«الفراغ الرئاسي» عاود إطلاق المشاورات وعون في هجوم معاكس ... «الأمر لي»


| بيروت - «الراي» |
... وفي اليوم الأول من «عهد الفراغ» الذي أطلّ برأسه مع تعثّر كل الجهود الداخلية والدولية الرامية الى إجراء الانتخابات الرئاسية ضمن موعدها الدستوري، بقي «حبس الانفاس» سيّد الموقف في لبنان الذي دخل منعطفاً خطيراً ويعيش للمرة الأولى منذ الاستقلال «بلا رأس» ماروني (تجربة 1988 انتهت بتكليف قائد الجيش الماروني العماد ميشال عون ترؤس حكومة عسكرية انتقالية).
وفي موازاة «التسليم والتسلم» الهادئ بين عهد الرئيس «السابق» اميل لحود وبين «الفراغ»، برزت امس محاولات لاحتواء مفاعيل الإطاحة بالانتخابات الرئاسية على الشارع المسيحي كما على الخريطة السياسية المسيحية في ضوء ترقُّب «حرب قاسية» سيشنها زعيم «التيار الوطني الحر» العماد ميشال عون على تولي حكومة الرئيس فؤاد السنيورة التي يعتبرها غير شرعية صلاحيات الرئاسة، وهو دعا الى لقاءات على مدى ثلاثة أيام في دارته في الرابية ابتداء من الاثنين مع الشخصيات المسيحية السياسية والاقتصادية والنقابية والروحية تمهيداً لاتخاذ موقف من الفراغ الذي آلت اليه الرئاسة.
وقد اعتُبرت دعوة عون بمثابة محاولة لسحب «المرجعية» من البطريركية المارونية التي أمّنت «الغطاء» لانتقال الصلاحيات الرئاسية بالوكالة وموقتاً الى حكومة السنيورة (السني) الذي التقى امس البطريك الكاردينال مار نصر الله بطرس صفير الذي استبقاه الى مائدة الغداء غداة استقباله زعيم الغالبية البرلمانية النائب سعد الحريري.
وبدا ان اللقاءات التي دعا اليها «جنرال الرابية» هي بمثابة «استشارات» تمهيداً لـ «شيء ما» سيعلنه بعدما عاود تأكيد انه عاد مرشحاً للرئاسة اثر سقوط «مبادرته الإنقاذية» ... في «مهدها».
وفي موازاة موقف عون، والتحرك في اتجاه بكركي، استمرت المشاورات والاتصالات الداخلية والخارجية في محاولة لتأمين إجراء الاستحقاق الرئاسي في جلسة 30 الجاري التي حددها رئيس البرلمان نبيه بري بعد انتهاء مؤتمر أنابوليس الذي يتوقع ان تشكل نتائجه «البوصلة» التي ستحدّد مسار الاستحقاق الرئاسي انفراجاً او ... انفجاراً.
وفي هذا الإطار توقفت الدوائر المراقبة عند «العبور الآمن» للبنان الى مرحلة الفراغ والذي كرّسته «الخطوة الشكلية» للرئيس لحود قبيل انتهاء ولايته والتي أعلن فيها «توافر اخطار حال الطوارىء وتحققها في جميع اراضي الجمهورية اللبنانية اعتبارا من تاريخ 24 نوفمبر وتكليف الجيش صلاحية حفظ الأمن في جميع الاراضي اللبنانية ووضع جميع القوى المسلحة تحت تصرفه».
وأشارت الدوائر المراقبة الى ان عدم لجوء لحود الى خيار تشكيل حكومة ثانية الذي كان لوّح به بقوة حلفاء سورية، و«تسليم» حزب الله بان تتسلّم حكومة الرئيس السنيورة صلاحيات الرئاسة الاولى بعدما كان توّعد بانه لن يسمح بحصول ذلك، مردّه الى موقف سوري استجاب للضغوط والاتصالات الدولية والعربية التي تمت على طريقة «العصا والجزرة» وكان آخرها موقف وزيرة الخارجية الأميركية كونداليزا رايس التي اعلنت قبل ايام انه اذا كانت دمشق تريد تحسين علاقتها مع واشنطن فان «تسهيل إجراء الانتخابات الرئاسية في لبنان هو المدخل».
وقالت الدوائر ان عدم دخول لبنان مرحلة «الفوضى» وفق معادلة امتناع الأكثرية النيابية اللبنانية عن الانتخاب بالنصف زائد واحد وعدم تشكيل المعارضة حكومة ثانية هو نتيجة «تسوية» سورية اميركية، «سمحت» دمشق بموجبها للرئيس لحود الذي كان يُعتبر من «الأقرب» اليها و«الخصم اللدود» لفريق الرابع عشر من مارس بمغادرة القصر الجمهوري من دون اي إجراء دراماتيكي، مع تسليمها بانتقال الصلاحيات الرئاسية الى حكومة السنيورة وعدم «مقاومتها» ، وذلك في اطار «رسالة حسن نية» الى الولايات المتحدة سرعان ما ردّت عليها باعلان وزير الخارجية السوري وليد المعلّم تسلم تأكيدات أميركية بادراج الجولان في جدول اعمال مؤتمر أنابوليس الذي ينعقد الثلاثاء المقبل.
وفي هذا المعنى بدا ان فريق الأكثرية حقق «نصف انتصار» في الاستحقاق الرئاسي يبقى اكتماله بانتخاب رئيس جديد رهن بما سيؤول اليه مؤتمر انابوليس، فإما تكمل سورية مهمتها «التسهيلية» وإما تعود الى اعتماد مسار «التعطيل» فتنفتح البلاد على ... المجهول.
في غضون ذلك، ركز معظم الافرقاء في الداخل اللبناني امس على وجوب الا يترك الفراغ اي تداعيات او انعكاسات سلبية على الوضع الميداني على الارض وان يبقى التباين السياسي ضمن اطار المواقف في موازاة العمل على حلحلة العقد القائمة توصلا الى حلول.
وقالت ان الاتصالات الفرنسية ستتواصل مع الافرقاء اللبنانيين وسيكون محورها الصرح البطريركي والرئيس نبيه بري والنائب الحريري على خلفية لائحة البطريرك صفير حيث قال مصدر ان هذه اللائحة ليست مقفلة في الاساس وان البطريرك اقترح فيها سبعة اسماء وبامكانه اضافة اي اسم يراه مناسبا للمرحلة، او حتى في حال اتفق الافرقاء انفسهم على شخصية توافقية ووفاقية فان البطريرك سيكون مرحبا لان دعوته من الاساس وقبل مبادرته كانت الى الافرقاء بوجوب التوافق على شخص الرئيس العتيد.
الا ان الثابت بحسب المصدر لغاية الآن هو أن التوجه لا يزال توافقيا دون غيره من الطروحات. وعلى الخط الأمني، فان البيان الذي صدر عن رئاسة الجمهورية قبل أربع ساعات من انتهاء ولاية لحود ليل اول من امس أثار التباسا واسعا لدى الرأي العام إذ فهم منه ان لحود كلف الجيش اعلان حال الطوارئ في البلاد. لكن البيان نفسه لم يتضمن ذلك وإن يكن لحود تعمد توسيع اطار التكليف للجيش الى حد اعلان حال الطوارئ منطلقا من اعتبار نفسه المرجع الصالح لهذا التكليف.
ووصفت أوساط في الغالبية خطوة لحود بأنها «تحريض للجيش على انقلاب عسكري والامساك بالسلطة السياسية ايضا تحت ستار تحقق اخطار حال الطوارئ». وقالت ان هذه الخطوة تفتقر تماما الى أي ارضية دستورية بل هي مخالفة للدستور اذ ان اعلان حال الطوارئ بموجب المادة 65 من الدستور يستوجب قرارا من مجلس الوزراء بغالبية الثلثين، وهو من صلاحية مجلس الوزراء وحده. واعتبرت ان الخطوة الاخيرة للحود جاءت بمثابة ضربة سيف في المياه، خصوصاً ان الجيش بدأ تنفيذ تدابيره منذ فترة.
وأصدر وزير الداخلية حسن السبع بياناً في الأولى فجر امس جاء فيه: «بعد صدور بيان رئيس الجمهورية السابق اميل لحود والذي تحدث فيه عن توافر وتحقق أخطار حال الطوارئ، سرت بعض الشائعات ان سريان حال الطوارئ في البلاد يبدأ منتصف ليل 23 - 24 من الجاري.
لذلك، يهم وزير الداخلية والبلديات حسن السبع ان يؤكد للرأي العام اللبناني ان ما تم تداوله حول هذا الموضوع لا أساس له من الصحة. كما يهمه ان يطمئن المواطنين الى ان الوضع الامني في لبنان لا يدعو الى القلق وهو ليس مثلما صوره البيان المذكور، داعياً المواطنين الى ممارسة اعمالهم وحياتهم اليومية بشكل عادي.
وتجدر الاشارة الى ان الجيش اللبناني، وبالتعاون الوثيق مع قوى الأمن الداخلي وبالتنسيق مع الاجهزة الامنية الاخرى، تقوم بواجبها الوطني لحماية أمن المواطنين والمؤسسات الرسمية وممتلكاتهم وتعمل على ضبط الأمن بناء على الصلاحيات التي حددها القانون ومجلس الوزراء وهو ما تجلى في أكثر من محطة منذ فترة طويلة».
وفي السياق نفسه، استقبل السبع المدير العام لقوى الامن الداخلي اللواء أشرف ريفي، وعرض معه التدابير الامنية المتخذة على الصعد كافة.
وأكد ريفي «ان التنسيق قائم وبشكل يومي مع الجيش اللبناني وقيادته في أدق الامور الامنية».