرد ولا خيال فيها. الرواية ليست كذلك. والمؤسف ان غالبية الروايات العربية حاليا هي عبارة عن تحقيق صحافي. الرواية فن وليست سردا، وهنا تكمن صعوبة العمل الروائي. لذا اقول ان تسعين في المئة من الروايات العربية ليست روايات. رواية «اهداب» مثلاً اشتغلت عليها ثلاثة اعوام كنت خلالها اكتب وأعيد. وحتى بعدما طبعت كان يمكن ان اعيد كتابتها.
• كيف تقرأ الآن رواية «اهداب» بعين نقدية؟
- اراها مفتوحة على اطر ونهايات عدة. بعد نشر الرواية قرأتها بلذة كبيرة اكثر من عشر مرات. واقول كقارئ كما قال نقاد عديدون ان هذه الرواية هي اجمل ما كتب ياسين رفاعية. هذا ما يجب ان تكون عليه آخر الاعمال. على العمل الاخير دائماً ان يكون الاجمل. قد اكتب رواية جديدة تتفوق على «اهداب» بجمالها، لكنني كناقد اراها رواية متماسكة جدا،ً الزمن فيها دقيق مئة في المئة من دون مبالغة في سرد العلاقة الجنسية. اعتقد انها رواية جيدة جدا تنطوي على عدد قليل من الثغر.
لا يمكن احدا ان يقرأ رواية «اهداب» من دون ان تصيبه الدهشة، اذ سيجد نفسه امام فتاة مراهقة في زي مدرسي، تسعى لان تصبح لوحة على يد فنان شهير. «اهداب» كما تخيلها ياسين رفاعية قد لا تكون موجودة، وقد تكون امرأة الاحلام. ومهما يكن من امر، فان الرواية جميلة وتأخذك بعيداً في التخيل.
«الراي» قصدت رفاعية لتحاوره عن روايته الجديدة الصادرة عن دار الساقي، وكان هذا اللقاء:
• خرقت التقاليد الاجتماعية عبر وصفك علاقة جنسية جمعت فنانا كهلا بمراهقة لم تخلع زيها المدرسي بعد، ما ابعاد هذا الامر؟
- عندما يكتب المرء رواية ينظر الى العمل الفني اكثر من نظرته الى الحدث في ذاته. وعندما كتبت «اهداب» قصدت ان اكتب رواية محصورة في زمن محدد، موضوعها قد يكون متناولاً في الادب العالمي او العربي، لكنني حرصت اشد الحرص على ان اكتب رواية مختلفة. العلاقة بين طالبة رسم واستاذها الكهل موضوع شائع في المجتمع، والمهم ان يختصر الفن الحواجز بحيث لا يعود هناك فارق بين عمر الرسام وعمر محبوبته. قد يصح القول ايضاً ان هذه الرواية شعرية لأنني حرصت على ان تكون لغتها مختلفة عن بقية رواياتي، الامر الذي يؤكد ان التجربة هي محك الكاتب. بمعنى انه عندما يستمد الكاتب مادته من الواقع فانه يحصل على عجينة قوية للرواية. فكرت في هذه الرواية منذ زمن طويل، والرابط بين الطفلة هدباء التي ماتت في سن العاشرة والمراهقة التي دخلت حياة الفنان بعد عقود، هذا الرابط هو الاحساس بأن في الحياة شيئا ما لا نستطيع الامساك به. محور الرواية فتاتان، الاولى هدباء احبها البطل فتى ثم رحلت تاركة في قلبه جرحاً عميقاً، والثانية اهداب التقاها وقد تقدم في السن فأيقظت داخله الحب القديم. هنا، اود التوضيح ان الحدث الجنسي في الرواية غير مقصود في ذاته، فهو يحصل تبعا لتطور الاحداث وانطلاقا من اللقاءات اليومية والاحاديث بين الطالبة والفنان. في هذا السياق، تقول اهداب لصديقها الكهل انها تتحدث في المدرسة مع زميلاتها عن امور لا تخطر في باله. وهذا صحيح جداً، فلي صديقة لا تزال طالبة في الجامعة سألتها بحشرية الكاتب عما تتحدث مع اصدقائها فاجابتني «اخجل ان اخبرك عما نتحدث، ولكن من اجل روايتك سأخبرك، نحن نتكلم عن الامور الجنسية بلا اي محظورات». من هنا، ليس الجنس اساس الرواية بل الحب. يقول الفنان لأهداب «الفن يعزل الحب عن النشوة الجنسية»، وهذا ما حصل في الرواية.
