مشهد / فنون الخطابة

u062f. u0632u064au0627u062f u0627u0644u0648u0647u0631
د. زياد الوهر
تصغير
تكبير
وقف على المسرح ليلقي خطابا على الجمهور المحتشد لسماع كلماته التي ألهبت مشاعرهم في كتبه، جالت عيناه بسرعة على الحضور فأصابه نوع من الخوف والفزع وتبعه ارتجاف في الأطراف وتسارعت دقات قلبه وسقط العرق من على جبينه، وحتى لسانه التصق بسقف فمه بسبب الجفاف الذي أصابه جراء ازدياد إفراز هرمون الأدرنالين الذي يفرزه الجسم عادة عند التوتر والخوف.

ومن خلف الستارة همس له أحد مساعديه بأن تكلم فلا شيء يستحق الخوف، ولكنه لم ينطق، حاول الكاتب أن يبتلع ريقه ويعيد توازنه ويتمالك نفسه ويسيطر على مخاوفه وعندها بدأ الجمهور بالهتاف تشجيعا له قائلين بصوت جهوري: «تكلم، تكلم، تكلم»... تكلم الكاتب أخيرا والخوف يعتريه وكان صوته مهزوزا وبالكاد سمعه الجمهور وبالتأكيد أن هدف خطبته لم يتحقق وخرج الناس متذمرين من هذا الخطاب الضعيف والركيك لصاحبه المهزوز.

إنها لحظة حرجة ومحزنة جدا لكل من يخشى الخطابة أمام الناس، فكثيرون هم أولئك الذين يفشلون بسبب الخوف من الوقوف أمام الناس وإلقاء كلمة

على مسامعهم بكل ثقة، هذا النفر غير القليل من الناس بإمكانهم تحقيق الكثير من أهدافهم وطموحاتهم فقط عندما يمتلكون الجرأة للوقوف وإلقاء خطاب عن مشاريعهم المستقبلية أو عن إنجازاتهم التي حققوها.

وقد يكون الكاتب الأميركي ديل كارنيجي هو أشهر من كتب عن مهارات التنمية البشرية وفنون الخطابة والقيادة، ونستطيع أن نقول إنه هو الأب الفعلي لهذه العلوم التي تنتشر الآن في كل دول العالم، وقد ألّف هذا الكاتب العبقري مجموعة من الكتب التي لا تزال تعتلي أرفف المكتبات حتى يومنا الحاضر ومن أشهرها «فن الخطابة... الطريق لاكتساب الثقة والتواصل الناجح مع الآخرين».

ويعتبر هذا الكتاب دليلا ومرشدا شاملا للباحثين عن الخطابة وكيفية التغلب على المخاوف من خلال مجموعة من المبادئ والخطوات التي تضمن للخطيب إلقاء كلمته بكل أريحية ويحقق أهدافه التي رسمها مسبقا ويساعده ذلك على ترسيخ نجاحه وتأكيد دوره الفعال في شركته أو موقعه السياسي.

إن الخجل أو الخوف من مواجهة الجمهور هو أحد أسباب الفشل الذائعة الصيت وهو السد المنيع أمام الكثير من الطامحين لتحقيق النجاح والتميز، فمن أولئك من واجه مخاوفه بشجاعة فارتقى سلم النجاح بكل ثقة، بينما البعض قد استسلم لليأس والقنوط وسلّم بالأمر على ما هو عليه وأصابه الإحباط ووسم نفسه بالفشل وغشيته هالة من السلبية المقيتة.

ولأجل مواجهة هذا الخوف لا بد للشخص من أن يضع نصب عينيه أن النجاح لا يأتي بلا ثمن ولا مجهود، بل إنه يجب أن يبذل ما يستطيع ليتمكن من تفادي عقبة الخوف، وأن يميط اللثام عن أسرار النفس البشرية في جسده ويعطيها الدفء والحنان ويبعث فيها القوة والشجاعة ويدفعها لأن تكون عاملا محفزا له.

ومن ضمن العوامل الرئيسة التي ستدفعك لتكون خطيبا مفوها؛ الرغبة القوية في تحقيق النجاح وأن لا مانع سيقف أمامك وكما يقول نابليون هيل: «ما يمكن أن يتخيله عقل الإنسان يمكن تحقيقه».

الرئيس الأميركي السابق فرانكلين روزفلت قال جملة شهيرة بهذا الخصوص والتي ما زال صداها يشع في عالم السياسة حين قال: «ليس لدينا ما نخافه سوى الخوف نفسه». ولذلك فإن الدافع القوي والرغبة الشديدة في إلقاء خطبة لا تنسى أمام الجماهير هو خطوة أكيدة نحو تحقيق هذا الهدف السامي.

كما أن معرفة ما ستتكلم عنه وبشكل مفصل أمر ضروري لوصول رسالتك للناس بدلا من الوقوف حائرا تائها، وكما قال أحدهم: «لا تتكلم حتى تتأكد أن لديك ما تقوله... واعرف عما ستتحدث ثم قله واجلس».

وتأتي الثقة بالنفس كعامل ثالث من عوامل النجاح في إلقاء خطبة ناجحة، فكلماتك من أجل أن تصل للناس لا بد أن تكون نابعة من ثقتك بنفسك وإلا فإن المستمعين لن يعيروك أدنى اهتمام ولن يصدقوا حديثك وسيكون الأثر سلبيا ومحبطا. ولأجل تحقيق هذا الهدف للمبتدئين ينصح خبراء الخطابة بأن تنظر في أول لحظات الخطبة

إلى شخص محدد فقط وليكن من أصدقائك المقربين لتكتسب من عينيه الثقة ولكن عندما تنظر للجمهور بشكل عام قد تصيبك الرهبة وتقع في المحظور، في حين أن كارنيجي يقترح قائلا: «قف مستقيما وتطلع في عيون الناس وكأنهم مدينون لك بالمال، تخيل أنهم تجمعوا ليتوسلوا إليك لتمديد مدة الدفع، فالتأثير الناتج عن ذلك سيكون مفيدا جدا».

ويشكل التدريب المستمر على الخطابة أمرا غاية في الأهمية في تطوير هذه المهارة، ولذلك بإمكانك أن تبدأ في التدرب على الإلقاء أمام المرآة أو أمام أفراد عائلتك في المرحلة الأولى ثم أمام أصدقائك في المرحلة الثانية حتى تتمكن من ترتيب أفكارك وصياغة كلماتك،

وأن تستمع لتعليقات من حولك ونصائحهم من أجل تفادي الوقوع في براثن الارتباك على المسرح وأمام الناس.

ولأجل اختصار الموضوع في بضع كلمات أستطيع القول إن الاستعداد للخطبة كما الاستعداد للحرب، فكما أن الحرب تحتاج للتدريب والتخطيط المسبق ومعرفة العدو معرفة جيدة وتحديد مكامن القوة والضعف فيه، بالإضافة إلى تجهيز السلاح والعتاد والجنود وتحديد ساعة الصفر، فكذلك هي الخطبة تتطلب الإعداد المسبق والإلمام بموضوعها جيدا ودراسة الجمهور الحاضر ونوعه وما يهمه وما إلى ذلك من أسباب تحقيق النجاح والنصر المؤزر.

[email protected]
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي