بعد أن أغلق باب التسجيل لانتخابات مجلس الأمة يوم الجمعة الماضي على 454 مرشحاً في الدوائر الخمس، بينهم 15 امرأة، وقبل موجة الانسحابات المتوقعة خلال الفترة المقبلة، لنا وقفة مع القوائم وما تضمنته من أسماء، وكيف تعاملت المجاميع والتكتلات، السياسية منها والقبلية، مع الاستحقاق.
ففي جردة سريعة على القوائم، رأينا الدائرة الخامسة تتصدر الدوائر الخمس بعدد المرشحين وبرقم قياسي بلغ 140 مرشحاً، بينهم 3 نساء، وسيكون لنا وقفة مطولة مع تفاصيل الأسماء في القائمة، فيما سجلت الدائرة الرابعة 116 مرشحاً، بينهم مرشحة واحدة، والثالثة 65 مرشحاً، بينهم 3 نساء، والثانية 61 منهم 3 نساء، والأولى 72 مرشحاً، منهم 5 مرشحات.
وفيما تخضع الدوائر الثلاث الأولى ـ الأولى والثانية والثالثة ـ لحسابات معقدة، سواء ما كان منها حزبياً أو فئوياً أو حتى طائفياً، فإن حسابات الدائرتين الرابعة والخامسة تدخل في نطاق التكتيك القبلي في شكل أساسي، مع عدم إغفال ما يمكن أن تشكله المجاميع القليلة ضمن ما يطلق عليه مسمى «الأقليات» التي فعلت فعلها في انتخابات المجلسين السابقين ـ المبطل والمنحل. ففي الدائرة الأولى، تدخل قبيلة العوازم في تنافس مثير مع كتلتين رئيسيتين، هما الحضر والشيعة، وقد تمكنت خلال المجلس السابق، رغم تأثير المقاطعة، من حصد مقعدين، ويتوقع لها أن تزيد غلتها مع الإقبال الواسع على المشاركة، فيما لا يغفل دور الحضر الذين نالوا مقعدين في المجلس المنحل، والشيعة الذين كانت لهم الغلبة بستة مقاعد.
وفي الدائرة الثانية، تدخل حسابات أكثر تعقيداً بوجود الثقل التجاري في مناطق الديرة، يقابل ثقلا قبليا في الغرب والشمال، الصليبخات والدوحة وما حولهما. وهنا يبرز دور قبيلة عنزة التي كان لها تاريخياً مقعد ثابت، وفي بعض الانتخابات كان يرتفع العدد إلى مقعدين، وهو ما يتوقع حاليا بمشاركة أحد أقطاب المعارضة من القبيلة، ولا ننسى التجمعات القبلية في المنطقة التي كان لتنسيقها واجتماع رأيها دور في حصد مقعد لقبيلة صلبة في المجلس المنحل.
وتبقى الدائرة الثالثة التي يطلق عليها لقب «أم الدوائر»، أكثر الدوائر إثارة، وصعوبة في التوقع، ففيها يبدو الصراع السياسي كبيراً، بوجود رموز معارضة، وشخصيات لها ثقلها، كما لا يغفل ثقل قبيلة عتيبة فيها، وهي التي حصدت مقعدين في المجلس المنحل. ولكن التوقع يبقى صعبا في دائرة قد تحمل مفاجآتها في شكل كبير، ومختلف عن كل الدوائر الأخرى.
وبالانتقال إلى الدائرة الرابعة يبدو الأمر أكثر إثارة وجدلاً، فتاريخياً وعلى المدى القريب، تبدو مقاعد الدائرة محسومة بواقع 4 لقبيلة الرشايدة و4 لقبيلة مطير، واثنين يتوزعان على المجاميع الأخرى التي غالبا ما تكون الغلبة فيها لمرشح عنزة وشمر. ولكن الصوت الواحد غيّر الحسبة وأعطى المجاميع القبلية الصغيرة فرصة لتنافس بقوة على مقعد في المجلس، وهو ما تجلى في نيل قبيلتي ظفير وصلبة مقعدا لكل منهما، فيما حصدت قبيلة عنزة مقعدين، مستغلة حال المقاطعة التي أعلنتها قبيلة مطير وفئات كثيرة من قبيلة الرشايدة، وحافظت قبيلة شمر على مقعدها. ولكن الأمر في الانتخابات الحالية اختلف مع انتهاء المقاطعة وعودة القبائل الكبيرة لترمي بثقلها في الانتخابات المقبلة لاستعادة مقاعدها التي فقدتها.
ولأن واقع قائمة المرشحين عن الدائرة يقول إن هناك شيئاً من الاضطراب في هذه الحسبة، وما لم يتم تداركها فإن النتائج لن تكون في صالح تلك القبائل، وأعني بالضبط قبيلتي مطير والرشايدة، فالأولى ترشح منها 31، وهو رقم ضخم سيشتت أصوات القبيلة ولن تحصد من ورائه ما تريد، في وقت أكد مراقبون أن سبب هذا الرقم الكبير يعود لعدم تنظيم القبيلة تشاورية على مستوى القبيلة عامة وإنما نظم كل فخذ تشاوريته واختار مرشحه، فضاعت حسبة القبيلة. وكما قلنا، ما لم يتم تدارك الأمر فلن تحصد القبيلة حتى ما تحقق في المجلس المنحل عندما حصدت مقعدين.
الأمر نفسه ينطبق على قبيلة الرشايدة، وإن كان بدرجة أقل، فالقائمة تضم 21 مرشحاً، وهو رقم كذلك كبير، بحاجة إلى إعادة نظر، وما يجري انسحابات لمرشحين، فنتوقع أن تكون خسائر القبيلة كبيرة مقارنة بما حصلته في المجلس السابق المنحل، هذا إذا ما أخذنا في الحسبان عدم التزام القبيلة بالتصويت لمرشحين معينين تم اختيارهم بتشاورية، وترك المرشحين الباقين الذين لم يلتزموا بقرار القبيلة. مع الأخذ في الاعتبار كذلك وجود مرشحين اعلنوا خوض الانتخابات بعيدا عن التشاوريات، ولهم وزنهم وجمهورهم في القبيلتين.
الصورة نفسها تبدو في الدائرة الخامسة، التي عادة ما تكون تنافسية بين قبيلتي العجمان والعوازم، وإذا كان عدد مرشحي قبيلة العجمان قليلا، ولم يتجاوز 11، قد نشهد انسحاب بعضهم خلال الفترة المقبلة، بعد الاتفاق على مرشحين معينين من خلال التشاورية، فإن قبيلة العوازم سجلت حضورا طاغيا في قائمة المرشحين تجاوز 40، وهو رقم ضخم يحتاج إلى تفسير من القائمين على القبيلة، إلا إذا كان هناك تنسيق للتشاور قريبا يتم من خلاله اختيار من يمثل القبيلة وانسحاب الآخرين. وما لم يتم ذلك، فإن أصوات القبيلة ستتشتت بشكل غير مسبوق أمام هذا الرقم غير المسبوق كذلك من المرشحين.
الأمر نفسه ينساق على قبيلة عتيبة في الدائرة، فهي قبيلة ذات ثقل انتخابي قليل، مقارنة بالقبيلتين السابقتين، وعادة ما تحصر أصواتها لمرشح بعينه أملاً في اختراق قائمة الفائزين، ولكن وجود 18 مرشحا في القائمة يجعل الأمر مستحيلاً، ما لم تعمل على تصفية هؤلاء المرشحين والإبقاء على واحد فقط. والكلام أيضا يعني قبائل السهول والدواسر والسبعان، التي كانت عادة ما تنسق بينها لدعم مرشح واحد تقف وراءه، ولكن ما نراه اليوم ان لكل قبيلة عددا من المرشحين لن يكون في صالحها استمرارهم جميعا.
ولا نغفل في الدائرة الخامسة المجاميع الحضرية والشيعية التي كان لها دور مهم في انتخابات «الصوت الواحد» في المجلسين السابقين، حيث استطاع الحضر اقتناص مقعد والشيعة مقعد، وهو ما يبقى مرشحا للحدوث الانتخابات المقبلة، في ظل الأجواء الضبابية للقبائل الكبيرة وعدم اتضاح الرؤية لديها.
إذن الانتخابات المقبلة تشكل حالة خاصة مع هذه الأجواء، وستكون الملفات العالقة من المجلس المنحل وما قبله رهن بمخرجات تلك الانتخابات، وستدخل في نطاق «حسبة برمة» لكل تجمع سياسياً كان أو قبلياً، وهذا ما يضفي عليها جوا من الإثارة والترقب.
[email protected]@Dr_alasidan