خواطر تقرع الأجراس
رُهاب الهجرة واللجوء



الرُّهاب - الفوبيا، يكاد ينحصر اليوم بالإسلام من خلال المصطلح السيئ السمعة: الإسلاموفوبيا. وتوالد المصطلح ولا يزال؛ فهناك العربوفوبيا، والهِجْرَفوبيا الخ...
عرف الإنسان القديم الهجرة في «أقاليم الليل والنهار»، وانزاح من أرضه إلى بلاد الله الواسعة حيث لا حدود، ولا سدود، ولا قيود، ولا جوازات سفر، ولا تأشيرات مزورة، أوتهريب للبشر كالعبيد أو المخدرات أو السلاح أو... كنساء بغايا للمتعة الفاجرة!
الأرض كلها كانت أرض هجرة. منها ما كان جاذباً، ومنها ما كان طارداً؛ فلم يكن الإنسان يهاجر من ضفاف الأنهار، حيث قامت الحضارات، إلى البوادي والصحارى ومناطق الصقيع.. والهجرات السامية القديمة، بين الجزيرة العربية وبلاد الشام والرافدين خير شاهد على تلك الهجرات أو الانزياحات الحضارية؛ نتيجةعوامل اقتصادية طاردة، أو جغرافية مناخية قاسية، أو دينية كانتشار اليهودية والمسيحية والإسلام... وسرعان ما تحولت تلك الانزياحات من إقليمية إلى عالمية.
ورافق كل ذلك نشوء توسعات إمبراطورية سمّاها بعضهم فتوحاتٍ، وبعضهم الآخر استعماراً، وترافق مع كل ذلك هجرات شعبية إلى البلاد المفتوحة، أو المستَعمَرة . وتدافعت الشعوب عبر قرون في هجرات متتالية للتمتع بمزايا تلك البقاع الجديدة، والاختلاط بالسكان الأصليين ونشوء مجتمعات جديدة من امتزاج المهاجرين مع السكان الأصليين وما رافق ذلك من ظواهر سلبية وإيجابية على المستويات كافة: اجتماعياً، واقتصادياً، وسياسياً، وثقافياً، ودينياً، وأخلاقياً وسلوكياً.
وفي تراثنا مصادر بحثت هذا، كنفح الطِّيْب من غصن الأندلس الرطيب للمَقَّري التلمساني، وهو موسوعة فريدة في تاريخ الأندلس في عشرين جزءاً، وتفيدنا في كل ما تقدّم ذكره. وكتاب الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة لابن بسام، عن الأندلس أيضاً. ومن المصادر الرائعة كتاب الاعتبار لأسامة بن منقذ عن فترة الحروب الصليبية وما نشأ عنها من اختلاطات سكانية، وامتزاج عادات وتقاليد وثقافات وزيجات... وسرد غريب لطباع «الفرنجة» في بلادنا. ولا ننس كتاب خطط الجبرتي في مصر وفترة الحملة النابليونية وما رافقها من كل ماسبق من ظواهر شاملة.
والذي حفزني إلى كتابة هذا الموضوع انتهائي من قراءة كتاب رائع في شموليته وطروحاته وتوثيقاته ومناقشاته العلمية لقضية الهجرة؛ وهو: الهجرة، كيف تؤثر في عالمنا، تأليف بول كوليير، بروفيسور الاقتصاد والسياسة العامة في جامعة أوكسفورد . وقد صدرعن «عالم المعرفة»، الكويت، العدد 439، أغسطس 2016 وأنصح بقراءته لمن يريد أن يعرف كل شيء عن الهجرة وقضاياها، وبخاصة ما تثيره الهجرة االمعاصرة إلى بلاد الغرب من قضايا ومشكلات.
وكلنا يعرف استغلال «الطاعون الأسود» الإرهابي للنزعة الحضارية الإنسانية لأوروبا وبالذات لألمانيا، وارتكاب الجرائم الهمجية الفظيعة... باسم الإسلام والعرب.
أتساءل بموضوعية: هل تقبل شعوبنا الإسلامية والعربية استقبال موجات ملايين المهاجرين من الأوروبيين، وغيرهم، للعيش في مجتمعاتنا، بعاداتهم وتقاليدهم وثقافاتهم وسلوكياتهم المختلفة، المرفوضة أصلاً من كثير من شعوبنا، أميين ومثقفين؟ بل هل تقبل كثير من الدول العربية والإسلامية «وربما شعوبها» استقبال المهاجرين «العرب والمسلمين» كما يفعل الغرب «الكافر الزنديق الإباحي...»؟!
نسمع اليوم كثيراً من الحوادث والمواقف العنصرية من «العرب الأشقاء» ضد اللاجئين من هنا وهناك، بما يؤكد أن في أعماق الكثيرين منا عنصرية ليست عند الغرباء! هؤلاء مصابون أيضاً برُهاب الهجرة أو اللجوء!
