اعتادت الناس أن تسمع عن عوامل تؤثر سلباً في مهام وواجبات العاملين في المؤسسة الحكومية، وربما تكون بعضها مخلة بالآداب العامة وتتنافى مع الأخلاق والقانون، وتحدث اختلالات كبيرة. فمن جملة هذه الاختلالات مخاطر تصرفات البعض، خصوصا في المؤسسة التعليمية التي من مهامها تنشئة الأجيال على الخلق، واحترام القانون، واكتمال الشخصية. فلقد قرأنا في الصحف منذ فترة قريبة عن سلوك التحرش الجنسي من بعض الأساتذة للطالبات في التعليم العالي. فهل هذا الحدث استثناء لتصرف بسيط لا يستدعي التضخيم، أم انه صورة تعبر عن واقع مكرر عند البعض لم يلتفت إليه أحد أو يعطيه الاهتمامات الإعلامية التي تجعل كل عاقل يفكر ولو لحظة واحدة في التداعيات وحجم الاختلالات على المجتمع؟
لا شك أن الحدث في ذاته غير مألوف بعلانيته، وجرأة الإقدام عليه، واللامبالاة بالأخلاق والقانون، فمهما كانت محدودية الفعل وتأثيراته إلا أنه شيء مزعج نافر ومقلق ولا أخلاقي مهما صغر لأنه يعبر بوضوح عن مستوى رداءة وفساد بعض من يعمل في سلك التدريس الجامعي، واللامبالاة بقدسية المهنة، وضعف الإحساس بجسامة التداعيات على المجتمع.
سلوك التحرش الجنسي عند بعض الأساتذة كان يحدث بين فترة وأخرى، ولم يكن لافتا للنظر على النحو الذي نشاهده الآن، فعلى ما يبدو زاد الفعل رغم أنه جرم كبير يحتقره المجتمع ويتخوف من تداعياته، خصوصاً إذا صدر من معلم يفترض أن يكون أميناً على مهنة التعليم السامية، وان يكون قدوة لطلابه وطالباته. لذلك لا ينبغي السكوت عنه أمر كهذا، أو نسيانه والكتمان عليه، أو حتى القبول بالاعتذار عن الفعل المشين، ذلك ان المسألة تشكل اتجاهاً خطيراً يفتت مفاصل المجتمع، ويهدم قيمه ومعتقداته، خصوصا انه ناتج من معلمين يفترض أنهم تربويون يقومون بتربية الأجيال، ويبنون السلوكيات الايجابية! اما في اتجاه معالجة الوضع فإن الأمر لا يتوقف فقط على إنهاء خدمات من يعمل في سلك التدريس، وإنما الواجب يقتضي التحقق من التهمة، وتطبيق العقوبات ومنها التسريح من العمل.
الاكتفاء بمعالجة الظواهر المخلة رغم أهميتها لا ينبغي أن يمنعنا من وضع نظام كامل للوقاية وعدم تكرار الاختلالات، فالكثير من الكلام مازال يدور عن سلوك بعض المعلمين، وضعف أدائهم، وغيابهم المتكرر عن العمل، واهتمامهم بالالتزامات الخارجية كالعمل في اللجان، وحضور المؤتمرات، وربما التعامل مع سوق الأوراق المالية ما يؤدي هذا وغيره إلى اختلالات متعددة في مؤسسة التعليم العالي.
هذه الظواهر الشاذة عند البعض من الأساتذة في التعليم الجامعي لا يصح التغافل عنها وإهمالها، فانعكاساتها كثيرة، ومنها التحرش الجنسي الذي ما إن يكتشف خيوطه إلا ونجد سيلا من التهم والخلافات والمواجهات تثار بين أعضاء التدريس بسبب العلاقات السيئة القائمة بين البعض من الأساتذة والتي لها انعكاسات سيئة على الوضع التعليمي في البلاد.
د. يعقوب أحمد الشراح
كاتب كويتي
[email protected]