فاصلة

لذة الكتابة

تصغير
تكبير
في رواية «الحب في المنفى» لبهاء طاهر- التي صدرت أولى طبعاتها 1995- قد لا يختلف كثيرا البطل هنا عن البطل غير المسمى عند الطيب صالح، وقد يستشف من الفقرة السردية الأولى «اشتهيتها اشتهاء عاجزا، كخوف الدنس بالمحارم» تكريسا سابقا لرؤية الشرق للغرب في الانجذاب والاعجاب لدرجة الاشتهاء كما عند موسم الهجرة للطيب صالح.

البطل هنا صحافي ناصري العقيدة تم تهجيره من مصر بعد وفاة عبد الناصر ليكون مراسلا لصحيفته التي كان مرشحا لرئاسة تحريرها، وأثناء وجوده هناك ذهب لتغطية أخبار مؤتمر عالمي عن حقوق الإنسان، ليلتقي بصحفية أجنبية «بريجيت» ليكون السرد منقسما بين مكانين، وكأنه يشكل انقسام الأنا بين ذاتين، قبل أن يكون بين الأنا والآخر، فجاء السرد بصوت سارد عليم مشارك، هو البطل نفسه، يستعيد المكان السابق في المكان الحالي بكل صوره وشخصياته، مما يمثل صراعا يجتر من الماضي حاضره في زمن السرد. ليحمل الفصل الأول من الرواية مفاصل المكان في العلاقة بين البطل وبريجيت حيث التقيا في المكان الافتراضي (ن):

«كنت قاهريا طردته مدينته للغربة في الشمال وكانت هي مثلي أجنبية في ذلك البلد، لكنها أوروبية وبجواز سفرها تعتبر أوروبا كلها مدينتها ولما التقينا بالمصادفة في تلك المدينة (ن) التي قيدني فيها العمل، صرنا صديقين».

تشكلت العلاقة بين الاثنين، البطل/ بريجيت موازية للمكان الأول «الوطن»/ المكان الثاني «المنفى» في خطاب سردي يميل إلى الحوارية أكثر منه إلى الحدث، لتجاذب الأفكار بين الأنا والآخر، وليست بريجيت الآخر الوحيد هنا فقط، بل هناك برنار وإبراهيم وإلين وغيرهم، وكل منهم يمثل وجهة نظر في الرواية.

قد يتجـاوز الحب هنا اللغة والجغرافيـا السياسية بين الاثنين، لكنـه لا يتجاوز الأرض... الوطن، ولو على حساب الحب نفسه. وهنا قد يُظن أن بهاء طاهر يتشبث بالكتابة الروائية التي تشكّلت مع جيل الستينات، (عصفـور من الشرق) لتوفيق الحكيم، (قنديل أم هاشم) ليحيى حقي، (حب في الحي اللاتيني )سهيل إدريس، و(موسم الهجرة إلى الشمال) للطيب صالح، إلا أن السرد في هذا العمل استطاع أن يتجاوز بلغته السرد التقليدي في توظيف الوصف بصريا للمتلقي، كما هو مشهد لوحة الصور التذكارية في مقهى «إيلين».

قد تكون الرواية مكتوبة في المنفى، ولكنها وصفت جانبا من حياة العرب المقيمين هناك من خلال نماذج شخصياتها. وربما منها شخصية الروائي نفسه «طاهر» الذي ترك مصر بعد منعه من الكتابة، وتجول بين أفريقيا وآسيا، حيث عمل مترجما. كما عاش في جنيف بين عامي 1981 و1995 حيث عمل مترجما في الأمم المتحدة، لكنه عاد بعدها إلى مصر. ليكون الاشتهاء للسرد والنشر أكثر هنا، ولو تنفس جانبا من الهواء هناك، فلابد من العودة حيث تجد الكتابة وطنها، لذتها، بعدما وجدت ملاذها، الأنا!

والعاقبة لمن يعقل ويتدبر.

* كاتب وناقد كويتي

@bo_salem72
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي