صدى / المكتبات العامة... معابد ثقافية

تصغير
تكبير
إن المكتبات العامة أهم المؤسسات الثقافية التي تنشأ في نطاق جغرافي محدد لتقدم خدماتها للمقيمين فيه، وخدمة عامة تقدمها الدول أو بعض الهيئات أو المؤسسات من أجل النفع العام من الفكر البشري.

إن ثقافة المجتمع تأتي من مطالعة ومتابعة الكتاب في جميع المجالات الثقافية والأدبية والفنون والعلوم بأنواعها، وقد كانت تجربة المكتبات العامة في الماضي تجربة ناجحة في رفع المستوى الثقافي والأدبي والعلمي، وظهور جيل مهتم بالثقافة والآداب والفنون والعلوم، وظلت نشطة لعقود تسعى إلى فهم أشمل للعالم، وزيادة الوصول إلى المعلومات.

إنها مؤسسة ثقافية وتثقيفية، ومركز محلي للمعلومات الذي يضع كل أنواع المعارف والمعلومات مباشرة في متناول المستفيدين منها. إنها بيئة فكرية للعمل والتعلم والتعليم وأنواع جديدة من البرامج.

إن الكم الهائل من المعلومات المتاح على شبكة الإنترنت يكاد يوحي للمرء أن كل شيء يمكن إيجاده على الإنترنت وهذا ليس صحيحاً، فالمكتبات مؤسسات مختلفة تماماً عن الإنترنت، فالأخيرة تكملها ولا تحل محلها، والمواد التي يمكن الحصول عليها عن طريق المكتبة هي الكتب وغيرها من المصادر، واستخدام البحث على الإنترنت يفيد في تبسيط الأفكار العامة، وتجميع الحقائق السريعة وقطاع عريض من الأفكار، لذا فالحديث عن إحلال واحدة محل الأخرى يبدو منافياً لأي تفكير منطقي.

تعتبر المكتبات العامة إحدى المؤسسات المهمة التي تتولى المساهمة في التنمية الفكرية ولها دور كبير في التربية والتنمية الثقافية والتعليم والوعي وإثراء الفكر، إنها مكان للعامة وملتقى للقراء، خصوصا في المجتمعات التي لا يتوافر فيها سوى عدد قليل من الأماكن التي يلتقي فيها القراء. وأهميتها تأتي من مضامين الكتاب وفق جوهر مادته العلمية أو الثقافية أو غيرها، فالكتاب الجيد هو خلاصة فكر إنساني جيد ومنظم في كل مجال, وينعكس أثره على تفكير وسلوك القارئ.

تعتبر المكتبات رمزاً للمساواة الاجتماعية التي تستوعب العديد من الكتب وتفتح أبوابها للجميع للتزود بالمعلومات والقراءة والاطلاع والبحث والاستعارة وما إلى ذلك, دون أي تكلفة مادية أو تفرقة. ولكن قد لا تكون لدى الجميع الإمكانيات لشراء الكتب واقتنائها، ومن المهم عدم تجاهل الطبقة المتوسطة والأطفال الذين ليس لديهم أجهزة كمبيوتر محمولة أو انترنت، والذين لا يستطيعون دفع فاتورة الإنترنت، أو اقتناء الأجهزة، والمكتبة بدورها تتيح الوصول إلى المعارف والمعلومات إلى جميع أعضاء المجتمع بغض النظر عن العنصر أو الجنس أو الدين أو اللغة أو العجز أو المكانة الاقتصادية أو الوظيفية أو المستوى التعليمي, لذا فهي مكتبة الجميع.

إن المكتبة العامة محراب العلم لجميع فئات الشعب وسبب في رفعة البلاد وتطورها, ويتوقف عليها الوعي الثقافي والحضاري بأهمية الكتاب وإتاحته لجميع الفئات، وإتاحة الثقافة لجميع المستويات ورفعة ونشر المبادئ المختلفة في المجتمعات. لذا فالتخلص من المكتبات أو إهمالها هو بتر لجزء مهم من التطور الثقافي لمختلف الطبقات الاجتماعية. وما يميز المكتبات العامة أنها من الممكن أقلمتها مع المتغيرات الثقافية والاجتماعية والتقنية ولكن لا يمكن إحلالها أو التخلي عنها، وبالرغم من أن العديد من المعلومات توجد على شبكة الإنترنت ولكن الكثير ما يزال موجودا على الورق.

من الضرورة أن تساهم المكتبات العامة في تنمية عادة القراءة في المجتمع من خلال دراسة ميول الروّاد واهتماماتهم تلبية احتياجاتهم القرائية لتقديم ما يعينه في تنمية حصيلتها المعرفية. وتوفير وتنمية مصادرها الورقية والتقنية خصوصاً الصحف اليومية والمجلات المتخصصة، فليس متوقعاً أن يقبل الرواد على زيارة مكتبة عامة مصادرها عتيقة.

ومن خلال تأسيس موقع إلكتروني لها تعرض فيه مصادرها وأنشطتها، وبرامجها وخدماتها وفعالياتها وجديدها، لتسهيل عملية التواصل بينها وبين الجمهور من جهات وأفراد وللترويج لها. واستضافة الأدباء والمؤلفين ليلتقي بهم القرّاء في حوارات مباشرة والاستفادة من تجاربهم القرائية والكتابية. والتواصل مع وسائل الإعلام المختلفة في ما يخدم الحراك الثقافي.

إن المكتبات وتوفير الكتاب هي مهمة الدولة أولاً، ومن الضرورة دعمها المستمر وامدادها بكل جديد ومتابعة الوسائل التقنية وضرورة توفيرها في المكتبات العامة، إذ لا يمكن أن يبنى الفرد ومن ثم المجتمع ما لم يهتم بهذا الجانب الحضاري. فدورها كبير في انعكاس مستوى التقدم للشعوب ونشر المبادئ والقيم وتوجيه الأفراد للمساهمة في تطوير المفاهيم الإنسانية وتطور الثقافة والفكر وتقدم المجتمعات، إنها مرآة المجتمعات من خلال نمطها ومنهجها والدور الذي تلعبهُ من أجل تقدم البلدان.

* كاتبة كويتية

[email protected]

suhaila.g.h
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي