يقال إن هناك ملكاً إغريقيا عظيماً طلب من أحد أشهر الصائغين في زمنه أن يصنع له تاجاً خالصاً من الذهب، وهدد الملك ذلك الصائغ بالقتل، إذا تحايل أو غش في صناعة التاج المطلوب أو أضاف له مواد أخرى غير الذهب.
قام الصائغ بصناعة التاج المطلوب، وبعد فترة وجيزة، شك الملك بالأمر وطلب إحضار عالم الرياضيات والفيزياء المعروف أرخميدس، ليكشف له إذا كان التاج في حقيقته من الذهب الخالص، أم أن الصائغ المشهور بالفعل قد غش الملك.
بعد مرور فترة قصيرة وبينما كان يحاول أرخميدس جاهداً أن يجد طريقة للوفاء بطلب الملك، هدد الملك الطاغية، أرخميدس بالقتل إذا لم يتمكن من حل لغز التاج بسرعة بعد ما نفذ صبره، وأمهله بضعة أيام للإجابة عن سؤاله، وإلا سيتعرض هو للقتل!
وبينما لم يتبق على المهلة المحددة سوى ساعات قليلة، أدرك أرخميدس حينها أن الموت قادمٌ له لا محالة وأنها مسألة وقت ليس إلا، فقرر بذلك الاستسلام وذهب للاستحمام قبل حضور الاجتماع الضخم الذي كان مقررا إقامته بحضور الملك والصائغ والحاشية للبت في موضوع التاج.
نزل أرخميدس إلى حوض الاستحمام، ولاحظ حينها أن الماء يتدفق من أطراف الحوض حينما يتمدد في داخله، واستدل بذلك على أنه لو حبس شيئا في إناء من الماء، وقاس حجم الماء المتدفق من الإناء، فإن ذلك يعادل حجم الجسم ذاته، وأنه يستطيع أن يضع الذهب الخاص في إناء وتاج الملك في إناء آخر، وسيعرف حينها إذا كان التاج من الذهب الخالص أم لا!
ولأن للروح حلاوة، يقال إن أرخميدس نزل من حوض الاستحمام وجال في شوارع صقليه عارياً وهو يصرخ «وجدتها... وجدتها... وجدتها، واستطاع أن يكشف سر تاج الملك الذي وجده مزوراً، ونتيجة لذلك بات لدينا اليوم في الفيزياء ما يعرف باسم«مبدأ انزياح السوائل».
***
صرح المدير العام لبلدية الكويت أحمد المنفوحي، بأن البلدية ستبدأ قريبا بتنفيذ 20 حكماً لهدم عقارات مخالفة، وأنه يجب على المخالفين ممن صدرت ضدهم أحكام قضائية، سرعة إزالة التجاوزات حتى لا يتم قطع التيار الكهربائي بالكامل عن عقاراتهم، وأن البلدية ستعمل جاهدة من أجل تنفيذ القانون على كل المباني المخالفة!
ولمن لا يعرف المنفوحي، فإنه شخص مجتهد ومثابر، يتَبع سياسة الأبواب المفتوحة ويحاول تطبيق القانون والتيسير على المواطن، متواضع وباعتقادي يستحق مكانا أفضل مما هو فيه الآن، ويسعى بشتى الطرق إلى تحسين مستوى البلدية السيئ، فالتركة التي لديه بالفعل ثقيلة ومرهقة.
ولكن مع الأسف، أعتقد يا بوعبدالله أن كل هذا المجهود سيضيع سدى، وأن تطبيق القانون سيقف عند حدود معينة، وسيصدها المتنفذون والوزراء وضغوط النواب والبيروقراطية والأخطاء الإجرائية وتواطؤ البعض والقائمة تطول. ووقائع السوابق خير دليل على ذلك.
الأيام المقبلة ستثبت إن كانت الدولة جادة بالفعل في مساعدة مدير عام البلدية على تنفيذ تطلعاته لتحسين أداء هذا الجهاز المهم وتطبيق القانون في أول اختبار جدي لها معه، وحينها فإنني متأكد أن المنفوحي سيصرخ كأرخميدس ويقول«فعلتها... فعلتها... فعلتها»(من دون أن يركض عارياً بالطبع!)، أم أنه وكما هو متوقع، سيغطس في حوض الاستحمام كما فعل عالمنا مسترخيا متألماً باحثاً عن حل لحال هذا البلد، ليذهب بعدها لصانع القرار ويطلب منه أن يقتل أحلامه لأنه فشل بعكس أرخميدس، الذي هدد بالقتل قبل أن ينجح! فالثابت أنه، وكما يحسب للإغريق،«مبدأ انزياح السوائل»، يحسب لدينا مبدأ انزياح الأكفاء! والله من وراء القصد.
Email:
[email protected]