* شاعر وناقد سوري
عرف الإنسان القديم الهجرة في «أقاليم الليل والنهار»، وانزاح من أرضه إلى بلاد الله الواسعة حيث لا حدود، ولا سدود، ولا قيود، ولا جوازات سفر، ولا تأشيرات مزورة، أوتهريب للبشر كالعبيد أو المخدرات أو السلاح أو... كنساء بغايا للمتعة الفاجرة!
الأرض كلها كانت أرض هجرة. منها ما كان جاذباً، ومنها ما كان طارداً؛ فلم يكن الإنسان يهاجر من ضفاف الأنهار، حيث قامت الحضارات، إلى البوادي والصحارى ومناطق الصقيع.. والهجرات السامية القديمة، بين الجزيرة العربية وبلاد الشام والرافدين خير شاهد على تلك الهجرات أو الانزياحات الحضارية؛ نتيجةعوامل اقتصادية طاردة، أو جغرافية مناخية قاسية، أو دينية كانتشار اليهودية والمسيحية والإسلام... وسرعان ما تحولت تلك الانزياحات من إقليمية إلى عالمية.
ورافق كل ذلك نشوء توسعات إمبراطورية سمّاها بعضهم فتوحاتٍ، وبعضهم الآخر استعماراً، وترافق مع كل ذلك هجرات شعبية إلى البلاد المفتوحة، أو المستَعمَرة . وتدافعت الشعوب عبر قرون في هجرات متتالية للتمتع بمزايا تلك البقاع الجديدة، والاختلاط بالسكان الأصليين ونشوء مجتمعات جديدة من امتزاج المهاجرين مع السكان الأصليين وما رافق ذلك من ظواهر سلبية وإيجابية على المستويات كافة: اجتماعياً، واقتصادياً، وسياسياً، وثقافياً، ودينياً، وأخلاقياً وسلوكياً.
وفي تراثنا مصادر بحثت هذا، كنفح الطِّيْب من غصن الأندلس الرطيب للمَقَّري التلمساني، وهو موسوعة فريدة في تاريخ الأندلس في عشرين جزءاً، وتفيدنا في كل ما تقدّم ذكره. وكتاب الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة لابن بسام، عن الأندلس أيضاً. ومن المصادر الرائعة كتاب الاعتبار لأسامة بن منقذ عن فترة الحروب الصليبية وما نشأ عنها من اختلاطات سكانية، وامتزاج عادات وتقاليد وثقافات وزيجات... وسرد غريب لطباع «الفرنجة» في بلادنا. ولا ننس كتاب خطط الجبرتي في مصر وفترة الحملة النابليونية وما رافقها من كل ماسبق من ظواهر شاملة.
والذي حفزني إلى كتابة هذا الموضوع انتهائي من قراءة كتاب رائع في شموليته وطروحاته وتوثيقاته ومناقشاته العلمية لقضية الهجرة؛ وهو: الهجرة، كيف تؤثر في عالمنا، تأليف بول كوليير، بروفيسور الاقتصاد والسياسة العامة في جامعة أوكسفورد . وقد صدرعن «عالم المعرفة»، الكويت، العدد 439، أغسطس 2016 وأنصح بقراءته لمن يريد أن يعرف كل شيء عن الهجرة وقضاياها، وبخاصة ما تثيره الهجرة االمعاصرة إلى بلاد الغرب من قضايا ومشكلات.
وكلنا يعرف استغلال «الطاعون الأسود» الإرهابي للنزعة الحضارية الإنسانية لأوروبا وبالذات لألمانيا، وارتكاب الجرائم الهمجية الفظيعة... باسم الإسلام والعرب.
أتساءل بموضوعية: هل تقبل شعوبنا الإسلامية والعربية استقبال موجات ملايين المهاجرين من الأوروبيين، وغيرهم، للعيش في مجتمعاتنا، بعاداتهم وتقاليدهم وثقافاتهم وسلوكياتهم المختلفة، المرفوضة أصلاً من كثير من شعوبنا، أميين ومثقفين؟ بل هل تقبل كثير من الدول العربية والإسلامية «وربما شعوبها» استقبال المهاجرين «العرب والمسلمين» كما يفعل الغرب «الكافر الزنديق الإباحي...»؟!
نسمع اليوم كثيراً من الحوادث والمواقف العنصرية من «العرب الأشقاء» ضد اللاجئين من هنا وهناك، بما يؤكد أن في أعماق الكثيرين منا عنصرية ليست عند الغرباء! هؤلاء مصابون أيضاً برُهاب الهجرة أو اللجوء!
* شاعر وناقد سوري