كلمة بعد النقطة

رسالة من روائي

تصغير
تكبير
«لم أستطع التخلص منه!

صار يطاردني بكل ذكرى له كتبتها بيدي على صفحات الورق...


كان لابد من أن ينال عقوبة الإعدام على فعلته الشنيعة...

لم استطع أن أجد له مخرجا في قضيته، كل شيء يثبت إدانته، وكل القضاة حكموا عليه بمثل هذا الحكم.

تعاطفي معه، يشعرني بضرورة إنقاذه، وتعلقي به يجعلني أخاف من حسرة فقده، كيف أنهي حياته وتكون الخاتمة»؟.

هذا الحوار الداخلي الذي يجول في نفسي، لا يشير إلى شخص حقيقي يعيش بيننا، إنما إلى شخص «وهمي» كتبته في روايتي وكان هو بطلها.

لا أستطيع أن أقول للناس عندما أبيع روايتي: كم كان هذا «البطل» المتهم مؤثراً في حياتي، منذ ولادته إلى أن أصبح رجلا، نشأته... حياته... الحي الذي عاش فيه... كل من حوله من أهل وأصدقاء، جعلته ينمو بحبر قلمي حتى صار جزءاً من يومي.

ليتني لم أجعله مجرما... ليتني اخترت له نهاية سعيدة... ليتني كتبت له سيناريو مختلفا، حتى أتحرر من ذلك الإحساس بالذنب تجاهه.

بطل روايتي أبكاني وأحزنتني كثيرا نهايته... كنت سأقول ذلك أمام قرائي عندما جاؤوا لاقتناء الرواية، ولكنني خفت ألا يفهمني أحد منهم بالشكل الصحيح، فغالبية القراء ممن لم يسبق لهم التأليف، ولن يفهموا ما اعنيه بالضبط من شعور!

فأنا من كتبت هذه الرواية وأنا من اخترت أبطالها وجعلتهم يتصرفون ويتحدثون بقلمي، وأنا السبب في كل ما حصل لهم.

فقد قضيت شهورا عدة وأنا منصهرة فكرياً مع كل كلمة كتبتها عنهم، عشت معهم في المكان والزمان نفسه، ونسجت لهم تفاصيل حياتهم، تعاطفت مع ظروفهم، وضحكت وبكيت معهم، حتى سكنت في جسد كل واحد منهم، ومن أجل أحداث الرواية وظهور الحبكة، اضطررت إلى أن أؤذيهم أحيانا وأخلصهم من هذا الألم أحيانا أخرى!

يعتقد البعض عندما اكتب هذا الكلام أنني أهذي أو ربما جننت...

ولكنني كمؤلفة روائية أنسج حكاياتي من أبطال اخترتهم في عقلي، حتى كدت أشعر بأنهم أحياء بالفعل، يقاسمونني تفاصيل يومي مثلما افعل معهم، وقد يخيل لي في يوم أنني سأصطدم بأحدهم في إحدى الطرقات، وأقول له: ألست أنت بطل روايتي التي كتبتها؟

أعلم أن البعض لن يفهم ما اعنيه حتى لو كتبت صفحات أصف بها ما أحسه في داخلي والذي قد يسمى ضربا من الجنون!

ما لا يعرفه القراء...

أنه في نهاية كل رواية يختم بها مؤلف كلماته، يشعر بمشاعر غريبة، بها شيء من الفرح لنهاية كتابه...

وشيء من الحزن لأنه لن يستمر في ملاقاة أبطال روايته والتفاعل معهم!

ذلك الشعور الذي هو أشبه بوداع الأحبة!

فما أصعبه عليه... وما أصعب فهمه على من لا يفهم ما يعني المؤلف في ذلك!

anwar.taneeb@gmail.com
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي