رأي مالي

تراجع الجنيه الإسترليني يؤثّر على الشركات في بريطانيا

تصغير
تكبير
شهدت المملكة المتحدة في شهر يونيو الماضي تنظيم استفتاء حول البقاء أو الخروج من الاتحاد الأوروبي، وهو الاستفتاء الذي شكلت نتائجه صدمة للفريق السياسي البريطاني المؤيد للبقاء وللسياسيين الأوروبيين والأميركيين على حدٍ سواء، وتسببت بهزة في الأسواق المالية الأوروبية والعالمية.

ولكن الجنيه الإسترليني كان منذ يوم 23 يونيو، وهو تاريخ تنظيم الاستفتاء، ولايزال أكبر المتأثرين بقرار البريطانيين الخروج من الاتحاد الأوروبي.


لقد انخفض الجنيه الإسترليني منذ الإعلان عن نتائج الاستفتاء بنسبة تزيد على 20 في المئة مقابل الدولار، و16 في المئة مقابل اليورو و23 في المئة مقابل الين الياباني، ومن المحتمل أن يواصل انخفاضه إذا لم تعلن الحكومة البريطانية تفعيل بند الخروج من الاتحاد الأوروبي.

قد لا يشكّل انخفاض قيمة الجنيه خبراً جيداً، ولكن على الرغم من ذلك هناك بعض الفائزين مما يمكن أن نسميه تخفيضاً حقيقياً طال انتظاره لقيمة الجنيه الإسترليني.

وفي الوقت الذي بدأ أثر تراجع الجنيه الإسترليني بالوصول إلى الاقتصاد، فإنه بدأ يؤثر بالفعل على العديد من الشركات، والمستثمرين والمستهلكين وقطاع السياحة بأشكال وطرق مختلفة على المديين القصير والطويل. والتطورات المستقبلية على هذا الصعيد تعتمد على حجم الانخفاض الذي سيتعرض له الجنيه الإسترليني، وطول المدة التي سيستمر فيها بالتراجع.

ينبغي على معظم الشركات البريطانية التي تتمتع بمعدلات تصدير مرتفعة جداً، الاستفادة بشكل هائل من هذا التراجع الكبير في قيمة الجنيه الإسترليني، كما يمكن للشركات التي تبيع معظم منتجاتها خارج المملكة المتحدة أن تصبح الآن أكثر تنافسية مع منافسيها.

ومن هذه الشركات «Burberry» و«Rolls Royce» و«British Aerospace» و«HSBC» وقطاع السياحة وغيرها. يجب أن يستفيد قطاع السياحة من انخفاض قيمة الجنيه الإسترليني على الفور، بما أنه يمكن للسائحين الأجانب البقاء في المملكة المتحدة لفترة أطول مقابل تكلفة أقل.

ويفترض أن يشهد الحساب الجاري للمملكة المتحدة زيادة في كل الدخل الإجمالي من الخارج، ما يؤدي إلى تقلص اعتماد بريطانيا على السلع ورؤوس الأموال الأجنبية.

وتوقّع اقتصاديون استطلعت وكالة «بلومبرغ» آراءهم أخيراً تراجع العجز في الحساب البريطاني الجاري الذي يقارب حالياً 7 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي إلى 3.9 في المئة بحلول منتصف عام 2017، بينما يتوقع بنك انكلترا انخفاضه إلى النصف على مدى السنوات الثلاث المقبلة.

أما على صعيد سوق الأسهم البريطاني، فإنه نجح منذ تاريخ الاستفتاء على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بالارتفاع بنحو 20 في المئة. ولم تشكل هذه المكاسب مبعث راحة بالنسبة للمستثمرين الأجانب لأنها كانت مجرد تعويض عن التراجع في قيمة الجنيه الاسترليني، إلا أن المستثمرين المحليين كانوا أكبر المستفيدين من هذا التراجع للجنيه الإسترليني.

قد يكون المستهلكين في المملكة المتحدة أحد أكبر الخاسرين من انخفاض قيمة الجنيه، بما أن أحدث التقديرات الاقتصادية تتوقع أن يؤدي تراجع الجنيه الإسترليني إلى ارتفاع التضخم ليصل إلى نسبة 2.2 في المئة في المتوسط خلال العام المقبل، وذلك بالمقارنة مع نحو الصفر في عام 2015.

إن ذلك يعني أن قيمة أموال المستهلكين ستكون أقل وأقل. لقد ارتفع نمو أسعار المستهلكين بالفعل إلى 1 في المئة خلال شهر سبتمبر الماضي، وهو أعلى مستوى له في عامين تقريباً، مع احتمال مواصلة الارتفاع بما أن بعض تجار المواد الغذائية حذروا بالفعل من إمكانية رفع الأسعار.

قد يشكّل ذلك بشكل عام أنباء سيئة للاقتصاد البريطاني الذي كان يعتمد على الإنفاق الاستهلاكي في نموه المطرد. لقد أظهرت أحدث البيانات الرسمية التي نشرتها الحكومة البريطانية ارتفاع أسعار المواد الخام، والقطع المستوردة والمعدات وغيرها من التكاليف بنسبة 7.2 في المئة على أساس سنوي في شهر سبتمبر الماضي، مما يضع الشركات في موقف حرج حيث عليهم الاختيار بين تقليص هوامش الربح أو زيادة الأسعار على المستهلكين.

كما سيتأثر المدخرون البريطانيون سلباً جراء ارتفاع التضخم. سيرى المدخرون تراجع القوة الشرائية لمدخراتهم، سواء كانوا يخططون للحصول على النقد أو التنويع من خلال شراء الأصول المقيّمة بعملات أخرى غير الجنيه الإسترلني.

ومن المرجّح في الوقت نفسه بقاء أسعار الفائدة عند مستوياتها المنخفضة القياسية بعدما كان بنك انكلترا قد أعلن عن خفض أسعار الفائدة في شهر أغسطس الماضي، مشيراً إلى أن المزيد قد يكون قادماً على الطريق.

لقد أعلن الشعب البريطاني صراحة في شهر يونيو الماضي رغبته في الخروج من الاتحاد الأوروبي، والآن يجب على الحكومة البريطانية بذل جهود كبيرة من أجل الاتفاق مع بروكسل على أفضل شروط لهذا الخروج.

من المحتمل أن تستغرق هذه العملية بعض الوقت، وقد تستمر قيمة الجنيه الإسترليني خلال هذه الفترة بالتراجع.

@Rasameel
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي