«هددن باللجوء إلى الاعتصام في غير أوقات العمل إذا لم ينظر في شكواهن»
لا سلام في «روضة السلام»... معلمات في الروضة يثرن على ظلم مديرتها لهن طوال خمس سنوات

الزميل عبدالله فهمي مستمعا الى المعلمات (تصوير طارق عزالدين)


| كتب عبدالله فهمي |
أن يشكو موظف مسؤوله... ربما يكون في الأمر لبس أو شبهة كيدية في شكواه أو محض افتراء في دعواه.
أما ان يجتمع أكثر من خمس عشرة معلمة على شكاية مديرة روضتهن، ويتفقن على تعنتها في التعامل معهن، وصلفها في ادارتهن ما جعل العمل معها أشبه بالكابوس الذي ينغص عليهن أحلامهن... فان الأمر يستحق التوقف لمعرفة الدوافع والأسباب التي دفعت بهؤلاء المعلمات ان يخرجن عن صمتهن بعد خمس سنوات قضينهن تحت ادارة تلك المديرة، ويقمن بتقديم شكوى جماعية إلى وزارة التربية جار التحقيق فيها قبل ان يلجأن لـ «الراي» عارضات بعض ما يتعرضن له كل يوم من مضايقات وتعالٍ من مديرتهن التي أصبح العمل معها لا يطاق حسب اعترافهن.
المعلمات اللاتي تفاوتت سنوات عملهن في روضة السلام الكائنة في العارضية بين خمسة أعوام واثنين وعشرين عاما اصبحن يشعرن ان تلك المؤسسة التعليمية التي تضمم براعم في عمر الزهور بيتهن الثاني، فلم تفكر احداهن في الانتقال الى روضة أخرى قريبة من بيتها، ولم يخطر على بال واحدة منهن أن تصعد لمرحلة أعلى ربما ترضي طموحها، فعشن معا صداقة حميمة، وأصبحن فريقا واحدا، تتعاقب على ادارته مديرات ومديرات مساعدات، كن لهن العون على العمل، والمعين وقت الشدة، فتمسكن بتلك الروضة يخرجن دفعة وراء أخرى، يشعرن بمتعة وهن يؤدين أعمالهن، لا ينغص عليهن منغص، ولا يعكر صفو علاقتهن حسود... حتى كتب لهن ان تصبح هذه السيدة مديرة عليهن فأتت رياح ادارتها بعواصف ونكبات لم تشتهها سفن أحلامهن واطمئنانهن فرحن يرتدين ثياب الصبر والتؤدة علها ترتدع... قلن لأنفسهن ربما لانها أول مرة تتولى فيها العمل كمديرة ومع الايام سيلين جنبها وتتعاون معهن كما تعاون غيرها.
... لكن الأيام مرت تخلفها الشهور وتعقبها السنون وما ازدادت الا تعنتا، وما رضيت الا بالقسوة شعارا، والشدة غير المبررة سبيلا... فكان لا بد من انتفاضتهن من خلال القنوات الشرعية بشكوى جماعية للوزارة.
ولما أحسسن الغبن والبطء في الاجراءات، وشممن رائحة تنفذ تدخل لطمطمة الموضوع وقلب الحقائق لجأن إلى «الراي» آملات ان تصل بأصواتهن الى وزيرة التربية وزيرة التعليم العالي نورية الصبيح علها تعيد الامور الى نصابها، وتقف الى جانبهن خصوصا ان كل واحدة منهن لا تفكر أن تترك روضتها التي أصبح كل ركن فيها يمثل لهن قيمة أو ان تتخلى عن عملها فيها قيد أنملة لا سيما بعد ان أضحى العمل في تلك الروضة لهن شريان حياة.
«الراي» من جانبها، ولكثرة عددهن استقبلتهن وقررت هذه المرة أن تقلل من أسئلتها مكتفية بادارة جهاز التسجيل الذي راح يسجل كل صرخة ويدون كل نبرة حزن... بل ويوثق كل أنة شجن.
