وزير خارجية العراق السابق فتح خزائن الملفات الصعبة وقرأ الكثير عن المستقبل

هوشيار زيباري في حوار نهاية العام لـ«الراي»: خطفوا القطريين الـ 13 في العراق... ليطلبوا التفاوض مع «حزب الله» اللبناني ومقايضة «النصرة» بإطلاق معتقلين إيرانيين لديها...هل هذا يجوز؟

تصغير
تكبير
سمو الأمير تجاوب بشهامة مع طلب تأجيل سداد 4 مليارات دولار

لولا دعم الكويت لنا عربياً ودولياً لكنا حتى الآن محاصرين

وعدني الشيخ صباح بأنه سيكون أول مسؤول عربي يدخل العراق وزيارته لبغداد عملت على تهدئة النفوس والأجواء وسهّلت المفاوضات

سألت المالكي أليس من المفروض أن تعتقل البطاط زعيم «حزب الله العراق» الذي ضرب الكويت بالصواريخ؟ اعتقله لكنه أطلق سراحه لاحقاً

التحدي الأكبر بالنسبة لي هو كيف يمكن أن أمثل بلداً عربياً...وأنا كردي؟

لا أنسى دخولي والشيخ محمد الصباح يداً بيد إلى اجتماع الجامعة العربية ...كان مشهداً تاريخياً

تصدينا للثقافة الشعبوية الزائفة داخل العراق... كان هناك نَفَس يتهم شعب وحكومة الكويت بأنهما وراء مصائب العراق

ميليشيات ومجموعات مسلّحة وسياسيون حاولوا تعطيل مفاوضاتنا مع الكويت إلى حد اتهامي بالخيانة والرشا

عندما يكون هناك قرار إسلامي - عربي يتهم علي عبدالله صالح والحوثيين بضرب صواريخ على مكة المكرمة... هل يجوز أن نكون عكس السير؟

من دون حل سياسي ستستمر الحرب في سورية بأشكال مختلفة... وبقاء الأسد صعب

ترامب رجل أعمال وسيكون التعامل معه سهلاً على قاعدة «أعطني حقي أعطك حقك»

خادم الحرمين اتصل بالعبادي ودعاه إلى زيارة المملكة... وحتى الآن لا أعرف لماذا تلكأ؟

كانت قناعة السعوديين أن مَن يحكم العراق هم الأميركيون... قلت لهم إن العراق يحتاج إلى المملكة لأنه عربي وإن تخليتم عنه فإن إيران وتركيا ستتدخلان

حاول كثيرون عندنا تعطيل التقارب مع السعودية... فماذا تتوقع أن يكون الرد على نائب عراقي يقول إن «راكبي الجمال يريدون أن يعلمونا الديموقراطية»؟

في السنوات الأخيرة «غسل السعوديون أياديهم» بسبب تصريحات عراقية عمّقت الشعور بعدم استقلالية العراق

نعم كان هناك تحامل على السعودية وتجن عليها بأنها تدعم الإرهاب البعض من العراقيين قلبوا الدنيا في قضية نمر النمر وخرجوا في مظاهرات عدائية ضد السعودية وهددوا السفارة

أشهد أن المالكي شخصياً كان يريد خروج كامل القوات الأميركية

السياسات الطائفية لحكومة المالكي أدت إلى انتكاسة كبيرة

الوفد الإيراني من حرس ثوري وديبلوماسيين كان أول من بارك لمجلس الحكم تحت الحراب الأميركية

لا أحد يعارض العلاقة مع إيران لكن السؤال هل العراق سيد قراره أم لا؟
لم يكن الحديث مع وزير خارجية ومالية العراق السابق هوشيار زيباري عاديا، إن لجهة ما خبره الرجل على مدى سنوات من رحلته السياسية «الصعبة» في المرحلة «الأصعب»، التي شكلت خريطة لتطبيع العلاقات بالتدريج بين الكويت وبغداد، إثر جريمة الغزو التي اقترفتها يدا صدام حسين، ولإخراج العراق من «المأزق» الذي وضعه فيه رئيس النظام السابق، بتحويل العراق الى دولة منبوذة، مكبّلة بعشرات من القرارات الدولية تحت الفصل السابع.

السياسي المخضرم فتح لـ«الراي» خزائن الذاكرة ودفاتر الأيام الخوالي، من مقر إقامته في أربيل، وضع بإسهاب يده على «الجرح» الذي خلفه الغزو، وعلى المرحلة الصعبة التي بدأت اعتبارا من العام 2003.


بأريحية وشفافية تحدث الرجل، عن شهامة الكويت ممثلة بأميرها سمو الشيخ صباح الاحمد، الذي تجاوب مع طلب الحكومة العراقية تأجيل سداد أربعة مليارات دولار من التعويضات، الأمر الذي «أراح» ميزانية الدولة العراقية، وبالأريحية ذاتها وصف زيارة سمو الأمير الى بغداد التي عملت على تهدئة النفوس والأجواء.

العلاقات العراقية - السعودية لم تستقر ولن تستقر، هكذا فتح زيباري النافذة على هذه العلاقات، متسائلا: كيف يمكن إغفال دعوة الملك السعودي رئيس الوزراء العراقي لزيارة الرياض؟ مؤكدا أنه يبحث حتى الآن عن إجابة على السؤال: لماذا لم يلب حيدر العبادي دعوة الملك؟

ومن العلاقة مع الرياض الى العلاقة مع ايران، حيث يرى أن القرار العراقي لم يكن سيد نفسه، ومن طهران الى أنقرة حيث يؤكد أن لتركيا مطامع تاريخية في العراق.

هل هناك أمل في رؤية الضوء في نفق الأزمة السورية؟ يؤكد زيباري أن من الصعوبة أن تعود الاوضاع في سورية الى ما كانت عليه بعد الدمار الذي حصل.