• هل يمكن القول ان «اهداب» شخصية واقعية؟
- هي مزج بين الواقع والخيال. الواقع يكمن في ان جيل «اهداب» منفتح الى اقصى الحدود على كل شيء، على السينما والفنون والعلاقات الانسانية وحتى العلاقات السرية. دلالة هذه الرواية هي في الكتابة الروائية. لقد كتبتها واعدت صوغها مرات عدة. وكانت الغاية ان اكتب الرواية لا ان ارسم الشخصية. الرواية هي الاهم بالنسبة اليّ، وهمي ان تكون مختلفة عما كتب، خصوصاً في هذا الموضوع. المهم عند الفنان هو ان يخلص لعمله، اما التفاصيل الاخرى فدورها تغذية العمل الروائي شرط الا تخرج عن اطاره الزمني. وسيلاحظ القارئ ان رواية «اهداب» مكتوبة في حيز زمني ضيق جداً، هو زيارة السائح الخليجي للمعرض ومشاهدته اللوحة ثم عودته بعد يومين لشرائها. هنا يحدث التداعي الزمني الى الوراء، وانا حريص جداً في اي كتابة على دقة السياق الزمني، لئلا يشعر القارىء بأن في الرواية كذبا او مبالغة.
• التقدم في العمر يبدو حاضراً بقوة في هذه الرواية. هل تدخل هاجس الزمن عند ياسين رفاعية لدى كتابته اياها؟
- بالتأكيد. يخيل الي احيانا انها قد تكون آخر رواية اكتبها في هذه السن، فقد وصلت الى مرحلة عمرية يمكن ان ارحل فيها عن الدنيا في اي لحظة. كتبت رواية «اهداب» بهذه الروح، باحساس المتمسك بالحياة والمرتبط بالانسان. في بداية الرواية، لم يخطر في بال البطل ان يقيم علاقة مع الفتاة، وربما لم تحبه الفتاة الحب المألوف. لقد احبت فيه الفنان، احبت ان يخلدها بالفن. لذا، حرصت على ان يرسمها عارية، وكان هدفها ان تعرض اللوحة ويقال ان هذه الفتاة هي فلانة. ارادت ان تصبح انسانة مهمة في الحياة. كانت غايتي كلها ان اجعل اللوحة هي البطلة لا الفتاة، بدليل انني قلت «كانت هي اللوحة، وكانت هي الرواية». وكان لكل من بطلي الرواية «عصام» و«اهداب» غايته، الاول غايته ان يرسم اجمل ما في حياته والثانية غايتها ان تكون هي اللوحة.
• هل لهذا السبب تحولت «اهداب» لوحة زيتية؟
- نعم، التواصل والتقارب اديا الى ذلك. فـ «اهداب» بذكائها ادركت ان الفنان لن يستطيع ان يرسم اللوحة الفعلية ما لم تعطه نفسها، وهذا ما حصل. كان في البداية يحاول ويجد نفسه عاجزا عن رسمها. وفي النهاية، ادركت بذكائها الشيطاني انه لن يستطيع رسمها الا اذا اعطته نفسها، حتى لو كان ذلك رغما عنه. لكن العلاقة بينهما ظلت طاهرة ونقية رغم التواصل الجنسي، وشكلت اللوحة العارية ثمرة الرواية من اولها الى آخرها.
• الى اي حد يمكن الرواية ان تتجاوز الواقع؟
- الرواية عملية تخيل لكنها تستند الى ارض واقعية. ثمة روايات تبدو كتحقيق صحافي لانها تقتصر على السرد ولا خيال فيها. الرواية ليست كذلك. والمؤسف ان غالبية الروايات العربية حاليا هي عبارة عن تحقيق صحافي. الرواية فن وليست سردا، وهنا تكمن صعوبة العمل الروائي. لذا اقول ان تسعين في المئة من الروايات العربية ليست روايات. رواية «اهداب» مثلاً اشتغلت عليها ثلاثة اعوام كنت خلالها اكتب وأعيد. وحتى بعدما طبعت كان يمكن ان اعيد كتابتها.
• كيف تقرأ الآن رواية «اهداب» بعين نقدية؟
- اراها مفتوحة على اطر ونهايات عدة. بعد نشر الرواية قرأتها بلذة كبيرة اكثر من عشر مرات. واقول كقارئ كما قال نقاد عديدون ان هذه الرواية هي اجمل ما كتب ياسين رفاعية. هذا ما يجب ان تكون عليه آخر الاعمال. على العمل الاخير دائماً ان يكون الاجمل. قد اكتب رواية جديدة تتفوق على «اهداب» بجمالها، لكنني كناقد اراها رواية متماسكة جدا،ً الزمن فيها دقيق مئة في المئة من دون مبالغة في سرد العلاقة الجنسية. اعتقد انها رواية جيدة جدا تنطوي على عدد قليل من الثغر.