المعلمات اللاتي اختلفت أطيافهن وانتماءاتهن اتفقن في حديثهن على لسان (م.ع) التي أخذت دفة الحديث ان «رسالة المعلم والمعلمة هي امتداد لرسالة الأنبياء، فحتى يؤدين هذه الرسالة خصوصا وانهن يتعاملن مع شريحة من الأطفال الصغار، لم يجر عليهم القلم بعد، يشاركنهم أولى سني عمرهم الألم والأمل، لا بد ان يتوافر لهن الراحة والاستقرار والطمأنينة والحنو الذي افتقدنه منذ خمس سنوات، نعم كنا نشعر بكل هذه الأشياء الجميلة من خلال ابتسامة نرسمها على وجه طفل غض، وبعد قيمة سلوكية نسطرها في عقل برعم منذ قبل خمس سنوات. كنا نحقق حلما ظل يراودنا ونحن طالبات أن نتخرج فنحمل مشعل العلم نمحو به ظلمات الجهل في أفئدة أبنائنا وبناتنا، قبل خمس سنوات كنا نسير على درب الهداة نعايش ونتعايش مع كل كبيرة وصغيرة في حياة الأطفال الذين نتعامل معهم حتى يكبروا ويتخرجوا في روضتنا، فتبدأ قصة جديدة من التعامل يزوروننا، يهنئوننا في المناسبات، اذا قابلت احدانا شابا ممن كن ندرس له يترك يد أمه ويوقف سيارة أبيه، وينطلق يسلم علينا... عندئذ كنا نشعر أن الله يرضى عنا، لأننا نؤدي عملنا بتفان نحصد ثمرته خيرا».
واستطردت (م.ع) في حديثها قائلة: «نعم أقول قبل خمس سنوات دائما لأنه ومنذ خمس سنوات، تبدلت الحال عندما تسلمت المديرة (ص) إدارة الروضة فجعلت منها سجنا نعد الدقائق والساعات لنخرج منه، بعد ان حولتها الى معسكر للقيل والقال، تقلب هذه على هذه، وتثير الفتنة بين هذه وتلك، حتى نجحت وللمرة الأولى في اذكاء صفات سيئة وسطنا، ما عرفناها يوما، وما تحلت احدانا بها لحظة»، مشيرة الى انها «راحت تعاملنا بتعال غريب وكأننا قطيع غنم تسوقه أمامها، فرحنا نصبر ونمني أنفسنا بأنها جديدة على فن الادارة، وستتأقلم سريعا عندما تدرك ان هذه الطريقة ستغرق المركب (الروضة) وسط الأمواج المتلاطمة... لكنها أصبحت تنقلب من سيئ إلى أسوأ مع كل يوم يمر علينا».
وذكرت (م) أن «المديرة وحتى في الجانب الإداري مع أولياء الأمور ليس لديها فن في حل المشكلات، فتقوم باحالة الموضوع على الاختصاصية أو المديرة المساعدة أو على احدى المعلمات وتنأى بنفسها ان تنبري لحلها فتعقدها... وهذا ان دل على شيء فانما يدل على عدم خبرتها في مثل هذه الامور ما تجعل المعلمة منا، لا تشعر بالامان لانها تعلم ان أحدا لن يحميها، بعد ان وجدت قائدتها لا تعرف كيف تدير دفة السفينة».
أما (أ) التي اخذت طرف الحديث من (م) فقالت: «ان مديرتنا ليست عاجزة فقط عن التعامل مع أولياء أمور الطلاب... بل عاجزة أيضا عن فهم الطلاب والتودد اليهم، وسأضرب مثالا واحدا على ذلك، في أحد الأيام اشتكى أحد أولياء الامور من أن ابنه تعرض لتحرش من قبل أحد زملائه، وكان ثائرا فلم تستطع فعل شيء ما دفعها الى احالة الموضوع على الاختصاصية الاجتماعية، التي امتصت انفعال والد الطفل، وراحت تبين له انهم اطفال صغار، لا يعرفون حتى معنى كلمة التحرش، ووعدته أنها ستتحدث مع أسرة الطفل المتهم لمراقبة ولدهم... فخرج الرجل مقتنعا هادئا وحل الموضوع... لكننا فوجئنا بالمديرة تشعل الامر ثانية باتخاذها قرارا بحرمان الطفل من الحضور حتى نهاية العام الذي كان في ذلك الوقت قد شارف بالفعل على الانتهاء، فرحنا نبين لها ان هذا مخالف للقانون، ونحن نتعامل مع براعم صغيرة فلا ينبغي لنا ان نعطي الموضوع أكبر من حجمه خصوصا وان والد الطفل الشاكي قد اقتنع وانصرف وهو راض بقرارنا».
وزادت (أ) ان «مشكلة بسيطة كتلك التي حصلت تظهر مدى رعونتها وعدم درايتها، بتصريف الامور... ما حذا بأولياء الأمور الابتعاد عنها وعدم الاحتكاك بها في دقيق الامور وكبيرها، واللجوء الى المديرة المساعدة، أو معلمة الفصل او الاختصاصية، وذلك لايمانهم انها لم تعد (تحل وتربط)».
وعندما أرادت «الراي» ان تتعرف على مدى ارتباط مجموعة المعلمات بروضتهن سألتهن ألم تفكرن في الانتقال إلى روضة أخرى؟ فجاءت الاجابة جماعية بالرفض حيث صرخت المعلمة (ق) وقالت «هذه الروضة بيتنا عملنا فيها منذ سنوات طويلة حتى أصبحن ننتمي اليها... نشعر بمتعة ما بعدها متعة ونحن نؤدي فيها رسالتنا، فكيف ننتقل، ثم ان الانتقال ليس حلا، لان معلمات اخريات سيأتين مكاننا وسيتعرضن لمثل ما نتعرض له من تعالٍ وصلف وسوء معاملة، هل بعد سنوات عندما يضقن ذرعا بها مثلنا، نقول لهن عليكن بالانتقال... لا ليس حلا ان ننتقل! الحل ان تغير تلك المديرة (المتعسفة) سياستها، وتحاول أن تجلس مع المعلمات تحاورهن وتتعرف على مشاكلهن بأسلوب تربوي، تلعب معنا دور الأم وقت ما يحتاج الامر الحنو، ودور الصديقة متى ما احتاجت منها معلمة منا المشورة، ودور القيادية اذا حصل تهاون من احدى المعلمات أو تقصير في أداء عملها فاذا كان مستحيلاً عليها ان تقوم بهذه الأدوار، وكان مطلوباً من أحد ان ينتقل من الروضة... فلتكن هي وليس نحن هذا ما يفرضه العقل ويقتضيه المنطق، على الرغم من ان المشكلة ستحل عندنا... لكنها ستتعقد مع معلمات الروضة الأخرى في حال نقلت».
وبسؤالهن ألم تلجأن إلى منطقتكن التعليمية لتقديم شكوى؟
فردت المعلمة (ل) «لجأنا إلى المنطقة وقدمنا شكوى جماعية الى الشؤون القانونية في وزارة التربية في الصيف الماضي، واستدعينا لسماع أقوالنا، واستدعيت المديرة هي الاخرى... وحتى هذه الساعة التي نحن فيها لم يجد جديد، لدرجة اننا نشم رائحة غير طيبة، لا سيما وانها (المديرة) قالت لاحدى المعلمات (اسحبن شكواكن لأنها ستنقلب عليكن) وقد أثبتنا هذه العبارة لدى سماع افادتنا في تحقيقات الوزارة... وها نحن ننتظر ما تسفر عنه نتيجة التحقيقات»، مضيفة «اعتقد انها متنفذة بدليل ان المعلمة (إ) تلقت تهديدا من خلال الهاتف ادعى المتصل من خلاله انه من موظفي المنطقة وطلب اليها ان تسحب شكواها، والا... (ستعفس) عليها... أقول هذه المعلمة ادخلت المستشفى اكثر من مرة في حال نفسية سيئة بسبب سوء معاملة المديرة، واتهامها لها بأنها سيئة الأداء وضعيفة المستوى، ما كان يدفعها الى الانهيار... حقيقة الانهيار».
وذكرت (ل) ان «المديرة (ص) لا تتعاون من أجل توفير الاحتياجات الاساسية للروضة، على الرغم من ان ميزانية الروضة 7 آلاف دينار، تنفقها في أشياء ثانوية، كإعادة (صبغ) المسرح المدرسي كل عام... ولما طلبت تزيين صفي وشراء أشياء ضرورية له قالت لي اشتري ما تحتاجين وانا احاسبك، وبالفعل اشتريت اشياء منها (ستارة) بـ 75 دينارا لم اخذ ثمنها حتى الآن، على الرغم من مطالبتي لها كثيرا ومعي فاتورة بها... لكن من دون فائدة».
وعن احساس المعلمات بالظلم والشعور بعدم المساواة بينهن وبين عدد من (حبايب) المديرة؟ أكدت المعلمة (ج) ذلك مستشهدة بالعديد من المؤتمرات والدورات الخارجية التي تختار لها ثلاث أو أربع مدرسات يتكررن كل مرة، للاستفادة من المزايا المالية والعينية اما نحن فليس لنا فيها نصيب مشيرة الى «ان سر اختيارها لهؤلاء المعلمات دون غيرهن ليس لكفاءتهن كما تدعي... بل لانهن يحصلن لها على تبرعات مالية لا نستطيع نحن الاتيان بها».
وتساءلت (ج) «إذا كنا غير أكفاء، ومستوانا المهني متدن كما تدعي فَل.مَ لا تطالب لنا بدورات لرفع مستوانا المهني؟ واذا كنا غير أكفاء فكيف كنا نحصل على تقدير امتياز مرتفع طوال كل هذه السنوات التي عملنا فيها في الروضة نفسها... لكن مع مديرات أخريات؟».
وهنا تذكرت المعلمة (ل) اجحاف المديرة لها في أول عام عينت فيه حين لم تعطها امتيازاً مدعية انه لا يجوز اعطاء المعلم او المعلمة امتيازاً في أول عام يعين فيه، على الرغم من انه لا يوجد قانون في وزارة التربية ينطق بهذا، وتأكدت من ذلك بنفسي لدى مراجعتي الشؤون القانونية في هذا الشأن، ولنفترض جدلا ان هذا الامر صحيح فل.مَ أعطت معلمة أخرى كانت اختصاصية وحولت الى معلمة امتيازا ومرتفعا في أول عام لها كمعلمة؟... معنى هذا انها تناقض نفسها، مضيفة «... والله فكرنا من سوء معاملتها معنا واهانتها المستمرة لنا ان نعتصم امام الروضة في غير أوقات العمل ويومي الاجازة الاسبوعية حتى يسمع من لديهم سمع شكوانا، ويلتفتون إلى معاناتنا».
وكان للمعلمة (ج) شكوى خاصة ملؤها الحزن والألم حيث قالت لـ «الراي» «انا في الروضة منذ اثنين وعشرين عاما، كنت أحصل فيها على تقدير امتياز دائما... اثنان وعشرون عاما وصلت خلالها والحمد لله لدرجة من المهارة المهنية والمكانة العلمية تشهد بها زميلاتي... ان تجد بعد كل هذه السنين من العمل من يتهمك بسوء الأداء وضعف الجانب المهني، ويعطيك 85 درجة أي جيد جدا ماذا سيكون شعورك؟... ما الذي يمكن ان تفعله مع مديرة كهذه، لم تحترم الاقدمية، ولم تراع كل سنوات الخبرة التي تضاف الى رصيدي، واثنى عليها كل من تولى ادارة تلك الروضة قبلها بمنحي ما استحق من امتياز».
ولما توجهت «الراي» بسؤال لـ (و) كيف علمت بأمر التقدير مع انه سري لا يجوز الاطلاع عليه؟ فتسابق الجميع للرد (مكافأة الاعمال الممتازة)، (م.ر) أوضحت المسألة «نعم الحقيقة ظهرت جلية عندما نشرت الجرائد اسماء الحاصلين على مكافأة الاعمال الممتازة، ولم نجد أسماءنا بينها، هنا ثارت ثائرتنا وتوجهنا اليها، وبمواجهتها تكشفت الحقيقة، وعندما راجعنا الوزارة علمنا بما كافأتنا به من تقديرات حرمتنا من مكافأة الاعمال الممتازة التي يعلم الله اننا نستحقها».
مضت ساعتان ومازالت المعلمات يحكين ويحكين هذه تتكلم، فتتذكر الاخرى شيئا نسيته زميلتها فتأخذ طرف الحديث منها ولان لكل شيء نهاية كذلك كان لا بد ان يكون لحديثهن نهاية يختمن به كلامهن لـ «الراي»، فرحن يتسابقن على الحديث الذي كان فحواه، مناشدة صريحة لوزيرة التربية وزيرة التعليم العالي النظر بنفسها في شكواهن المقدمة منذ ثلاثة أشهر، وحتى الآن لم يبت فيها، وان تعمل على استدعاء تلك المديرة التي ما زادتها شكوانا الا تعنتا، وما نلنا منها الا مزيدا من الاهانة والسخرية، لتوقفها عند حدها حتى يتسنى لنا القيام بأعمالنا في جو يعود على التلاميذ والتلميذات بالنفع وعلى أولياء أمورهم بالفائدة، مؤكدات ان كلهن ثقة في أن تنظر الوزيرة شكواهن، وأن تفتح لهن أبواب مكتبها لانها من أكثر الناس دراية بمعنى ان تعمل المعلمة تحت ضغط واهانة كيف سيكون أداؤها.
وتؤكد المعلمة (و) على انها رفعت تظلما إلى الوزارة على أمل النظر في تقريرها من جيد إلى امتياز حيث انها كانت حصلت طوال 20 عاماً على درجة امتياز وتناشد المسؤولين انصافها في تعديل التقرير السنوي من جيد الى امتياز كما تستحق.
أن يشكو موظف مسؤوله... ربما يكون في الأمر لبس أو شبهة كيدية في شكواه أو محض افتراء في دعواه.
أما ان يجتمع أكثر من خمس عشرة معلمة على شكاية مديرة روضتهن، ويتفقن على تعنتها في التعامل معهن، وصلفها في ادارتهن ما جعل العمل معها أشبه بالكابوس الذي ينغص عليهن أحلامهن... فان الأمر يستحق التوقف لمعرفة الدوافع والأسباب التي دفعت بهؤلاء المعلمات ان يخرجن عن صمتهن بعد خمس سنوات قضينهن تحت ادارة تلك المديرة، ويقمن بتقديم شكوى جماعية إلى وزارة التربية جار التحقيق فيها قبل ان يلجأن لـ «الراي» عارضات بعض ما يتعرضن له كل يوم من مضايقات وتعالٍ من مديرتهن التي أصبح العمل معها لا يطاق حسب اعترافهن.
المعلمات اللاتي تفاوتت سنوات عملهن في روضة السلام الكائنة في العارضية بين خمسة أعوام واثنين وعشرين عاما اصبحن يشعرن ان تلك المؤسسة التعليمية التي تضمم براعم في عمر الزهور بيتهن الثاني، فلم تفكر احداهن في الانتقال الى روضة أخرى قريبة من بيتها، ولم يخطر على بال واحدة منهن أن تصعد لمرحلة أعلى ربما ترضي طموحها، فعشن معا صداقة حميمة، وأصبحن فريقا واحدا، تتعاقب على ادارته مديرات ومديرات مساعدات، كن لهن العون على العمل، والمعين وقت الشدة، فتمسكن بتلك الروضة يخرجن دفعة وراء أخرى، يشعرن بمتعة وهن يؤدين أعمالهن، لا ينغص عليهن منغص، ولا يعكر صفو علاقتهن حسود... حتى كتب لهن ان تصبح هذه السيدة مديرة عليهن فأتت رياح ادارتها بعواصف ونكبات لم تشتهها سفن أحلامهن واطمئنانهن فرحن يرتدين ثياب الصبر والتؤدة علها ترتدع... قلن لأنفسهن ربما لانها أول مرة تتولى فيها العمل كمديرة ومع الايام سيلين جنبها وتتعاون معهن كما تعاون غيرها.
... لكن الأيام مرت تخلفها الشهور وتعقبها السنون وما ازدادت الا تعنتا، وما رضيت الا بالقسوة شعارا، والشدة غير المبررة سبيلا... فكان لا بد من انتفاضتهن من خلال القنوات الشرعية بشكوى جماعية للوزارة.
ولما أحسسن الغبن والبطء في الاجراءات، وشممن رائحة تنفذ تدخل لطمطمة الموضوع وقلب الحقائق لجأن إلى «الراي» آملات ان تصل بأصواتهن الى وزيرة التربية وزيرة التعليم العالي نورية الصبيح علها تعيد الامور الى نصابها، وتقف الى جانبهن خصوصا ان كل واحدة منهن لا تفكر أن تترك روضتها التي أصبح كل ركن فيها يمثل لهن قيمة أو ان تتخلى عن عملها فيها قيد أنملة لا سيما بعد ان أضحى العمل في تلك الروضة لهن شريان حياة.
«الراي» من جانبها، ولكثرة عددهن استقبلتهن وقررت هذه المرة أن تقلل من أسئلتها مكتفية بادارة جهاز التسجيل الذي راح يسجل كل صرخة ويدون كل نبرة حزن... بل ويوثق كل أنة شجن.