ويبقى أن نسأل ونحن نحاور الرجل الشاهد على أهم مرحلة في عراق ما بعد 2003، والذي أدار ديبلوماسية بلد غير مستقر ومحكوم بجملة من المعطيات الأممية، هل كان المفاوض المقبول في علاقات العالم مع العراق والعرب؟ وهل كانت كرديته سببا للقبول ام التقاطع في علاقات بلده مع العرب، التي شكلت مرحلة مهمة من تاريخ العراق؟ وهل كانت هويته العراقية حاضرة قبل هويته الكردية؟

في ما يلي تفاصيل الحوار:

• كنت وزيراً لخارجية العراق في محطات عدة، في مجلس الحكم والحكومة الموقتة والحكومة الانتقالية وحكومتي نوري المالكي الاولى والثانية، والمنصف يقر بأن هناك ملفات متشابكة جدا واجهت العراق بعد العام 2003. ماذا في جعبة الوزير زيباري عن هذه المحطات، وكيف تصرف إزاءها؟

- لا شك في أن هذه المرحلة كانت من أصعب المراحل التي مرّ بها العراق، فقد كان دولة منبوذة في العالم جراء السلوكيات العدائية التي انتهجها صدام حسين والحروب التي خاضها، ولعل المرحلة الأصعب والأكثر مرارة كانت في غزوه الكويت، الأمر الذي استدرج عشرات القرارات الدولية الملزمة من قبل مجلس الأمن، ناهيك عن ضغوط تواجد قوات أجنبية على الأراضي العراقية، وهو تواجد مشرعن بقرارات من مجلس الأمن على أنه احتلال.

هذه لمحة عن ظروف تلك الفترة، ما يطرح السؤال: كيف تدير ديبلوماسية بلد وأنت محكوم بجملة من المعطيات الأممية، والبلد غير مستقر، إضافة الى وجود نخبة سياسية جديدة تعمل على تنمية مصداقيتها مع العالم، كيف تتصرف لتكون عضوا مسؤولا في الأسرة العالمية يلتزم بالقانون والتعهدات الدولية؟

لا شك في أنها كانت تحديات هائلة عليك مواجهتها بشفافية، ومن هنا يمكن القول أن اي منصف للتاريخ العراقي الحديث يقر بحجم وهول خلافات العراق مع كل دول الجوار، جراء تراكمات ما فعله صدام حسين، الى حد أن العراق لم يتمكن من الوفاء بالتزاماته تجاه المنظمات الأممية التابعة للأمم المتحدة، ولم يسدد ما يتوجب عليه تجاهها. وباختصار من المنطقي القول أن سياسات صدام حسين أوصلت البلد الى مرحلة الانحطاط.

• كيف كانت البداية مع هذا الكم الكبير من التداخلات الاقليمية والدولية، وفي ظل مواقف متباينة وقرارات ملزمة؟

- بدأنا العمل بهدوء وترو، وتشرفت بتحمل المسؤولية ككردي عراقي.

بالنسبة لي كان التحدي الأكبر هو كيف يمكن ان امثل بلدا هو جزء من منظومة العمل العربي المشترك وأنا كردي؟ سياستنا كانت تمثل بناء دولة، والعودة الى المحيط العربي، وخطوتها الأولى العودة الى الجامعة العربية.

في البدايات كان مجلس الحكم هو من يمثل العراق، وكان أحد أسباب الخلاف بين الدول العربية في النظرة اليه، وكان السؤال: هل لدى جماعة مجلس الحكم مشروعية أم أنهم يفتقدونها، خصوصا وأن البلد كانت تحكمه قوات أجنبية.

وهنا أذكر للتاريخ الدول التي وقفت معنا وعلى رأسها دولة الكويت، إضافة الى التفاعل الايجابي من قطر والمغرب وتونس والجامعة العربية على وجه العموم، ويحضرني في هذا المقام موقف تاريخي، حين زرت اخي الشيخ الدكتور محمد الصباح في مقر اقامته (حينما كان وزيرا للخارجية الكويتية) خلال أحد اجتماعات الجامعة العربية، وذهبنا سويا يدا بيد الى الاجتماع، ولا أستطيع نسيان ما شكله هذا المشهد من رمزية ودلالات معنوية كبيرة هيّأت لنا وساهمت في تيسير إمكانية العودة الى الجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الاسلامي ومجموعة دول عدم الانحياز والامم المتحدة، وكانت أول خطوة لبناء دعم عربي دولي لمساعدة العراق في مجلس الامن.

ومع توالي الأيام، توسع العراق في تمثيله الديبلوماسي وبدأنا نسترجع علاقاتنا مع الدول الأخرى. وبصراحة لا بد من الاقرار بان أهم ما شغلنا في تلك الفترة هو المحافظة على استقلالية القرار العراقي، بغض النظر عن الحكومات التي شاركت فيها وزيرا للخارجية، حيث كان ديدني المحافظة على التضامن العربي ومراعاة مصالحنا اولا والقرارات التي تعني العراق. ولا بد من الاقرار أيضا بان الجانب الشخصي مهم في العلاقات والتواصل والمساندة والوقوف مع قضايا الاخرين، وليس فقط مع قضايانا اومصلحة بلدي.

• بحكم منصبك كنت المفاوض في كافة الملفات مع دولة الكويت، وأنت تدرك حجمها مع تداعيات الغزو. كيف تعاملت مع هذه الملفات؟

- فعلا كانت ملفات كبيرة وكثيرة. لقد كان هناك أكثر من 40 قرارا ملزما علينا تنفيذها، والملف الأكبر كان ما يسمى بالحالة بين العراق والكويت، ومن ضمنها أيضا التعويضات ومسائل البيئة وصيانة العلامات الحدودية والاسرى والمفقودون والممتلكات الكويتية، وهي قرارات ملزمة دوليا تحت الفصل السابع.

بدأنا التحرك ونحن نتوسم في تحقيق المصداقية، وكان علينا اولا العمل على ملف الحالة بين العراق والكويت، لكن السؤال كان كيف سنتحرك؟

كانت هناك زيارات ولقاءات كثيرة، ومن العدل والإنصاف القول أنه كان هناك دعم كويتي لنا في كل المحافل، وأشهد للمسؤولين في دولة الكويت وقوفهم معنا، وقد استغرق الأمر نحو سنتين حتى استقرت الأمور بحكومة دستورية منتخبة، بعدها بدأت الزيارات الكويتية للعراق، وشكلت لجنة وزارية عليا برئاسة وزيري الخارجية في البلدين لمعالجة الامور العالقة.

من الطبيعي الاعتراف بأنه كان هناك نفس داخل العراق يتهم شعب وحكومة الكويت بأنهما وراء مصائب العراق. لقد كان علينا التصدي حكوميا وسياسيا لهذه الثقافة الزائفة والشعبوية. لقد كانت هناك شخصيات وزعامات سياسية، عدا الكردية، تمثل تحديا اكبر لنا في بعض المواقف.

لقد تعاملنا مع كل الملفات التي تركها النظام السابق لاغلاقها بمهنية، ومن الطبيعي أن تكون هذه الملفات باسم الدولة العراقية وليس باسم صدام حسين أو حزب البعث، ومن المنطقي الاعتراف بأنها كانت تواجه بتململ من قبل بعض الوزراء والبرلمانيين العراقيين، بحجة أنهم غير مسؤولين عن كل تلك الملفات التي تسبب بها صدام حسين، ويتساءلون: لماذا تتحمل الدولة العراقية تبعات ما ارتكبه صدام نتيجة غزوه الكويت، وأنه هو من ارتكب فعلة الغزو والغدر بالكويت وبالعراقيين، وكنت اقول لهم بأن هذا قانون دولي وتوجد التزامات قانونية دولية على العراق، على من يحكم العراق أيا كان، ونحن ملزمون بالوفاء بها، لأن ذلك هو مفتاح العراق للخروج من مأزقه، وتسوية الخلافات مع دولة الكويت، ولقد بدأنا العمل لصيانة العلامات الحدودية وتعويض المزارعين العراقيين وانشاء مجمع سكني للمزارعين العراقيين في مدينة ام قصر، والالتزام بالقرار الدولي في مسألة الخطوط البحرية والملاحة في خور عبد الله. لقد كان العمل كثيرا ويحتاج الى مجهودات كبيرة.

• ما اهم الملفات التي حسمت؟

- طلبنا من الاخوة في الكويت العمل على تشكيل لجان مشتركة للعثور على المفقودين الكويتيين، رغم أن قناعتنا كانت تميل الى أن صدام حسين صفى الجميع، لكن كانت تراودنا، على الأقل أمنية العثور على اثر للضحايا، وتحول الملف من الفصل السابع الى السادس، وكان مكتب الامم المتحدة في بغداد يتابع، وسلمنا كل الاتفاقيات المعقودة بين العراق والكويت الى مجلس الامن بالتعاون مع دولة الكويت، ما ساهم في الغاء المواد التي تخص اسلحة الدمار الشامل وفك الحصار، وفي عام 2010 أصدر مجلس الامن ثلاثة قرارات دولية لمصلحة العراق والغى القرارات السابقة وباتفاق مع دولة الكويت، ورجع البلد معافى وبدأت الدول تتعامل مع بغداد خارج القيود الدولية، ولولا ضغط بعض الدول ومنها الكويت في المحافل والاجتماعات الدولية لكنا لانزال محاصرين.

• سلكت المفاوضات بين بغداد والكويت طريقا طويلة. ما المواقف والصعوبات التي واجهت الطرفين؟ وكيف ساعدت الكويت العراق؟

- خلال فترة عمل اللجان حصل الكثير من التداخلات من قبل ميليشيات ومجموعات مسلحة وسياسيين، لتعطيل الخطوات التي عملنا عليها، وصلت الى حد اتهامي بالخيانة والرشا. لكننا تحملنا، ولم يكن أمامنا من سبيل سوى الالتزام بالقرارات الدولية لننتقل من مرحلة الى أخرى، وتشرفت بالعمل على انقاذ بلدي من الاحكام الدولية والتصدي للموجات المغبرة وأصوات الماضي، التي كانت تخرج بين الحين والاخر.

الاخوة في الجانب الكويتي كانوا متفهمين وصبورين جدا جدا. كانوا يعرفون التعقيدات وخصوصا سمو الأمير الشيخ صباح الأحمد، الذي لم تكن هناك حدود لديبلوماسيته وإدراكه وتفهمه الأمور وحكمته، فقد سألني سموه مرة عن طبيعة المشكلة التي نعانيها حتى يساهم في وضع الحلول، فأفدت سموه بأن المشكلة في الثقة، وهناك تراكمات قديمة نريد حلها اليوم قبل الغد، لكن علينا اقناع الجميع بأنها قرارات ملزمة وليس الأمر بيدنا او بيد دولة الكويت.

لقد كلفت رسميا من قبل حكومة بلادي بلقاء سمو الأمير لطلب تأجيل سداد مبلغ 4 مليارات دولار من التعويضات، فتجاوب سموه مع الطلب بأريحية وشهامة، وقال لي سموه «أتمنى أن تصلوا الى مرحلة الكفاية التامة، وأنتم لا تحتاجون والله أنعم عليكم بخيرات كثيرة وثروات طبيعية وإن شاء الله لا تحتاجون أحدا»، وقد تفضل سموه بتأجيل السداد لسنتين، الأمر الذي ساعد موازنة الدولة العراقية على القيام بأعبائها.

وأذكر أيضا أنني قابلت سموه مرة أخرى ودعوته الى قمة بغداد، ووعدني بانه سيكون أول مسؤول عربي سيدخل العراق، وبزيارته هدأت النفوس والاجواء وساعدت المفاوضين على المضي بشكل أفضل في تناول الامور، لقد كان موقفا تاريخيا وجود سمو الامير شخصيا في بغداد.

• كيف تعاملت الحكومة العراقية مع الجانب الكويتي بعد أن ضرب «حزب الله» العراقي بصواريخه الكويت؟

- رد فعلي الاولي كان إدانة ما حصل، وتأكيد أن هؤلاء مخربون يضربون دولة ذات سيادة، وكان لا بد من أن أستوضح الحكومة (العراقية) ما إذا كانت مع هؤلاء في فعلتهم، خصوصا وأن مسؤولهم واسمه واثق البطاط كان يصرح في الاعلام دون قيود، وهنا سألت رئيس الوزراء نوري المالكي «أليس من المفروض أن يعتقل هذا الشخص لأنه يمس علاقتنا مع دولة الكويت؟»، ولم أتأخر عن إرسال توجيهات الى البصرة لاعتقاله، وفعلا تم ذلك لكن ليطلق سراحه فيما بعد.

اما على صعيد الجانب الكويتي، فقد طمأنتهم الى أن هؤلاء الفاعلين لا يمثلون الحكومة وهم جماعة تخريبية هدفهم الاستفزاز، آملا أن لا يؤثر ذلك على مسيرتنا، ومتمنيا استكمال ما بدأناه، وكان الجواب من الكويت طيبا حيث اعتمدوا على كلامنا، لأننا حين نقول كلاما يجب أن نفعله ويجب أن تتخذ موقفا حاسما.

والحديث عن البطاط يقود الى الحديث عن القطريين الـ13 الذين أتوا العراق مع أحد شيوخهم للصيد وبموافقة الحكومة العراقية ووزارة الداخلية، وبحماية من سيارات الشرطة، ومع ذلك تم اختطافهم، ليصار بعد ذلك الى طلب التفاوض مع «حزب الله» اللبناني وجبهة النصرة، من أجل إطلاق سراح معتقلين ايرانيين لدى «النصرة» مقابل إطلاق القطريين المختطفين، ألا يؤدي ذلك الى التساؤل أين هو البلد؟ في الحقيقة لم يتخذ أي إجراء تجاه خاطفي القطريين، وقبله البطاط الذي أطلق سراحه.

وطالما أننا في هذا الجو، أذكر أن وزارة الخارجية استضافت في عام 2007 اول اجتماع في مقرها وحضرت وفود من الكويت والسعودية وايران وسورية والاردن وجامعة الدول العربية، وخلال الاجتماع سقط صاروخ على مبنى الوزارة وآخر انفجر خارج المبنى، وتزامن ذلك مع حديث نائب الامين العام للجامعة العربية، ومن باب المزاح قلت له «مع الاسف هذا ليس راميا جيدا» فضحك الجميع ولم يتأثر الاجتماع.

• ماذا عن العلاقة مع المملكة العربية السعودية التي لم تتحسن على امتداد خمس حكومات عراقية؟ ومن وراء استمرار الخلافات رغم التمثيل الديبلوماسي بين البلدين؟

- حصلت لقاءات بين البلدين في عام 2003، واول لقاء كان في ماليزيا وضمني مع اعضاء من مجلس الحكم الى الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز وكان حينها وليا للعهد، ووزير الخارجية الراحل الأمير سعود الفيصل. كان اللقاء شفافا وتناولنا مختلف الامور وتبادلنا وجهات النظر، وأنصتنا باهتمام الى الملاحظات السعودية التي ألحت على وجوب أن تكون لدينا سلطة وسيادة، كون أن من يحكم البلاد هم الأميركان، وكان ردي أننا حاولنا كثيرا تغيير النظام الذي جثم على صدر البلاد، وأن القوات أتت من كل العالم لتحرير العراق، من دول صديقة وحليفة، وبمساعدة من السعودية، وطلبت من الوفد السعودي دعمنا في الوضع الجديد وأن لا يتركونا في وضعنا، سيما وأن بيننا مصالح مشتركة. وبصفتي وزيرا للخارجية تواصلت مع المملكة للقناعة بأهمية دورها، ودائما ما كنت أقول للمسؤولين السعوديين عندما التقي بهم بان العراق يحتاج المملكة لانه عربي، واذا تخليتم عنه فإن ايران وتركيا ستتدخلان، لكن مواقف وتصريحات سيئة ظهرت من برلمانيين ومسؤولين عراقيين في اجتماع لجنة وزارية في الجامعة العربية لمتابعة اوضاع العراق، وكنت لحظتها أعرض ايجازا عن تطورات الاحداث في العراق، عندما نقل احد اعضاء الوفد السعودي كلاما عن احد العراقيين مفاده أن هؤلاء (يقصد السعوديين) راكبو جمال يريدون ان يعلمونا الديموقراطية، وسألني الديبلوماسي السعودي ما إن كنت قد قرأت التصريح، فأجبته بنعم، واستطردت بتأكيد أنه لايمثل رأي الدولة العراقية، وانا امامك هو من يمثلها، واعتذرت علنا نيابة عن الدولة العراقية. هذه النماذج كثيرة، فحينما كنا نتحرك لتطبيع العلاقات مع دولة الكويت كانت تخرج علينا ميليشيات بالتصريح العدائي.

ولا بد من الإشارة الى أن العلاقات مع السعودية لم تستقر ولأسباب متبادلة، فانا لا أحمل بلدي المسؤولية كاملة، والمملكة تتحمل قدرا من المسؤولية، لقد قدم مسؤولون سعوديون الى بغداد مرات كثيرة وطلبنا فتح سفارة وكنا نتلقى الوعد بذلك دون أن يحصل، كانت محاولاتنا هائلة جدا، وفي السنوات الاخيرة «غسل السعوديون أياديهم»» بسبب تصريحات عراقية عمقت الشعور بفقدان استقلالية القرار العراقي، بعد أن تحامل هؤلاء كثيرا على السعودية وتجنوا عليها باتهامها بأنها تدعم الارهاب، وطبع المتجنون الخلاف بطابع طائفي واضح.

• لكن ألا يشكل التمثيل الديبلوماسي مرحلة مختلفة في العلاقات؟

-صحيح، فتحت سفارة سعودية وحضر السفير، لكن التعامل مع السعودية من الطرف العراقي لم يكن وديا. اذكر حادثة وقعت في تحديد مكان يليق بالسفارة، وكانت توجد فيلا كدار ضيافة في المنطقة الخضراء لاستقبال الوفود وجهزت بأثاث وثريات وورق الجدران، وهي كانت مناسبة لأن تكون مقر سفارة. وطلب مني (حيدر العبادي وابراهيم الجعفري) تحديد مكان للسفارة وقررا ان تكون الفيلا مقرا، حينها كنت وزيرا للمالية وقلت سأعطيكم المفاتيح بعد ان اجد مقرا بديلا لي، وكان العبادي يلح كثيرا فقلت له قبل وصول السفير السعودي اسلم المفاتيح.

وحضر المسؤول الامني السعودي وعاين المواقع واختار الفيلا، التي تقع خلف السفارة الأميركية والتقط لها صورا، وقال أن كل شيء جاهز، فقط نأتي ونبدل ملابسنا ونبدأ العمل، لكن السفير تأخر في الحضور، وبعد فترة استمر صاحبنا (ابو احمد ابراهيم الجعفري) بالاتصال يوميا مصرا على تسليم المفاتيح، وسألته عن سر هذا الالحاح، مؤكدا بأنني سأعطيه مفاتيح الفيلا، فرد علي وقال أنه يريد الاثاث. استغربت حين سمعت هذا الكلام، وسلمت المفاتيح وبعدها بأيام وصل وفد السفارة وذهب مباشرة الى الفيلا لكن لم يجد الاثاث ولا حتى الأدوات الصحية ولا الكهربائية، وحتى البراغي، واتصل بي أحد أعضاء الوفد السعودي قائلا إن المكان كان جاهزا، لكن يبدو أنكم انتم لا تريدون أن نأتي، وسنحجز في فندق الرشيد.

وحين وصل السفير السعودي وقدم اوراقه توسطت 4 مرات لدى رئيس الوزراء لمقابلته، وبعد مضي ثلاثة أشهر التقاه. من غير المعقول التعامل مع الدول هكذا، وبعدها أثيرت قضية نمر النمر، وقلبوا الدنيا في بغداد وخرجوا في مظاهرات وشعارات عدائية ضد السعودية مع إطلاق تهديدات للسفارة.

حقيقة يمكن القول أن العلاقات مع السعودية لم تستقر، رغم أن هذه العلاقة مهمة بالنسبة للعراق.

أبوح بسر آخر. الأشقاء في السعودية لم يبخلوا في الاتصال برئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، تم ذلك أثناء إحدى جولات الرئيس الأميركي بارك أوباما على دول الخليج، حيث كان يطلب دعم رئيس الوزراء العبادي في عمليات تحرير المدن واعادة الاعمار ودعم الاستقرار. الملك سلمان بن عبدالعزيز نفسه اتصل بالعبادي، معبرا عن دعمه له وحرصه على استقرار الأوضاع في العراق، ودعاه الى زيارة المملكة قائلا له أنها بلده الثاني. إن مثل دعوة ملك السعودية لا يمكن إغفالها نظرا لمكانة المملكة والملك، وعندما تأخر العبادي في تلبية دعوة الملك سألته عن السبب، مؤكدا له ان زيارته فرصة ثمينة لا تعوض، فقال أنه كان ينوي الذهاب الى الرياض، لكنه يرى إمكانية الحديث مع المسؤولين السعوديين من خلال وفد وزاري يقوم بزيارة العراق. لكن السؤال الذي لم أجد له جوابا هو لماذا تلكأ العبادي عن تلبية الدعوة الى الزيارة، رغم أن العلاقات طبيعية بين البلدين، والسفير السعودي موجود في بغداد، لماذا كان اصرار العبادي على ان ياتي وزير او ولي العهد او ولي ولي العهد؟ قلت للعبادي بأنني سأفاتح المسؤولين السعوديين بأمر ارسال وفد رسمي من قبلهم الى بغداد، لكنني أفهمته في الوقت نفسه بأن عدم تلبية الزيارة عناد، واكدت له بان هذه الفرصة يجب ألا تفوت، وهذا واحد من الامثلة.

العلاقات العراقية - السعودية لم تستقر ولن تستقر وتحتاج الى ارادة سياسية قوية من قبل الحكومة العراقية، وخاصة بعد وجود علاقات ديبلوماسية وبعثة في البلدين وعلم سعودي في بغداد وبعثة في الرياض، لكن ما يمكنني قوله حاليا بان العلاقات ليست على ما يرام.

• نتطرق الى انسحاب القوات الأميركية من العراق. هناك سياسيون كانوا معترضين على الإنسحاب، فإلى الى أي حد كان الانسحاب صائبا؟

- التحدي الاكبر كان في تواجد القوات الاجنبية، وكيف نستطيع التوصل الى اتفاق لتنظيم عملها او انسحابها، وبدأنا مفاوضات جادة وحيوية منذ عامي 2006 و2007، وتوصلنا الى اتفاقية لسحب القوات الأميركية والاجنبية تدريجيا، على أن تنسحب كل القوات بحلول عام 2011. في المقابل كانت هناك زعامات سياسية عراقية وجنرالات اميركيون يرفضون الانسحاب وبقوة. والان يدور جدل في أميركا حول الانسحاب، وهناك اتهامات وجهت لادارة اوباما بأنه سحب القوات مبكرا ولم يكن من المفروض أن تنسحب بهذه السرعة. انا أشهد أن المالكي شخصيا اراد ان تخرج كافة القوات، وكانت مواقفه تدور في هذا الاتجاه، كانت حادة وصارمة، على الرغم من أن وجود القوات كان فيصلا في حل المشاكل وخاصة بعد نجاح الخطة العسكرية وهزيمة واخراج تنظيم القاعدة من بغداد والانبار، وتدريب القوات العراقية وانشاء الصحوات. هذا جعل الحكومة العراقية في موقف قوي جدا وأعطى دفعة لهذه الانتصارات أن تستمر. كان هناك رأي عراقي يؤكد الحاجة لمتابعة تدريب وتأهيل القوات العراقية حتى لا تنتكس. اما الرأي الاخر فكان يضغط باتجاه الالتزام بالمواعيد الزمنية لانسحاب القوات الأميركية. اما الجانب الاميركي فكان منقسما. الطاقم المدني مع الانسحاب بعد تسلم اوباما الرئاسة تحت شعار انهاء حرب العراق، اما العسكريون ممن عملوا في العراق فكانوا يعرفون حساسية الاوضاع وانها غير مستقرة ويقولون انهم يحتاجون الى قوة ليست كبيرة للمراقبة والمتابعة ولمنع عودة تنظيم القاعدة والجماعات التكفيرية، وأن هناك دلالات لظهور تنظيم داعش. وبين اصرار العسكريين الاميركيين على بقاء جزء من القوات، وإصرار المالكي على خروج آخر جندي، توصلت إدارة الرئيس أوباما الى قرار يتمحور حول محاولة ابرام اتفاقية جديدة مع الحكومة العراقية حول حصانة قواتهم، لكن المالكي رفضها وأصر على رفض أي اتفاقية أخرى، وهنا اضطر أوباما الى سحب القوات مع عدم منح الحصانة. حتى الان يلوم الأميركيون انفسهم ويقرون بانهم اخطأوا في ذلك الوقت بعد العد العكسي لتردي الاوضاع في العراق والذي بدأ في عام 2012، بعد ان وجدت حكومة المالكي نفسها انها قوية والغيت الصحوات وعملت على توترات مع اقليم كردستان، وتم الانقلاب على كل المنجزات التي حصلت، وبدأت التظاهرات مع انطلاق «الربيع العربي» في المنطقة وكان المالكي يعتقد انه مستهدف، وهناك من يريد ان ياخذ السلطة منه. لقد أدت السياسات الطائفية والانفرادية لحكومة المالكي الى انتكاسة كبيرة.

• ظلت العلاقات الايرانية - العراقية مستقرة منذ عام 2003. ما دور ايران وتأثيره في القرار العراقي؟

- حتى يكون الإنسان منصفا، لا بد من الإقرار بان هناك فرقا بين موقف ايران والدول العربية في تشيكل مجلس الحكم وداخل المنطقة الخضراء بحراسة قوات اميركية. اول وفد بارك لمجلس الحكم تحت الحراب الأميركية كان الوفد الايراني المكون من الحرس الثوري و(إطلاعات) وديبلوماسيين حضروا الاجتماع بوجود الاميركان وقدموا تهنئة للشعب العراقي، واول رئيس اسلامي زار العراق كان احمدي نجاد.

الدور الايراني مؤثر، ولا احد يعارض هذه العلاقة بين البلدين، لكن السؤال هو هل العراق سيد قراره أم لا؟ وهل قراراته مستقلة، على الرغم من العلاقات التاريخية والدينية بين البلدين ومع حدود مشتركة تمتد على مسافة 1300 كيلومتر. إن غالبية أعضاء المعارضة العراقية السابقة متواجدون في ايران. وثانيا لا بد من التنويه الى الزيارات الكثيرة إلى ايران التي يقوم بها العراقيون، هناك تشابك في العلاقات العائلية والاقتصادية، وايران تبيع الكهرباء لنا. إن للايرانيين مصالحهم وهم يدافعون عنها، لكن لا بد من الاقرار بأن المهم والأهم أن تكون العلاقات مبنية على الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية وعدم التاثير على القرار السياسي، هذا هو المهم، وهو يعتمد على تصرف الحكومة او ممثليها.

اضرب لك مثلا، ما حصل في استقبال الحوثيين، حيث كان الهدف «إغاظة الآخرين» من خلال التدخل في قضايا أخرى ليست مهمة. وأؤكد مجددا ضرورة استقلالية القرار والموقف، وأتساءل أنه حين يكون هناك قرار اسلامي عربي يتهم علي عبد الله صالح والحوثيين بضرب صواريخ على مكة المكرمة، هل تذهب خارج السرب وحدك؟ هذه الامور حين تربطها وتحللها تؤكد انك ليس صاحب القرار. عليك أن تحافظ على مصالحك وعلى توازنك واستقلاليتك، لكن هذا لم يحدث. انا أتساءل ما هي مصلحة العراق في أن يستضيف يوميا وفدا من الحوثيين، مع كل تقديرنا لهم ولحقوقهم، إن العالم لن يتعامل معنا بعد الذي حصل.

• بداية اللقاءات الرسمية بين طهران وواشنطن بدأت من بغداد؟

- كانت هناك قطيعة بين الامريكان وايران، ومع عمليات فرض القانون في بغداد والانبار لطرد تنظيم القاعدة، تواتر اقتراح أميركي بالتواصل مع دول الجوار، وضرورة أن تتعاون كل من سورية وايران وتركيا والسعودية، فحصل اجتماع لدول الجوارعلى مستوى سفراء ووكلاء وزراء في بغداد وبحضور الاميركان وسفراء الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الامن. بعدها تم عقد اجتماعات 5+1 في العراق حول الملف النووي الايراني، ولاول مرة جمعنا الأميركان والايرانيين في بغداد بعد قطيعة بدأت منذ عام 1979، وحصلت لقاءات بين سفرائهم، وتكررت اللقاءات في بغداد وساهمت في كسر الجليد بين واشنطن وطهران.

لقد كلفت برئاسة بعثة الشرف مع الرئيس الايراني احمدي نجاد خلال زيارته للعراق، وانا اجيد اللغة الفارسية وكنت مرتبكا بسبب الحساسية مع الاميركان على الرغم من التنسيق مع الجانب الاميركي، وان لايحرجونا في نقاط التفتيش حين ندخل ونخرج، وكنت اطمئن الرئيس نجاد دائما بان الامور تحت السيطرة. وفي إحدى المرات تأخرنا أمام نقطة تفتيش الدخول الى المنطقة الخضراء التي هي بيد الاميركان من جهة الجسر المعلق. قلت إذا كان التأخير خمس دقائق فلا مشكلة في ذلك، لكننا تاخرنا نحو 10 دقائق فاتصلت هاتفيا بالمنسق الاميركي وسألت هل هناك مشكلة، إن في رفقتي رئيس دولة، لماذا التاخير؟ فرد علي بان المشكلة في الجنود الاميركان الذين يريدون التقاط الصور مع الرئيس نجاد، وهنا قلت له (نجاد) هل رأيت كم انت محبوب عند الاميركان؟

حقيقة كانت علاقتنا بالرئيس نجاد جيدة، والايرانيون عقلانيون ينظرون الى مصلحة بلدهم التي تاتي في المرتبة الاولى، وحين حصل الانقلاب في تركيا فإن «جماعتنا» كادوا يرقصون فرحا، لكن ايران اول من وقف مع اردوغان، لا تفكير لدى جماعتنا في مصلحة بلدهم، فقط عواطف ومشاعر ومسائل ذاتية واسقاطات، مع الاسف الشديد.

• الازمة السورية الى اين وما مصير بشار الاسد؟ وهل توافق على الانحياز الرسمي العراقي للأسد؟

- التوجه الدولي كان اسقاط وتغيير نظام بشار الاسد، والان ظهر مصطلح تخفيف النزاع وفتح ممرات انسانية. لكن عمليا فإن من الصعوبة بمكان أن يستقيم الوضع في سورية، لان النظام سبب استمرار الحرب منذ عام 2011 والى الان، ومن الصعوبة أن تعود الأوضاع في سورية الى ما كانت عليه بعد هذا الدمارالذي حصل، وبسبب الانقسام والطائفية. القوة العسكرية لن تحل الامر رغم وجود روسيا وايران، الان وضع النظام افضل وعمليا هو مسيطر على نحو 80 في المئة من السكان، لكن في تقديري فإنه من دون حل سياسي ستستمر الحرب باشكال مختلفة، وسورية لن تستقر وبقاء الاسد صعب في تقديري بعد الذي حصل.

حين تكلم العرب عن اخراج سورية من الجامعة العربية انا عارضت في تلك الفترة، كنت وزيرا للخارجية وحين اصبح الكلام قرارا تحفظت وامام كل العالم وهذه شهادة للتاريخ، كان المفروض ان يكون للعراق موقف معتدل.

نحن مع سورية جاران أبديان والانظمة تاتي وتذهب لكن الشعوب تبقى، فلذلك يجب ان يكون لدينا خط متوازن بين مصالحنا الانية والامنية الحالية وبين أن تقف مع الظالم ضد المظلوم، هذه مسائل مبدئية. صحيح أن لنا مصالح امنية مع سورية ووضعها تخربط و«داعش» انتعش هناك وعاد الينا بعد طرده. اخرجنا تنظيم القاعدة من العراق وذهب الى سورية، وحين حصلت الاضطرابات في سورية انتعشوا فيها ومن ثم عادوا لنا. هناك تداخل، لكن في تقديري فإن الحل في سورية اممي، والان هناك خلاف حاد جدا بين روسيا واميركا حول سورية، وهناك رأي مستوحى مما حصل مع ايران في (5+1) والتوصل الى اتفاق اممي، يتساءل لماذا لايكون هناك (5+1) بالنسبة الى سورية ومثله بالنسبة الى فلسطين واسرائيل وهي اتفاقات تفرض، وهذا ماي طرح حاليا، وانا في تقديري أن من الصعب جدا إيجاد حل في سورية من دون اتفاق دولي. نحن في الازمة السورية كنا نقول أنه ممكن للعرب ايجاد حل بمشروع قوة السلام العربية، والعراق كان من اكبر المساهمين في تأمين آليات هذه القوة وتأمين الضباط، وبعد اسبوع فشل المشروع. التدخلات كثيرة ولا قدرة لا للعرب ولا للايرانيين ولا للاتراك دون تدخل دولي كبير على حل مشكلة سورية، فقط القوى الدولية، أميركا وروسيا واعضاء مجلس الامن يفرضون الحل.

• لتركيا ملف متداخل، ماذا تريد تركيا من العراق؟

- تركيا دولة جارة مهمة ولديها مطامع تاريخية في العراق، وهي أظهرت أخيرا تصريحات عجيبة غريبة، وطالبت بالموصل ومراجعة الاتفاقيات السابقة، وهذه مسائل خطيرة على العلاقات بين البلدين، لكن لتركيا مخاوف مشروعة من حزب العمال الكردستاني والحدود وهم يطرحون حماية للتركمان في العراق.تركيا دولة كبيرة ولها منطقها في مصالحها وهي تتعامل من منطلق مصلحتها القومية، وكذلك ايران دولة قومية كبيرة تفكر في مصالحها، لكن نحن العراقيين لدينا ردود فعل وعواطف واعلام غير مسؤول وشتائم ولعنات وهذه لاتبني الدول.

التواجد التركي ايا كان يجب أن يكون بموافقة الحكومة العراقية، وهذا مبدأ وليس كما تريد تركيا لتقول انها موجودة، هي ستكون ضيفا غير مرحب به، على الاقل الان حصل احتواء لهذه المسالة والقوة التركية محدودة وهي موجودة ولايسمح لها بالتدخل اوالتوسع، وكل دولة تحترم نفسها تحترم مصالحها اولا.

• كيف تتعامل تركيا مع اقليم كردستان؟

- لم تكن تركيا تعترف بالاقليم، مرة جلست مع الأتراك وكان ذلك في زمن المعارضة عام 2002 وكنت عائدا من أميركا، وهم كانوا يلتقون معي، في وزارة الخارجية والامن التركي، ودائما ما كنت أسألهم عن سياستهم بالنسبة للعراق فيما لو مات او انتحر او اغتيل صدام حسين والوضع في العراق تغير ولكل دولة سياستها، وسؤالي كان ما سياستكم مع كل تلك الفرضيات؟. كانوا يقولون نحن مع وحدة وسيادة الاراضي العراقية، وكان ردي هو أن لديهم حساسية من كل حرف (ك. كردستان. كورد. بي يو كي. ب ك ك) فلا تستبعدوا حين تاتون الى بغداد أن أكون انا من يستقبلكم، واقسم بالله بعد ان حصل التغيير وتمت تسميتي من قبل مجلس الحكم وزيرا للخارجية، فإن أول وفد تركي وصل العراق ضم لحسن الحظ المترجم نفسه الذي كان يترجم اللقاءات التي تتم بيننا، وهو عراقي تركماني كان موجودا ضمن الوفد واسمه عبد الرحمن، وقلت له هل تتذكر اللقاء الذي حصل في انقرة، قل لعثمان بيك الذي كان موجودا وقتها وربما يكون قد نسي أنني قلت لكم في ذلك اليوم أنكم ستاتون الى بغداد وانا من سيستقبلكم.

تركيا دولة مهمة لديها مصالح ومخاوف من اي كيان كردي في سورية، ولهذا تتدخل، اما هنا في إقليم كردستان العراق فإن لديهم سياسة مصالح، هم يعرفون ان حكومة الاقليم صديقة لهم، والحساسيات السابقة التي كانت موجودة انتهت. من كان يتصور قبل 15 عاما ان يزور اردوغان اربيل وتحت علم كردستان، أو أن يزور رئيس الاقليم تركيا مركز العثمانية ويضع علم كردستان؟ اذكر أنه في عام 2001 ارسلوا الينا من يسألنا هل انتم من وضع علم كردستان على موقع تابع لنا؟ كيف يحصل هذا؟ الان تغيرت تركيا، هي لها مطامح وتتنافس مع ايران لكنهم لايتقاطعون ولا احد يغالط نفسه، أبدا سوف لن يتقاطعوا، لان مصالحهم الاقتصادية والتجارية كبيرة، هم يختلفون مع بعضهم ويعملون تحت الطاولة.

• ما هو مشروع تنظيم داعش وهل اسبابه سياسية اكثر منها دينية؟

- تنظيم داعش مشروع ديني وسياسي مشوه، وقد تبنى مجموعة من المفاهيم المغلوطة والاحادية، وكثير من قيادات حزب البعث القدامى وخاصة العسكريين القتلة منهم تركوا فكرة البعث وباتوا قيادات في تنظيم داعش، وخاصة من الموصل، نعرفهم ومن اي عائلة او عشيرة هم، ومع اي مجموعة، وهم يشكلون جزءا من كبار ضباط المتفجرات والمخابرات، وهم الاقرب الى البغدادي.

فكر «داعش» ضال، الداعشيون يفسرون من وجهة نظرهم السبي والغزو بتفسيرات احادية. هم يدّعون أنهم مدافعون عن السنة او الثورة السنية او الانتفاضة السنية، لكنهم قتلوا من السنة اكثر مما قتلوا من الشيعة والاكراد، وانا انصح قيادات السنة بان يميزوا انفسهم عن هؤلاء، الذين ليس من الحق أن يمثلوا السنة وعشائرها. إن «داعش» في طريقه الى الزوال كمفهوم دولة خلافة تتحكم بالارض والسكان والموارد ولها جيوش، لكن سوف تبقى منه خلايا نائمة وانتحاريون.

• عراق ما بعد «داعش»، هل يمكن تحقيق مصالحة، وهناك زعامات شيعية قدمت ورقة تسوية تاريخية، برأيك هل يتنازل الجميع للجميع؟

- العراق ما بعد «داعش» في مفترق طرق، وهناك فرصة حقيقية للمصالحة والالتئام الوطني، اما لناحية ما يطرح من تسوية تاريخية فيجب أن تكون أكثر نضجا، لان ليس فيها جديد، المصالحة مع من؟ هل مع الذي معك ام مع الذي هو مختلف معك؟ ومن هم المختلفون ومن هؤلاء، هل مع «داعش»؟ انا لن اتصالح معهم، لكني اتصالح مع عشائر وأناس اثر فيهم «داعش». إن اهم مشكلة تواجه الموصل هي هؤلاء الفتيان والشباب الذين تربوا على يد «داعش» وقرأوا تعاليمه لاكثر من سنتين. لقد شاهدت عبر المحطات طفلا عمره 8 سنوات يقول «ذهبت حسبة (داعش) واتت حسبة العراق».

• هل يتنازل الجميع للجميع؟

- الأمر صعب، لكن توجد فرصة تاريخية للمصالحة، واذا لم يتنازل الكل للكل ربما سيؤدي الأمر الى حروب داخلية، والخوف من المقبل والآتي، في حال لم تتم إدارة الموصل بقيادة وتحكم وسيطرة على النزاعات والاحقاد فكيف يمكن اقناع الايزيدي بالعودة الى الموصل ليتعايش مع بعض عشائر اول من هجم عليه؟ وكيف يمكن اقناع المسيحي الذي صادر جاره بيته؟ وكيف يمكن اقناع الشيعي في تلعفر باخيه التلعفري الذي ذبحه؟ الحقيقة أن هناك مشكلة، والحل يعتمد على حكمة القيادة، هذه فرصة اخيرة، أما العامل الآخر فهو يتوقف على الإدارة الأميركية الجديدة، نحن لانعرف ماذا سيكون موقفها، هل ستبقى على التزامها مع العراق ام ستقول انتم العراقيين لاخير يرجى منكم، ادخلتمونا في دوامة وخسرنا المليارات، وانتم شعب ناكر للجميل اصلا، وأن كل مافعلناه لكم تردونه الينا يوميا مجرد شتائم.

• كيف سيتعامل الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب مع العراق؟

- ترامب رجل اعمال، وسيكون التعامل معه سهلا، اعطني حقي اعطك حقك، وسوف يتعامل مع العراق على قاعدة أنكم انتم لديكم مصالح وانا كذلك لي مصالحي، تراعون مصالحي وانا اعمل على مراعاة مصالحكم.

• ماذا عن فقدان احمد الجلبي وانت عملت معه منذ تسعينات القرن الماضي؟ هل وراءه اسباب اخرى؟

- فقدانه خسارة كبيرة، فقد فقدنا بموته مرحلة. انا أسميت الجلبي في رحيله بنهاية مرحلة بالنسبة للعراق «يا من تعب يا من شقى يا من على الحاضر لقى».

تحرير الموصل... وبيت زيباري

في رده على سؤال عما إذا يمكن ان تتحرر الموصل بالكامل، قال زيباري: عملية تحرير الموصل بدأت، وكنا نامل ان ينتهي تحريرها قبل نهاية السنة الحالية، لكن المقاومة شرسة وتنظيم داعش يستخدم البشر دروعا بشرية لحماية نفسه، وهناك حرب شوارع تستغرق وقتا اطول من الحرب المفتوحة، ولكن في الوقت نفسه هناك تقدم، وحتى وإن لم تتحرر الموصل كلها، فإنني أتوقع وحتى نهاية العام على الاقل أن يتحرر الساحل الايسر وبيت عائلتي في الموصل. تكلمت مع قائد جهاز مكافحة الارهاب واعطيته احداثيات عن بيتي وطلبت منهم ان لايدمر. وللعلم فإن صدام صادر بيتي ووهبه مكافأة لشخص كان يمشي في ماراثون، وقد كتب على ملابسه اسم صدام بالدم، وهو قادم من الشرقاط الى الموصل، فقال صدام اعطوه بيت احد من المصادرة بيوتهم فاعطوه بيتي.

من أجواء اللقاء

نائبة «الكويت مالتنا»... كانت تغني وترقص لصدام

في حديثه عما عن المفاوضات بين بغداد والكويت المواقف والصعوبات التي واجهت الطرفين، قال زيباري: أذكر أنه في جلسة برلمانية امتدت على مدى أكثر من ثلاث ساعات فاجأتنا برلمانية عراقية بالسؤال «على ماذا تشغلوننا بالحديث عن الكويت، الكويت (مالتنا) وليس لديها شيء عندنا» وعرفت بعدها ان هذه النائبة كانت تغني وترقص لصدام.

تشاجرت مع الأميركان لإطلاق ديبلوماسيين إيرانيين

تحدث زيباري عن اعتقال قوات المارينز الأميركية اكثر من مرة عناصر من (اطلاعات) والحرس الثوري في بغداد ومناطق اخرى، بالقول «الاميركان كانوا يشكلون القوة الاكبر في العراق عام 2007 واعتقلوا ايرانيين بعضهم ديبلوماسيون، وانا كوزير خارجية مسؤول عنهم وهم في بلدي، وحصل ان تشاجرت مع الاميركان من اجل إطلاقهم، وهددت باتهامهم بانتهاك القانون الدولي والعلاقات الديبلوماسية، وقلت ساصرح بذلك وانتهى الموقف باطلاقهم، والتهم التي وجهت لهم انهم في العراق دون فيزا دخول الاراضي العراقية، كما وجهت اليهم اتهامات بانهم من «اطلاعات» وفرق قتل خاصة بالطيارين العراقيين ومجموعات بينهم من الحرس الثوري، وهناك مجموعة اخرى اعتقلت في اربيل، وكان من بينهم ديبلوماسيان أعرفهما ولديهما موافقات ديبلوماسية واسماهما موجودان في وزارة الخارجية».
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي