كنت في طريقي أتريض كالمعتاد في الممشى القريب من بيتي في المحرق مع قريبتي ورفيقتي الأمينة، وكنا مندمجتين في الحديث، كانت الساعة آنذاك تقارب الحادية عشرة والنصف من مساء يوم الأربعاء الموافق 16 نوفمبر 2016، فإذا بشخصين يمران بجانبنا وعلى عكس اتجاهنا، فسمعت واحدا منهما يصرخ بصوت عال مردداً: «الحجاب الحجاب».
كانا في مرحلة الشباب ولا يتجاوز أي منهما الـ 25 من العمر، وكانا يرتديان ثياباً سوداء مهلهلة مشابهة لما نراه على شاشات التلفزة لأتباع «الدواعش» مع اللحى المسدولة بغير انتظام والعمامة السوداء الملفوفة بطريقة خاصة، كانا متشابهين في كل شيء، لكن كان واحد منهما أقصر من الآخر، وكانت الوسامة تبدو على محياهما، لم أتنبه إلى أن الكلمتين موجهتان لي، إلا بعد أن نبهتني مرافقتي قائلة إنه يقصدك، بحكم إنها متحجبة، كنت أعتقد أنه يتحدث مع زميله، ألتفت إليهما، فإذا بهما قد قطعا مسافة وابتعدا عنا.
وفي نهاية الممشى ألتقينا بهما مجددا وجها لوجه، فتقدمت خطوة وقلت موجهة كلامي لمن تعدى حدوده: «أليس من العيب أن تكلم امرأة لا تعرفها وتقول ما قلت»؟، فنطق الشاب نفسه بكلمات ذات لهجة سعودية، وكرر قوله مجدداً: «ألبسي الحجاب» وهو يمشي مع صاحبه بلا توقف.
هنا أنتابني الغضب فقلت له بصوت مرتفع: «أليس من قلة الأدب والذوق والأخلاق أن تكلم امرأة لا تعرفها وتتدخل في شؤونها وأنت لست بولي أمرها، بئس الأخلاق وبئس التربية». حتما صوتي بلغ مسمعيهما، وأنا أتمتم غاضبة بصوت عال، لكنهما ابتعدا عنا ونحن نسمع الشاب نفسه لا يزال يردد كلمات لم تصل إلى مسامعنا تماماً.
هذه الحادثة التي تحدث لي لأول مرة استوقفتني كثيراً، وتساءلت في نفسي، من هما؟ هل هما من «بقايا الدواعش» الذين فروا أخيرا من العراق أو سورية؟ كيف دخلا ولماذا؟ من فعل بهما ذلك ومن غسل دماغيهما؟ وكيف تجرأ أحدهما أن يكلم امرأة لا يعرفها وتكبره سنوات عدة بهذه الطريقة الوقحة؟ ألا يوجد شيء اسمه احترام الآخر وخصوصيته؟ في أي قاموس يمكن أن نصنف هذا الفعل؟ ما الأسباب وما الدوافع؟
الداعشية انتهت عسكرياً، وليس فكرياً، لكن ماذا عن «بقايا الدواعش»؟ هل تحركاتهم منظمة؟ هل أفعالهم وسلوكهم منظم وليس بعبث؟ منذ سنوات عدة ونحن نمارس رياضة المشي ولم تصادفنا مثل هذه الوجوه من قبل، كما لم يصادفنا مثل هذا السلوك أبدا، فهل نزولهم تلك الليلة إلى الممشى من أجل التعرف والاستكشاف على تفاصيل المكان؟ هل يمكن أن تكون لديهم نية في عمل ما؟ وهل يمكن أن يقدموا على مثل هذه الحماقة؟ نعم الجواب ببساطة، نعم على كل تلك الأسئلة.
قد يقول قائل لا تضخمي الموضوع، ولا تذهبي بعيدا في الخيال، لكني أقول: إننا رأينا من أفعالهم ما لا يخطر على بال وشاهدنا من جرائمهم ووحشيتهم ما ليس له وصف حتى في الخيال.
وقد يقول آخر، لا تفزعي فالكاميرات تملأ المكان. أقول، ألم تكن آلات التصوير ترصد حوادث الارهاب والتفجيرات في فرنسا وألمانيا ومساجد القطيف والكويت ومع ذلك لا يهم، المهم أن ينجزوا ما يريدون وليكن ما يكون، خصوصاً إذا وجدوا شباباً مغسولة عقولهم ويرون في القتل سبيلا لحور العين في الجنة.
هذا الفعل الصغير الذي أقدم عليه ذلك الشاب في نظري ليس بصغير بتاتا، وهو مؤشر، إن قبلناه وغضضنا الطرف عنه سيتمادون أكثر في أفعالهم.
وقد يقول قائل حسناً ما قال، فهو يهديك إلى الصراط المستقيم، أجيب: لدينا مثل يقول: يا غريب كن أديب، ثم من يظن نفسه؟ ومن نصّبه إلها يهدي من يشاء؟ تخيل أيها القائل لو أنك كنت تمشي وكنت لابسا الثوب الخليجي، وجاء أحد إليك قائلاً: أذهب والبس الكوفية والعقال لا يجوز أن تمشي بالثوب فقط. أو أنك كنت تلبس البنطال فيزجرك قائلا، اذهب حالا والبس الثوب الشعبي، فهل تقبل ذلك؟
وهذا ما فعله «الدواعش» للرجال قبل النساء في المناطق التي سيطروا عليها، يتحكمون في أفعالهم وسلوكهم وملبسهم ومشربهم وحياتهم كلها.
وتخيلت نفسي في الموصل إبان احتلال الدواعش لها، لو كنت هناك حتما لجرجرني هذا الشاب الغّر إلى الساحة العامة، وأحرقوني أو رجموني أو قطعوا رأسي بحد السيف أمام الملأ، أنا المسلمة التي أفتخر بإسلامي وإيماني أُقتل بدم بارد بسبب عدم ارتدائي الحجاب، ولا أعرف ما هي عقوبة عدم ارتداء الحجاب في إيران، أهي نفس عقوبة الدواعش أم لا؟ على الأغلب إنهم يتوحدون في الدفاع عن قشور الدين وفي تنفيذ العقوبات والتنكيل لمن يخالفهم في أي شيء.
وتخيلت نفسي امرأة إيزيدية أو مسيحية أو كردية أو علوية أو أي كائن مغاير كان.. ماذا كانا سيفعلان بي ومعي؟
ما أفظع الجرائم التي تقترف باسمك أيها الدين.
aalsaalaam@gmail.com