المعلمات اللاتي اختلفت أطيافهن وانتماءاتهن اتفقن في حديثهن على لسان (م.ع) التي أخذت دفة الحديث ان «رسالة المعلم والمعلمة هي امتداد لرسالة الأنبياء، فحتى يؤدين هذه الرسالة خصوصا وانهن يتعاملن مع شريحة من الأطفال الصغار، لم يجر عليهم القلم بعد، يشاركنهم أولى سني عمرهم الألم والأمل، لا بد ان يتوافر لهن الراحة والاستقرار والطمأنينة والحنو الذي افتقدنه منذ خمس سنوات، نعم كنا نشعر بكل هذه الأشياء الجميلة من خلال ابتسامة نرسمها على وجه طفل غض، وبعد قيمة سلوكية نسطرها في عقل برعم منذ قبل خمس سنوات. كنا نحقق حلما ظل يراودنا ونحن طالبات أن نتخرج فنحمل مشعل العلم نمحو به ظلمات الجهل في أفئدة أبنائنا وبناتنا، قبل خمس سنوات كنا نسير على درب الهداة نعايش ونتعايش مع كل كبيرة وصغيرة في حياة الأطفال الذين نتعامل معهم حتى يكبروا ويتخرجوا في روضتنا، فتبدأ قصة جديدة من التعامل يزوروننا، يهنئوننا في المناسبات، اذا قابلت احدانا شابا ممن كن ندرس له يترك يد أمه ويوقف سيارة أبيه، وينطلق يسلم علينا... عندئذ كنا نشعر أن الله يرضى عنا، لأننا نؤدي عملنا بتفان نحصد ثمرته خيرا».
واستطردت (م.ع) في حديثها قائلة: «نعم أقول قبل خمس سنوات دائما لأنه ومنذ خمس سنوات، تبدلت الحال عندما تسلمت المديرة (ص) إدارة الروضة فجعلت منها سجنا نعد الدقائق والساعات لنخرج منه، بعد ان حولتها الى معسكر للقيل والقال، تقلب هذه على هذه، وتثير الفتنة بين هذه وتلك، حتى نجحت وللمرة الأولى في اذكاء صفات سيئة وسطنا، ما عرفناها يوما، وما تحلت احدانا بها لحظة»، مشيرة الى انها «راحت تعاملنا بتعال غريب وكأننا قطيع غنم تسوقه أمامها، فرحنا نصبر ونمني أنفسنا بأنها جديدة على فن الادارة، وستتأقلم سريعا عندما تدرك ان هذه الطريقة ستغرق المركب (الروضة) وسط الأمواج المتلاطمة... لكنها أصبحت تنقلب من سيئ إلى أسوأ مع كل يوم يمر علينا».
وذكرت (م) أن «المديرة وحتى في الجانب الإداري مع أولياء الأمور ليس لديها فن في حل المشكلات، فتقوم باحالة الموضوع على الاختصاصية أو المديرة المساعدة أو على احدى المعلمات وتنأى بنفسها ان تنبري لحلها فتعقدها... وهذا ان دل على شيء فانما يدل على عدم خبرتها في مثل هذه الامور ما تجعل المعلمة منا، لا تشعر بالامان لانها تعلم ان أحدا لن يحميها، بعد ان وجدت قائدتها لا تعرف كيف تدير دفة السفينة».
أما (أ) التي اخذت طرف الحديث من (م) فقالت: «ان مديرتنا ليست عاجزة فقط عن التعامل مع أولياء أمور الطلاب... بل عاجزة أيضا عن فهم الطلاب والتودد اليهم، وسأضرب مثالا واحدا على ذلك، في أحد الأيام اشتكى أحد أولياء الامور من أن ابنه تعرض لتحرش من قبل أحد زملائه، وكان ثائرا فلم تستطع فعل شيء ما دفعها الى احالة الموضوع على الاختصاصية الاجتماعية، التي امتصت انفعال والد الطفل، وراحت تبين له انهم اطفال صغار، لا يعرفون حتى معنى كلمة التحرش، ووعدته أنها ستتحدث مع أسرة الطفل المتهم لمراقبة ولدهم... فخرج الرجل مقتنعا هادئا وحل الموضوع... لكننا فوجئنا بالمديرة تشعل الامر ثانية باتخاذها قرارا بحرمان الطفل من الحضور حتى نهاية العام الذي كان في ذلك الوقت قد شارف بالفعل على الانتهاء، فرحنا نبين لها ان هذا مخالف للقانون، ونحن نتعامل مع براعم صغيرة فلا ينبغي لنا ان نعطي الموضوع أكبر من حجمه خصوصا وان والد الطفل الشاكي قد اقتنع وانصرف وهو راض بقرارنا».
وزادت (أ) ان «مشكلة بسيطة كتلك التي حصلت تظهر مدى رعونتها وعدم درايتها، بتصريف الامور... ما حذا بأولياء الأمور الابتعاد عنها وعدم الاحتكاك بها في دقيق الامور وكبيرها، واللجوء الى المديرة المساعدة، أو معلمة الفصل او الاختصاصية، وذلك لايمانهم انها لم تعد (تحل وتربط)».
وعندما أرادت «الراي» ان تتعرف على مدى ارتباط مجموعة المعلمات بروضتهن سألتهن ألم تفكرن في الانتقال إلى روضة أخرى؟ فجاءت الاجابة جماعية بالرفض حيث صرخت المعلمة (ق) وقالت «هذه الروضة بيتنا عملنا فيها منذ سنوات طويلة حتى أصبحن ننتمي اليها... نشعر بمتعة ما بعدها متعة ونحن نؤدي فيها رسالتنا، فكيف ننتقل، ثم ان الانتقال ليس حلا، لان معلمات اخريات سيأتين مكاننا وسيتعرضن لمثل ما نتعرض له من تعالٍ وصلف وسوء معاملة، هل بعد سنوات عندما يضقن ذرعا بها مثلنا، نقول لهن عليكن بالانتقال... لا ليس حلا ان ننتقل! الحل ان تغير تلك المديرة (المتعسفة) سياستها، وتحاول أن تجلس مع المعلمات تحاورهن وتتعرف على مشاكلهن بأسلوب تربوي، تلعب معنا دور الأم وقت ما يحتاج الامر الحنو، ودور الصديقة متى ما احتاجت منها معلمة منا المشورة، ودور القيادية اذا حصل تهاون من احدى المعلمات أو تقصير في أداء عملها فاذا كان مستحيلاً عليها ان تقوم بهذه الأدوار، وكان مطلوباً من أحد ان ينتقل من الروضة... فلتكن هي وليس نحن هذا ما يفرضه العقل ويقتضيه المنطق، على الرغم من ان المشكلة ستحل عندنا... لكنها ستتعقد مع معلمات الروضة الأخرى في حال نقلت».
وبسؤالهن ألم تلجأن إلى منطقتكن التعليمية لتقديم شكوى؟
فردت المعلمة (ل) «لجأنا إلى المنطقة وقدمنا شكوى جماعية الى الشؤون القانونية في وزارة التربية في الصيف الماضي، واستدعينا لسماع أقوالنا، واستدعيت المديرة هي الاخرى... وحتى هذه الساعة التي نحن فيها لم يجد جديد، لدرجة اننا نشم رائحة غير طيبة، لا سيما وانها (المديرة) قالت لاحدى المعلمات (اسحبن شكواكن لأنها ستنقلب عليكن) وقد أثبتنا هذه العبارة لدى سماع افادتنا في تحقيقات الوزارة... وها نحن ننتظر ما تسفر عنه نتيجة التحقيقات»، مضيفة «اعتقد انها متنفذة بدليل ان المعلمة (إ) تلقت تهديدا من خلال الهاتف ادعى المتصل من خلاله انه من موظفي المنطقة وطلب اليها ان تسحب شكواها، والا... (ستعفس) عليها... أقول هذه المعلمة ادخلت المستشفى اكثر من مرة في حال نفسية سيئة بسبب سوء معاملة المديرة، واتهامها لها بأنها سيئة الأداء وضعيفة المستوى، ما كان يدفعها الى الانهيار... حقيقة الانهيار».
وذكرت (ل) ان «المديرة (ص) لا تتعاون من أجل توفير الاحتياجات الاساسية للروضة، على الرغم من ان ميزانية الروضة 7 آلاف دينار، تنفقها في أشياء ثانوية، كإعادة (صبغ) المسرح المدرسي كل عام... ولما طلبت تزيين صفي وشراء أشياء ضرورية له قالت لي اشتري ما تحتاجين وانا احاسبك، وبالفعل اشتريت اشياء منها (ستارة) بـ 75 دينارا لم اخذ ثمنها حتى الآن، على الرغم من مطالبتي لها كثيرا ومعي فاتورة بها... لكن من دون فائدة».
وعن احساس المعلمات بالظلم والشعور بعدم المساواة بينهن وبين عدد من (حبايب) المديرة؟ أكدت المعلمة (ج) ذلك مستشهدة بالعديد من المؤتمرات والدورات الخارجية التي تختار لها ثلاث أو أربع مدرسات يتكررن كل مرة، للاستفادة من المزايا المالية والعينية اما نحن فليس لنا فيها نصيب مشيرة الى «ان سر اختيارها لهؤلاء المعلمات دون غيرهن ليس لكفاءتهن كما تدعي... بل لانهن يحصلن لها على تبرعات مالية لا نستطيع نحن الاتيان بها».
وتساءلت (ج) «إذا كنا غير أكفاء، ومستوانا المهني متدن كما تدعي فَل.مَ لا تطالب لنا بدورات لرفع مستوانا المهني؟ واذا كنا غير أكفاء فكيف كنا نحصل على تقدير امتياز مرتفع طوال كل هذه السنوات التي عملنا فيها في الروضة نفسها... لكن مع مديرات أخريات؟».
وهنا تذكرت المعلمة (ل) اجحاف المديرة لها في أول عام عينت فيه حين لم تعطها امتيازاً مدعية انه لا يجوز اعطاء المعلم او المعلمة امتيازاً في أول عام يعين فيه، على الرغم من انه لا يوجد قانون في وزارة التربية ينطق بهذا، وتأكدت من ذلك بنفسي لدى مراجعتي الشؤون القانونية في هذا الشأن، ولنفترض جدلا ان هذا الامر صحيح فل.مَ أعطت معلمة أخرى كانت اختصاصية وحولت الى معلمة امتيازا ومرتفعا في أول عام لها كمعلمة؟... معنى هذا انها تناقض نفسها، مضيفة «... والله فكرنا من سوء معاملتها معنا واهانتها المستمرة لنا ان نعتصم امام الروضة في غير أوقات العمل ويومي الاجازة الاسبوعية حتى يسمع من لديهم سمع شكوانا، ويلتفتون إلى معاناتنا».
وكان للمعلمة (ج) شكوى خاصة ملؤها الحزن والألم حيث قالت لـ «الراي» «انا في الروضة منذ اثنين وعشرين عاما، كنت أحصل فيها على تقدير امتياز دائما... اثنان وعشرون عاما وصلت خلالها والحمد لله لدرجة من المهارة المهنية والمكانة العلمية تشهد بها زميلاتي... ان تجد بعد كل هذه السنين من العمل من يتهمك بسوء الأداء وضعف الجانب المهني، ويعطيك 85 درجة أي جيد جدا ماذا سيكون شعورك؟... ما الذي يمكن ان تفعله مع مديرة كهذه، لم تحترم الاقدمية، ولم تراع كل سنوات الخبرة التي تضاف الى رصيدي، واثنى عليها كل من تولى ادارة تلك الروضة قبلها بمنحي ما استحق من امتياز».
ولما توجهت «الراي» بسؤال لـ (و) كيف علمت بأمر التقدير مع انه سري لا يجوز الاطلاع عليه؟ فتسابق الجميع للرد (مكافأة الاعمال الممتازة)، (م.ر) أوضحت المسألة «نعم الحقيقة ظهرت جلية عندما نشرت الجرائد اسماء الحاصلين على مكافأة الاعمال الممتازة، ولم نجد أسماءنا بينها، هنا ثارت ثائرتنا وتوجهنا اليها، وبمواجهتها تكشفت الحقيقة، وعندما راجعنا الوزارة علمنا بما كافأتنا به من تقديرات حرمتنا من مكافأة الاعمال الممتازة التي يعلم الله اننا نستحقها».
مضت ساعتان ومازالت المعلمات يحكين ويحكين هذه تتكلم، فتتذكر الاخرى شيئا نسيته زميلتها فتأخذ طرف الحديث منها ولان لكل شيء نهاية كذلك كان لا بد ان يكون لحديثهن نهاية يختمن به كلامهن لـ «الراي»، فرحن يتسابقن على الحديث الذي كان فحواه، مناشدة صريحة لوزيرة التربية وزيرة التعليم العالي النظر بنفسها في شكواهن المقدمة منذ ثلاثة أشهر، وحتى الآن لم يبت فيها، وان تعمل على استدعاء تلك المديرة التي ما زادتها شكوانا الا تعنتا، وما نلنا منها الا مزيدا من الاهانة والسخرية، لتوقفها عند حدها حتى يتسنى لنا القيام بأعمالنا في جو يعود على التلاميذ والتلميذات بالنفع وعلى أولياء أمورهم بالفائدة، مؤكدات ان كلهن ثقة في أن تنظر الوزيرة شكواهن، وأن تفتح لهن أبواب مكتبها لانها من أكثر الناس دراية بمعنى ان تعمل المعلمة تحت ضغط واهانة كيف سيكون أداؤها.
وتؤكد المعلمة (و) على انها رفعت تظلما إلى الوزارة على أمل النظر في تقريرها من جيد إلى امتياز حيث انها كانت حصلت طوال 20 عاماً على درجة امتياز وتناشد المسؤولين انصافها في تعديل التقرير السنوي من جيد الى امتياز كما تستحق.